العدد 1669 /25-6-2025
فكتور شلهوب
تصدّر
الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشهد فجر يوم الثلاثاء، معلناً أن إيران وإسرائيل
وافقتا على "وقف تام لإطلاق النار" لوضع "نهاية رسمية" للحرب
بينهما التي استمرت 12 يوماً ودخلت الولايات المتحدة بها رسمياً عبر قصف ثلاث
منشآت نووية إيرانية فجر الأحد الماضي والإعلان عن تدميرها. وكتب على منصته
للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال": "هذه حربٌ كان من الممكن أن تستمر
لسنوات، وأن تُدمّر الشرق الأوسط بأكمله، لكنّها لم تفعل، ولن تفعل أبداً!".
هكذا
سعى دونالد ترامب لتقديم نفسه صانعاً للسلام وصانع صفقات ناجحة، علماً أن مواقفه
شهدت تحوّلات جذرية منذ ما قبل هذه الحرب وخلالها، وصولاً إلى نهايتها، فهو تحدث
لأشهر عن قرب التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران لكبح جماح البرنامج النووي
الإيراني بشكل جذري، ثم أعلن دعمه الكامل للهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو/حزيران
الحالي، وفجر الأحد الماضي اختار إشراك الولايات المتحدة بشكل مباشر، بقصف ثلاث
منشآت نووية إيرانية. وعقب رد إيران المحدود نسبياً أمس الإثنين، عاد ترامب إلى
الدبلوماسية، ليعتمد نبرة تصالحية، ويقدّم ما حصل على أنه تحقيق للسلام في الشرق
الأوسط.
"إنجاز"
دونالد ترامب
ويستطيع
ترامب أن يدّعي تحقيق أكبر نجاح في السياسة الخارجية والعسكرية خلال فترة وجوده في
المكتب البيضاوي، إذ استطاع وقف هذه الحرب خلال فترة قصيرة نسبياً مانعاً تحوّلها
إلى حرب استنزاف وتحديداً لحليفته إسرائيل. كما يمكنه الادعاء الآن بأنه نجح في
تدمير المنشآت النووية الإيرانية من دون إغراق الولايات المتحدة في مستنقع جديد في
الشرق الأوسط على غرار العراق.
في
الداخل الأميركي، نجح دونالد ترامب في فرض رؤيته، ومنع تفتت قاعدته المؤيدة لشعاره
"ماغا" (جعل أميركا عظيمة مجدداً)، كما جمع كل أطياف إدارته بدون أي
أصوات معارضة. على الرغم من ذلك تبقى أسئلة قائمة بلا إجابات حقيقية، وستظهر
تبعاتها في الأشهر وربما السنوات المقبلة، ومنها هل ضمنت الولايات المتحدة، كما
زعم ترامب، "القضاء" على البرنامج النووي الإيراني، أم أن الأمر برمته
مجرد سراب لدى الرئيس الأميركي، وهل يعني عدم اكتمال هذا الصراع أن أزمة أعمق تلوح
في الأفق، خصوصاً حول مصير اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني الذي لم يُعرف مصيره
وتحدثت معلومات عن أنه تم إخراجه من منشأة فوردو قبل استهدافها فجر الأحد؟ كذلك من
يضمن أن تنجح المفاوضات المتوقعة مع طهران في المرحلة المقبلة، وألا تكون هذه
الحرب دافعاً لها للتوجّه نحو امتلاك أسلحة نووية على المدى الطويل؟ علماً أن
صحيفة واشنطن بوست نقلت عمن قالت إنه مسؤول أميركي كبير لم تكشف عن هويته، أن
الخطة الأساسية لاتفاق وقف إطلاق النار جاءت بعد مناقشات مع مسؤولين إيرانيين
أوضحوا لإدارة ترامب أنهم سيعودون إلى طاولة المفاوضات وبحث برنامجهم النووي شرط
أن تتوقف إسرائيل عن قصف إيران.
وبعدما
كان دونالد ترامب قد دخل الحرب إلى جانب إسرائيل، بقصف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان
النووية في إيران الأحد الماضي، وبعد ساعات لمح إلى احتمال "تغيير
النظام"، عاد إلى الخيار الدبلوماسي، ليعلن بشكل مفاجئ فجر اليوم الثلاثاء عن
وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل. لكن الملابسات التي رافقت هذا الإعلان، أثارت
الكثير من اللغط والشكوك لدى مختلف الأوساط في واشنطن. بل ذهب البعض إلى طرح
علامات استفهام حول مدى جدية وقف نار جرى حبكه بهذه العجالة ومدى قدرته على
الصمود. وتيسرت لترامب شروط الصفقة التي طالما تحدث عنها، فالتقطها في اللحظة
المناسبة، إذ كانت إيران بحاجة إلى "التقاط أنفاسها" وإسرائيل بحاجة إلى
منع الانزلاق إلى حرب استنزاف، فضلاً عن عدم قدرتها على رفض مخرج يريده ترامب الذي
كان قد سلّفها قرار دخوله الحرب إلى جانبها.
وبرز
وصف نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، وقف إطلاق النار بأنه انتصار لكل من إسرائيل
وإيران. في مقابلة على قناة فوكس نيوز، تبنّى فانس وصف ترامب لـ"حرب الـ12
يوماً" للصراع الذي استمر قرابة الأسبوعين ووصفه بأنه "لحظة إعادة ضبط
مهمة للمنطقة بأكملها". مع ذلك بقي وقف النار محاطاً بالشكوك لجهة شروطه غير
المعروفة، كما لجهة مهلته. وفي هذا السياق، نقل موقع بوليتيكو الأميركي عن مسؤول
كبير في البيت الأبيض، لم يكشف عن هويته، قوله إن الضربة الأميركية على منشآت
إيران فجر الأحد جعلت الاتفاق "ممكناً ومقبولاً"، خصوصاً من جانب
الإسرائيليين.
كلام
دونالد ترامب عن أن "إسرائيل وإيران لن "يتبادلا إطلاق النار
مجدداً"، وصفته شبكة "سي إن إن" في تقرير لها بأنه "ادعاء
جريء بالنظر إلى سمعة الشرق الأوسط مقبرةً للرئاسات الأميركية"، لافتة إلى أن
الأحداث ستقرر ما إذا كان الاختراق حقيقياً أم مجرد وهم آخر. وبحسب الشبكة، يمكن
لترامب أن يدّعي تحقيق أكبر نجاح في السياسة الخارجية والعسكرية خلال فترة وجوده
في المكتب البيضاوي. فقد راهن على قدرته على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بدون
إغراق الولايات المتحدة في مستنقع جديد. وحتى الآن، ثبتت صحة ظنه. وتابعت "سي
إن إن": "أظهر ترامب فطنة استراتيجية وحسماً، وسيظل دائماً يستمتع
بالمهمة الجريئة التي قامت بها قاذفات بي-2، التي تحمل قنابل خارقة للتحصينات، في
رحلة ماراثونية من ميزوري".
بالتوازي،
قد يحصل دونالد ترامب على دفعة سياسية محلية، على الأقل في الحزب الجمهوري، ويتمكن
من رأب الصدع في قاعدته، حيث شعر بعض المؤيدين بأنه أخّل بوعده بعدم شن حروب
جديدة. وسلّطت الحرب مع إيران الضوء على رؤى مهمة حول رئاسة ترامب الثانية. وبحسب
"سي إن إن"، كشفت أنه ليس أداة في يد صقور الجمهوريين المتبقين ولا
الشعبويين أصحاب شعار "أميركا أولاً". وتحدثت الشبكة عن بروز دائرة ثقة
أساسية حول ترامب، تضم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، ومدير وكالة
المخابرات المركزية جون راتكليف، والمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف. ومع ذلك، يبدو
مستقبل مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد ووزير الدفاع بيت هيغسيث غير
مضمون.
نقاط
خطيرة تنتظر المستقبل
وفي
حين استطاع ترامب أن يستفيد من هذه الحرب، إلا أنها سلّطت الضوء على جوانب أخرى
سلبية، منها إلزام ترامب الولايات المتحدة بالعمل العسكري من دون إعداد الجمهور
مسبقاً، وتجاهل الكونغرس، وإبعاد كبار الديمقراطيين عن المشهد، مسيّساً الأزمة
ومعززاً مجدداً الشعور بأنه ليس رئيساً لجميع الأميركيين. كما أنه لم يُطلع
الأميركيين على المعلومات الاستخباراتية التي استخدمها لتبرير الهجمات بحجة أن
إيران كانت على بُعد أسابيع من امتلاك سلاح نووي. كما تجاهل وكالات الاستخبارات
الأميركية التي كانت قد استخلصت أن طهران لم تتخذ قراراً بصنع قنبلة نووية. كذلك
تجاهل ترامب حلفاء الولايات المتحدة وقلل أهمية جهودهم الدبلوماسية.
كذلك فإن نقطة أخطر
تبرز، وهي عدم وجود أدلة على ما أعلنه ترامب بالقضاء على البرنامج النووي
الإيراني، كما أن استراتيجيته قد لا تنجح بجعل الإيرانيين يوقّعون على اتفاق في
المفاوضات يوقف تخصيب اليورانيوم. أبعد من ذلك، قد تصل طهران إلى قناعة، ولا سيما
القادة العسكريون، بأن السبيل الوحيد لبقاء الجمهورية الإسلامية هو امتلاك قنبلة
نووية تردع الهجمات المستقبلية. وفي هذا الصدد، قالت كيلسي دافنبورت، من جمعية
الحد من الأسلحة، لـ"سي إن إن": "من منظور منع الانتشار النووي،
كان قرار ترامب بضرب إيران تصعيداً متهوراً وغير مسؤول، ومن المرجح أن يدفع إيران
نحو امتلاك أسلحة نووية على المدى الطويل". وأضافت: "لقد ألحقت الضربات
أضراراً بمنشآت نووية إيرانية رئيسية، مثل موقع فوردو. لكن طهران كان لديها متسع
من الوقت قبل الضربات لنقل مخزونها من اليورانيوم شبه الصالح للاستخدام في الأسلحة
إلى موقع سري، ومن المرجح أنها فعلت ذلك". وفي السياق، قال خبير منع الانتشار
النووي جوزيف سيرينسيوني، لـ"سي إن إن"، إنه بإمكان إيران إعادة بناء
منشآتها. وحذّر من أن إيران قد تُدخل اليورانيوم المفقود في أي أجهزة طرد مركزي
جديدة لديها لإنتاج نواة قنبلة نووية خلال خمسة أيام، وعشر قنابل خلال ثلاثة
أسابيع.