العدد 1674 /30-7-2025
تشهد محافظة
الجيزة أزمة مركبة منذ أيام، تمثلت في انقطاع متكرر وطويل للكهرباء تزامن مع غياب
مياه الشرب عن أغلب المناطق الحيوية، ما أدى إلى شلل واسع في الخدمات وتعطل الحياة
اليومية لملايين المواطنين، وسط ارتفاع كبير في درجات الحرارة وسخط متزايد من
المواطنين تجاه تعامل الحكومة مع الأزمة. في قلب هذه الأزمة، خرجت محطة محولات
جزيرة الذهب عن الخدمة بالكامل، أول من أمس الاثنين، بعد عطل أصاب كابل الجهد
العالي الأساسي المغذي لها، بينما ظل الكابل الاحتياطي خارج الخدمة منذ أكثر من
عام دون صيانة، حسب مصادر فنية في وزارة الكهرباء. ومع غياب أي خط بديل للطوارئ،
انقطعت الكهرباء بشكل شبه كامل عن مناطق عديدة، منها الهرم، وفيصل، والعمرانية،
وأبو النمرس، ومنيل شيحة، والجيزة، وجنوب أكتوبر.
تفعيل خطة
طوارئ
وسارعت وزارة
الكهرباء إلى تفعيل خطة طوارئ بنقل 60 مولداً للديزل إلى مناطق استراتيجية لتأمين
الكهرباء لمحطات المياه والصرف الصحي، إلا أن هذه الحلول لم تكن كافية لتغطية
الاحتياجات الأساسية، إذ تعرّضت محطة مياه جزيرة الذهب - إحدى أكبر محطات ضخ
المياه في الجيزة - إلى توقف تام عن العمل، ما أدى إلى انقطاع المياه بالتزامن مع
غياب الكهرباء. ومع اعتماد أغلب الأحياء السكنية في جنوب الجيزة على هذه المحطة
تحديدًا، دخلت الأزمة مرحلة أكثر خطورة، حيث واجه السكان العطش لمدة تجاوزت 48
ساعة في بعض المناطق. واضطر العديد من المواطنين للنزول إلى الشوارع للبحث عن
مصادر بديلة للمياه، بما في ذلك ملء جراكن من المساجد أو المحطات الخاصة، فيما لجأ
آخرون إلى شراء المياه المعدنية بأسعار مضاعفة، ما زاد الأعباء المالية على الأسر.
وقالت مصادر
محلية، رفضت ذكر اسمها، إن توقف محطة المياه كان نتيجة مباشرة لانقطاع الكهرباء،
مشيرة إلى أن خزانات الطوارئ لا تكفي أكثر من ساعات قليلة، ولا توجد أي بنية
احتياطية كافية لضمان استمرار الخدمة في حال وقوع عطل مفاجئ، وهو ما كشفت عنه
الأزمة بوضوح. في المناطق المتضررة، أغلقت بعض المخابز والمحال أبوابها بسبب عدم
توفر المياه أو الكهرباء، بينما أُجبرت بعض المستشفيات والمراكز الطبية على العمل
باستخدام المولدات، في ظروف صعبة وبكلفة تشغيلية مرتفعة. كما تعطلت ورش الخياطة
والمصانع الصغيرة، وتوقفت أنشطة خدمية كغسيل السيارات، وصالونات الحلاقة،
والمقاهي، ما كبّد أصحابها خسائر فادحة خلال الأيام الأخيرة.
غضب الشارع
وعبر سكان
الجيزة عن غضبهم الشديد، مشيرين إلى غياب أي خطة واضحة للتعامل مع الأزمة أو جدول
زمني دقيق لعودة الخدمات. ويقول أحمد شوقي، وهو من سكان العمرانية، لـ"العربي
الجديد": "أصبحنا نتوقع الكهرباء متى ستعود حتى نخزن المياه، لكن ساعات
الكهرباء بترجع دقائق وبتقطع مرة أخرى. ومفيش أي مسؤول بيكلم الناس". وأضافت
سيدة مسنّة من منيل شيحة: "مش قادرين نغسل الملابس، ولا نطبخ. الحر شديد
والناس بتموت من العطش حرفيًا". ورغم بيانات محافظة الجيزة عن انتهاء بعض
أعمال الإصلاح، وتقدمها بـ"الاعتذار للمواطنين عن المعاناة"، إلا أن
مصادر بوزارة الكهرباء أكدت أن الأزمة لن تنتهي قبل الانتهاء من تركيب دوائر بديلة
لمحطة جزيرة الذهب، وهو ما قد يستغرق أيامًا أخرى، خصوصًا أن محطة محولات
الزعفرانة سبق أن خرجت عن الخدمة أيضًا في وقت سابق من الشهر الجاري، لأسباب
مشابهة تتعلق بتهالك الشبكة وسوء الصيانة.
اقتصاديًا،
تُقدَّر الخسائر الناتجة عن هذه الانقطاعات في قطاعات التجزئة، والخدمات، والصحة،
والتعليم، بملايين الجنيهات، في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية أوسع، تشمل
نقص العملات الأجنبية، وتضخم مرتفع، وزيادة في كلفة المعيشة. كما تسبب تعطيل محطات
المياه والكهرباء في زيادة الطلب على الوقود والمياه المعبأة، وخلق سوقا سوداء في
بعض المناطق.
شلل المرافق
ويأتي هذا
الانقطاع بعد أقل من أسبوع على حادث مماثل تسبب في شلل واسع بالمرافق العامة
وحرمان ملايين المواطنين من خدمات الكهرباء والمياه. وكانت الوزارة قد دفعت بعدد
من مولدات الديزل المتنقلة – قُدّر عددها بـ60 مولداً – لتأمين تغذية محطات المياه
والصرف الصحي، لكن هذه الحلول لم تكن كافية لتلبية احتياجات السكان أو المؤسسات
التجارية والخدمية التي تعطلت أعمالها لساعات طويلة. وكانت محطة كهرباء الزعفرانة
قد خرجت عن الخدمة في وقت سابق لأسباب مماثلة تتعلق بضعف كفاءة الشبكة وغياب أعمال
الصيانة الدورية، ما يثير مخاوف من وجود خلل هيكلي في منظومة المحولات الكهربائية
في مصر، خاصة في ظل تزايد معدلات الأحمال خلال فصل الصيف، وغياب البدائل الفورية
في حالات الطوارئ.
وتواجه وزارة
الكهرباء اتهامات بالتقاعس عن إصلاح الخطوط الاحتياطية وتحديث البنية التحتية، في
حين تشير تصريحاتها الرسمية إلى "محاولات متواصلة للسيطرة على الأزمة"،
وإعادة التيار بشكل تدريجي بعد تركيب دوائر تغذية بديلة. إلا أن مصادر مطلعة أكدت
لـ"العربي الجديد"، أن أعمال تركيب هذه الدوائر الجديدة قد تستغرق عدة
أيام أخرى، وهو ما يعني استمرار المعاناة في عدد من المناطق.
هشاشة البنية
التحتية
تكشف الأزمة
الحالية بوضوح عن هشاشة البنية التحتية لشبكتي الكهرباء والمياه، وغياب منظومة
صيانة فعالة، وضعف في خطط الطوارئ والاستجابة السريعة. وتطرح تساؤلات حول جاهزية
الدولة للتعامل مع موجات الحرارة المرتفعة المتكررة، والضغط المتزايد على الشبكات
مع ارتفاع الاستهلاك خلال فصل الصيف. ومع هذه التطورات، يطالب خبراء بإجراء مراجعة
شاملة وفورية للبنية التحتية الخدمية، وتخصيص ميزانيات عاجلة لصيانة شبكات الضغط
العالي، وإنشاء خزانات مياه احتياطية ضخمة في المناطق الأكثر كثافة، إلى جانب تعزيز
الشفافية والتواصل مع المواطنين في الأزمات، تجنبًا لتكرار سيناريو مشابه في
محافظات أخرى.
وكان الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي قد قال في تصريحات سابقة إن بلاده أنفقت نحو عشرة
تريليونات جنيه (ما يعادل 323 مليار دولار) - منذ توليه السلطة في 2014 - على مشاريع
البنية التحتية، والتي شملت إنشاء طرق وموانئ وتطوير السكك الحديدية.
وأشار السيسي
إلى أن الشركات المصرية هي التي نفذت تلك المشروعات باستثمارات كان يمكن أن تكون
أكبر لو نفذتها شركات أجنبية، وتابع قائلًا :"لو كانت شركات أجنبية هي التي
نفذت هذه المشروعات كانت الكلفة ستصل إلى 30 تريليون جنيه".