العدد 1667 /11-6-2025
تستعد
شركة ميتا للكشف عن مختبر أبحاث جديد يطوّر تقنيات الذكاء الاصطناعي ومخصّص للسعي
وراء "الذكاء الفائق" (superintelligence)، وهو نظام ذكاء اصطناعي
افتراضي يتجاوز قدرات الدماغ البشري، في الوقت الذي يحاول فيه عملاق التكنولوجيا
الحفاظ على موقعه وسط المنافسة المحتدمة في القطاع، وفقاً لما كشفته صحيفة نيويورك
تايمز، الثلاثاء، نقلاً عن أربعة أشخاص مطلعين.
ولتحقق
"ميتا" مسعاها هذا، ضمّت مؤسس ورئيس شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة سكيل
إيه آي (Scale AI)،
ألكسندر وانغ (28 عاماً)، إلى المختبر الجديد، كما أجرت محادثات لاستثمار مليارات
الدولارات في شركته، جزءاً من صفقة من شأنها أيضاً استقطاب موظفين آخرين من
"سكيل إيه آي"، كما عرضت "ميتا" حزم تعويضات تصل قيمتها إلى
أكثر من مليار دولار على عشرات الباحثين من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل
"أوبن إيه آي" و"غوغل"، ووافق بعضهم على الانضمام إليها،
وفقاً للمصادر نفسها.
ولفتت
المصادر نفسها، لـ"نيويورك تايمز" إلى أن المختبر الجديد هو جزء من
إعادة تنظيم أكبر لجهود "ميتا" في مجال الذكاء الاصطناعي، وقال اثنان
منهم إن الشركة المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"
و"واتساب" واجهت في الفترة الأخيرة صراعات إدارية داخلية بشأن تكنولوجيا
الذكاء الاصطناعي، كما خسرت بعض موظفيها، وفشلت العديد من خدماتها في تحقيق النجاح
المطلوب.
هذا
وقد استثمر الرئيس التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرغ، مليارات الدولارات
لتحويل شركته إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي. منذ إطلاق "أوبن إيه
آي" روبوت المحادثة "تشات جي بي تي" عام 2022، احتدمت المنافسة في
قطاع الذكاء الاصطناعي، ودفع زوكربيرغ شركته إلى دمج الذكاء الاصطناعي في كل
خدماتها ومنتجاتها، بما في ذلك النظارات الذكية والتطبيق الذي طرح أخيراً
"ميتا إيه آي". وفي فبراير/شباط الماضي، وصف زوكربيرغ (41 عاماً) الذكاء
الاصطناعي بأنه "ربما يكون أحد أهم الابتكارات في التاريخ"، وأضاف:
"سيُحدّد هذا العام (2025) مسار المستقبل". وبالمثل، استثمرت
"مايكروسوفت" مثلاً أكثر من 13 مليار دولار في "أوبن إيه آي"،
بينما استثمرت "أمازون" 8 مليارات دولار في شركة أنثروبيك الناشئة في
مجال الذكاء الاصطناعي. كما أنفقت هذه الشركات العملاقة مليارات الدولارات
لاستقطاب موظفين من شركات ناشئة بارزة وترخيص تقنياتها. العام الماضي، وافقت
"غوغل" على دفع 3 مليارات دولار لترخيص التكنولوجيا وتوظيف تقنيين
ومديرين تنفيذيين من "كاركتر. إيه آي" Character.AI، وهي شركة ناشئة تُطوّر
روبوتات دردشة للمحادثات الشخصية.
يرى
كبار الباحثين أن "الذكاء الفائق" هو مستقبل الذكاء الاصطناعي، وصرحت
"أوبن إيه آي" و"غوغل" وغيرهما من الشركات بأن الهدف المباشر
هو بناء "ذكاء اصطناعي عام" (A.G.I)، وهو اختصار لآلة قادرة على
القيام بكل ما يستطيع الدماغ البشري القيام به، و"الذكاء الفائق"، إذا
أمكن تطويره، سيتجاوز "الذكاء الاصطناعي العام" في قوته.
استثمرت
"ميتا" في الذكاء الاصطناعي لأكثر من عقد، فقد دشن زوكربيرغ أول مختبر
متخصّص للذكاء الاصطناعي للشركة عام 2013، بعد خسارته أمام "غوغل" في
محاولة الاستحواذ على شركة ديبمايند التي تعدّ الآن أساس جهود "غوغل" في
مجال الذكاء الاصطناعي. منذ ذلك الحين، أشرف على جهود "ميتا" البحثية
كبير علماء الذكاء الاصطناعي فيها، يان ليكون، الأستاذ في جامعة نيويورك ورائد
الشبكات العصبية، وهي التقنية التي تُشغّل "تشات جي بي تي" وأنظمة
مماثلة. وبعد الضجة التي أثارها إطلاق "تشات جي بي تي"، سخّرت
"ميتا" موارد إضافية لتطوير هذه التقنية. وأنشأت مجموعة ذكاء اصطناعي
توليدي، بقيادة نائب الرئيس أحمد الدحل. كما بدأت مجموعة ليكون البحثية العمل على
ما اعتبرته الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي. ويحظى ليكون، الذي كان من بين ثلاثة
باحثين في مجال الذكاء الاصطناعي فازوا بجائزة تورينغ لعام 2018 التي تُعرف غالباً
بجائزة نوبل في الحوسبة، باحترام كبير في هذا المجال، لكن آراءه حول الذكاء
الاصطناعي تختلف عن آراء الآخرين في وادي السيليكون؛ فبينما يعتقد البعض أن
التقنيات الحالية ستصل إلى "الذكاء الاصطناعي العام" خلال السنوات
القليلة المقبلة، صرّح ليكون بأننا بحاجة إلى أفكار جديدة كلياً لتحقيق هذا الهدف.
تمثّلت
إحدى استراتيجيات "ميتا" لتحقيق تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي في جعل
برمجياتها مفتوحة المصدر، أي إتاحة شيفرة الذكاء الاصطناعي مجاناً للمطورين وغيرهم
حتى يتبنّوا أدواتها. وأصدرت نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر (لاما)، وروبوت الدردشة
الخاص بها (ميتا إيه آي) الذي دمج في "فيسبوك" و"إنستغرام"
و"واتساب"، بالإضافة إلى نظارات "راي بان" الذكية. في
مايو/أيار الماضي، أعلن زوكربيرغ أن أكثر من مليار شخص يستخدمون "ميتا إيه
آي" شهرياً.
إنما
في الفترة الأخيرة فَقَد قسم الذكاء الاصطناعي في "ميتا" موظفين لصالح
شركات منافسة، وفقاً لما نقلته "نيويورك تايمز" عن شخصين مطلعين على
المسألة. وفي إبريل/نيسان الماضي، أعلن زوكربيرغ عن نسختين جديدتين من نماذج
"لاما إيه آي"، وادعى أنهما حققتا أداءً مساوياً، أو أفضل، من نماذج
مماثلة من "أوبن إيه آي" و"غوغل". بعد فترة وجيزة، اكتشف
باحثون خارجيون أن معايير "ميتا" مصمّمة لجعل منتج ما يبدو متطوراً أكثر
ممّا هو عليه في الحقيقة، ما أثار استياء.
والآن،
تراهن "ميتا" على أن وانغ سيساعدها على العودة إلى الصدارة في سباق
الذكاء الاصطناعي. ونبهت "نيويورك تايمز" إلى أنه عليها فعل ذلك بحذر.
فقد أحالت لجنة التجارة الفيدرالية "ميتا" أخيراً إلى المحكمة
الفيدرالية بشأن استحواذها على "إنستغرام" و"واتساب". أسس
وانغ شركة سكيل إيه آي عام 2016 إلى جانب لوسي غو، وهي مهندسة طُردت لاحقاً من
الشركة. ساعدت سكيل إيه آي شركات أخرى في بناء تقنيات الذكاء الاصطناعي. فقد وظفت
جيوشاً من العمال المتعاقدين لغربلة كميات هائلة من البيانات، وتصنيفها
و"تنظيفها"، ليمكن استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة.
ومن بين عملاء هذه الشركة: "أوبن إيه آي"، و"مايكروسوفت"، و"كوهير"
وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في تورنتو. وفي الآونة الأخيرة، عملت
الشركة على تثبيت مكانتها في القطاعين العام والخاص، إذ أرسلت استشاريين ومهندسين
للعمل مع الشركات والحكومات للمساعدة في تطوير برمجيات تستخدم الذكاء الاصطناعي.
اللافت
أن الكشف عن جهود "ميتا" هذه تأتي بعد أيام من إصدار "آبل"
دراسة أثارت شكوكاً في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ وجد باحثوها "قيوداً
جوهرية" في نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، وبيّنوا أن نماذج الاستدلال
الكبيرة (LRMs) -
وهي شكل متقدم من الذكاء الاصطناعي - واجهت "انهياراً كاملاً في الدقة"
عند مواجهتها لمشكلات شديدة التعقيد. وقالوا إن نماذج الذكاء الاصطناعي القياسية
تفوقت على النماذج الاستدلالية الكبيرة في المهام منخفضة التعقيد، بينما عانى كلا
النوعين من النماذج من "انهيار كامل" في المهام عالية التعقيد. تحاول
النماذج الاستدلالية الكبيرة حل الاستفسارات المعقدة من خلال توليد عمليات تفكير
مفصلة تُقسّم المشكلة إلى خطوات أصغر. ووصف الأكاديمي الأميركي الذي أصبح من أبرز
الأصوات المحذرة من قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي، غاري ماركوس، ورقة
"آبل" البحثية بأنها "مدمرة للغاية"، وأشار إلى أن النتائج
تثير تساؤلات حول سباق "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI)، وفي إشارة إلى النماذج
اللغوية الكبيرة (LLMs) التي تدعم أدوات مثل "تشات جي بي
تي"، وكتب ماركوس عبر "سابستاك": "خادع نفسه من يعتقد أن
النماذج اللغوية الكبيرة طريق مباشر نحو الذكاء الاصطناعي العام الذي قد يُحدث
تحولاً جذرياً في المجتمع".