العدد 1577 /30-8-2023
قطب العربي
تستعد السلطات
المصرية ممثلة في لجنة الانتخابات الرئاسية للإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات
الرئاسية المقررة قبل نهاية العام. نحن الآن على بُعد 3 أشهر تقريبا من الإعلان
الرسمي، وفي ظل ظروف طبيعية فإن هذه الشهور تكون موسما للحراك الكثيف للأحزاب
والمرشحين المحتملين قبل أن يقدموا أوراقهم رسميا في المواعيد التي ستقررها اللجنة
العليا.
هناك قناعة لدى
جميع القوى السياسية (باستثناء ظهير السلطة) بأن ما سيحدث لن يكون عملية انتخابية
حقيقية، بل هي محض مسرحية هزلية سيجري فقط تحسين إخراجها نسبيا عن انتخابات
الدورتين السابقتين في العام 2014، والعام 2018.
وللتذكير، ففي
الأولى أي 2014 سمحت السلطة بترشح منافس للسيسي لاستكمال الديكور، وهو القيادي
الناصري حمدين صباحي الذي سبق أن حصل على أكثر من 4 ملايين صوت في الانتخابات
الحرة 2012، إلا أن سلطة يوليو الجديدة استكثرت عليه الحصول على المركز الثاني في
انتخابات لم يترشح فيها سوى اثنين (السيسي وصباحي)، وهكذا جاءت الأصوات الباطلة في
المركز الثاني ليحل صباحي في المركز الثالث؛ في إهانة متعمدة له رغم قبوله دور
"المحلل". وفي انتخابات 2018 خشي الجميع من المنافسة حتى لا يتعرضوا
للمصير ذاته، فدفعت السلطة بأحد داعميها للترشح، وكانت مسرحية سمجة حيث مُنح
المرشح المنافس صوته للسيسي في تلك الانتخابات التي غاب عنها جمهور الناخبين كما
في الدورة التي سبقتها.
يمكن القول
ببساطة إن هذه المنافسة تجري بين أبناء فريق واحد في ظل إبعاد الفريق أو الفرق
المنافسة الحقيقية، فالسيسي وبقية المرشحين المحتملين ينتمون لمعسكر 30 يونيو،
بينما تم إقصاء وتغييب القوى الإسلامية منذ انقلاب 3 يوليو 2013.
نحن أمام نظام
وصل إلى السلطة عبر القوة العسكرية، ولا يؤمن أساسا بالديمقراطية، والانتخابات
والتداول السلمي للسلطة، ولكنه مضطر لاستكمال الشكل بإجراء انتخابات ديكورية، يتم
التحكم في كل تفاصيلها ومجرياتها بدءا من تحديد المنافسين وصولا إلى نسبة الأصوات
التي يحصل عليها كل مرشح.
ما حدث في
الدورتين السابقتين كان ولا يزال مثار سخرية المجتمع المحلي والدولي، ومن هنا جاء
التفكير في ضرورة تحسين إخراج العرض الانتخابي ليبدو مختلفا عن سابقيه مع الحفاظ
على النتيجة النهائية بفوز السيسي مجددا وبأغلبية كبيرة حتى لو تم تخفيضها قليلا.
وهنا ظهر الحديث عن السماح بترشح مرشحين أو ثلاثة مع تسهيل مهمتهم ومنحهم 30 في
المئة من الأصوات، والاكتفاء بنسبة 70 في المئة للسيسي بدلا من نسبة 98 في المئة
السابقة.
حتى الآن أعلنت
عدة شخصيات اعتزامها الترشح، بينهم رئيسا حزبين (الوفد والشعب الجمهوري) تتوفر
لديها التوكيلات الكافية من النواب، بينما يسعى المرشح أحمد طنطاوي للحصول على
التوكيلات الشعبية المطلوبة (25 ألف توكيل)، وقد يظهر خلال الأيام المقبلة مرشح أو
مرشحون آخرون، فالواضح أنه رغم إقرار قوى المعارضة الداخلية بأن ما سيحدث لن يعدو
كونه مسرحية هزلية إلا أن تلك القوى والأحزاب ترضى من الغنيمة بالإياب، ويسعى بعض
أقطابها للحصول على لقب مرشح رئاسي سابق، ويبررون قبولهم المشاركة في تلك المسرحية
بأن السياسة هي فن الممكن، وأن الانتخابات هي فرصة لتنشيط أحزابهم وكوادرهم،
والحصول على أي مكاسب.
ليس خافيا أن
نظام السيسي في أضعف مراحله بسبب الأزمات الاقتصادية، وتصاعد الديون الخارجية إلى
رقم مفزع (165 مليار دولار)، وحلول آجال أقساط وفوائد ديون بقيمة 24 مليار دولار
في 2024 ومبلغ 15 مليار دولار في 2025، واستمرار تراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار
السلع والخدمات، والفضائح الأمنية التي تلاحقه وآخرها اقتحام مقر الأمن الوطني
وقتل عدد من الضباط في العريش بعد أن أعلن السيسي بنفسه انتهاء معركة الإرهاب
بالانتصار الحاسم، وحادثة طائرة تهريب الذهب والدولارات إلى زامبيا، ولكن هذا
الضعف لن يمنع السيسي من الترشح مجددا، بل إن العديد من أحزاب الموالاة وبعض
النقابات سارعت لإعلان دعمها لترشحه الذي لم يعلنه بعد.
السيسي يدرك أن
تركه للسلطة يعني نهاية حياته نهاية، ولذا فإنه مستعد لتكرار ما فعله بشار الأسد
في سوريا مع الشعب المصري. وهنا يبرز السؤال: إذا كان الأمر كذلك فهل يعني ذلك
اليأس الكامل من التغيير السلمي الديمقراطي؟ وهل يعني ذلك أنه لا تغيير إلا عبر
الثورة أو الانقلاب؟ ثم يأتي سؤال لا يقل أهمية حول إمكانية تحقيق مكاسب جزئية على
طريق استعادة الديمقراطية الكاملة؟
لا يمكن للسيسي
أن يتخلى عن الحكم طواعية تحت أي سبب، ولا يمكن أن يخسر انتخابات مهما بلغت قوة
أحد منافسيه، ومهما كان الرهان على التصويت العقابي، فالسيسي يدرك أن تركه للسلطة
يعني نهاية حياته نهاية، ولذا فإنه مستعد لتكرار ما فعله بشار الأسد في سوريا مع
الشعب المصري. وهنا يبرز السؤال: إذا كان الأمر كذلك فهل يعني ذلك اليأس الكامل من
التغيير السلمي الديمقراطي؟ وهل يعني ذلك أنه لا تغيير إلا عبر الثورة أو الانقلاب؟
ثم يأتي سؤال لا يقل أهمية حول إمكانية تحقيق مكاسب جزئية على طريق استعادة
الديمقراطية الكاملة؟
قبل الإجابة يجدر
التنويه إلى تنوع مواقف القوى السياسية المصرية تجاه الانتخابات بين اتجاهين
رئيسين ينقسم كل منهما إلى اتجاهين فرعين أيضا: الاتجاه الأول هو معسكر 30 يونيو،
وهو ينقسم إلى جزء موال تماما للنظام ويبذل كل جهده لاستمراره في الحكم، وجزء آخر
يرى ضرورة التغيير من داخل المعسكر نفسه، وسواء كان هذا التغيير عبر مرشح ذو خلفية
مدنية أو عسكرية، ويتعامل بجدية مع الانتخابات رغم شكوكه فيها، ولكنه لا يتفق على
مرشح واحد بل قدم حتى الآن أكثر من مرشح.
أما الاتجاه
الثاني فهو للرافضي الاعتراف بنظام السيسي منذ انقلابه في 3 يوليو 2013، وهؤلاء
بدورهم ينقسمون بين فريقين يرى أولهما عدم التعاطي بأي شكل مع هذه الانتخابات
باعتبار أن التعاطي معها هو نوع من الاعتراف بالنظام، بينما يرى فريق ثان أنه يمكن
التعاطي مع الانتخابات مع عدم الاعتراف بالنظام ومع عدم الإقرار بجدية هذه
الانتخابات، بل باعتبارها مجرد حدث سياسي مهم يفتح الباب لحديث السياسة، وقد يسمح
بالحصول على بعض المكاسب السياسية الجزئية على طريق طويل لاسترداد المكاسب الكبرى
التي أرستها ثورة يناير، سواء كانت هذه المكاسب الجزئية في الإفراج عن سجناء
سياسيين، أو فتح جزئي للمجال السياسي أو الإعلامي، أو الحقوقي.. إلخ.
نعود إلى السؤال
الرئيسي عن احتمالات وفرص التغيير السلمي الديمقراطي في ظل هذا المناخ العسكري
الصارم، والحقيقة أن النظام بممارساته وأفعاله هو الذي يرسّخ لدى الكثيرين اليأس
من إمكانية التغيير الديمقراطي، ويفتح عيونهم على التغيير بالثورة، أو حتى
بالانقلاب. وإذا كانت احتمالات موجة ثورية جديدة قائمة بالفعل في ظل تدهور الأوضاع
المعيشية، وفشل السلطة في لجم هذا التدهور، فإن النظام من جهته وكما أسلفنا جاهز
للتعامل مع هذه الثورة المحتملة على طريقة بشار الأسد، وربما أشد، لكن هذا لن يمنع
انفجار الغضب حين يفيض الكيل، وحين تستوي الحياة مع الموت. أما الانقلاب فلا يد
للقوى السياسية فيه، وهو شأن عسكري كامل، وسيظل في كل حال تغييرا غير ديمقراطي
يستبدل عسكريا بعسكري، ويبقى أن التغيير الحقيقي والمستدام، والقادر على تأسيس
دولة وحكم مدني حقيقي، هو التغيير الشعبي الديمقراطي، فهل توفر الانتخابات المقبلة
هذا الخيار؟
المؤكد أن
الانتخابات المقبلة ليست انتخابات حقيقية كما ذكرنا، ولكنها حدث سياسي يمنح فرصا
لطرح قضايا سياسية ملحّة، وهو فرصة لحراك سياسي قد يحقق بعض النتائج الإيجابية وقد
لا يحقق شيئا، لكنه في كل الأحوال أفضل من حالة الجمود والتكلس، وانتظار ما لا
يأتي.
وفي هذا الإطار
تستطيع المعارضة المصرية بجناحيها الداخلي والخارجي التوافق على مجموعة من المطالب
قبل الانتخابات وبعدها وتتحرك لتسويقها، ومن المطالب القبلية ضمانات حقيقية لنزاهة
الانتخابات عبر القبول بإشراف دولي (وليس مجرد متابعة بعض المنظمات الحقوقية)،
والإفراج عن السجناء السياسيين بمن فيهم من يرغبون في الترشح، وتعديل قانوني يزيل
العقبات أمام الترشح، والسماح لمن يشاء بالترشح دون مضايقات له أو لأنصاره، وتوفير
حرية الإعلام، وإتاحته لجميع المرشحين.. ومن المطالب والخطوات الضرورية بعد
الانتخابات تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الشاملة التي نص عليها
الدستور، وفتح المجال السياسي وعودة الأحزاب المغلقة أو المجمدة، وتصفية السجون
والمعتقلات من جميع سجناء الرأي، بل يمكن الحوار والوصول إلى صيغة مقبولة للعلاقات
المدنية العسكرية، وخارطة طريق للانتقال الديمقراطي الكامل وفق جدول زمني متفق
عليه.. الخ.
قد يرى البعض أن
هذه المطالب هي أحلام غير قابلة للتنفيذ، لكن النضال السياسي لا يعرف المستحيل،
ولا يبني حساباته على تحقيق كل المطالب دفعة واحدة، والمهم هو البدء في التنفيذ
ولو وفق جدول زمني متفق عليه، لكن تحقيق هذه المطالب يحتاج حراكا واسعا في الداخل
والخارج، وحشد كل الضغوط السلمية الممكنة لتحقيقها كلها أو جلها، واعتبار ما
سيتحقق منها خطوة على طريق تحقيق حلم الدولة المدنية الديمقراطية، وإغلاق قوس
الاستبداد.