العدد 1671 /9-7-2025
محمد الباسم
لا
يشهد حراك انتخابات العراق السياسي المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولا
الاستعدادات الحزبية لها، أي تفاعل شعبي، بل إن العراقيين يتابعون أخباراً أبعد ما
تكون عن حدود بلادهم، فهم مهتمون بشأن قطاع غزة وحرب الإبادة على المدنيين هناك،
المستمرة منذ 21 شهراً. كذلك يتابع العراقيون أخبار الملف الإيراني بعد العدوان
الإسرائيلي الأميركي الأخير، بل زاد من إهمالهم لمواكبة تقدم الأحزاب في الترغيب
في المشاركة في انتخابات العراق بعد تأكيد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عدم
مشاركة فيها، وكذلك زعيم "ائتلاف النصر" بزعامة حيدر العبادي، وبعض
الكيانات المدنية.
الصدر
يقاطع انتخابات العراق
وجدّد
الصدر إعلانه عدم المشاركة في انتخابات العراق، لكنه أخيراً تحدث عن
"المقاطعة"، وهي إشارة غير مباشرة إلى دعم القوى السياسية المدنية التي
ترفع هذا الشعار، وتحدثت كثيراً عن مقاطعة الانتخابات والذهاب نحو مقاطعة العملية
السياسية وما يصدر عن النظام الحاكم بشكلٍ كامل، في حالة معارضة داخلية سلمية تظهر
ملامحها لأول مرة منذ الاحتلال الأميركي عام 2003. وذكر الصدر في تدوينة نشرها على
منصة إكس: "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية
انتخابية عرجاء، لا همّ لها إلا المصالح الطائفية والحزبية البعيدة كل البعد عن
معاناة الشعب، وعما يدور في المنطقة من كوارث كان سببها الرئيس زجّ العراق وشعبه
في محارق لا ناقة له بها ولا جمل". وأضاف: "ما زلت أعوّل على طاعة
القواعد الشعبية في التيار الوطني الشيعي (الاسم الرسمي للتيار الصدري)، وكما
أمرتهم بالتصويت، فاليوم أنهاهم أجمع عن التصويت والترشيح، ففيه إعانة على
الإثم... والحق لن يُقام ولا يُدفع الباطل إلا بتسليم السلاح المنفلت إلى الدولة،
وحل المليشيات وتقوية الجيش".
أما
رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي فقد أعلن مقاطعته للانتخابات، ثم دعا إلى
"إصلاح النظام الانتخابي" في العراق، مشيراً في بيان إلى أن
"النظام الانتخابي يجب أن يمنع الفاسدين من المشاركة، وأن التحديات التي
تواجه الدولة، وخصوصاً في هذه اللحظة التاريخية، توجب توسيع القاعدة السياسية
للنظام، وإشراك الجميع، مع ضرورة صيانة العملية الانتخابية من الفاسدين
والمتلاعبين". وشدّد على أن "تجاوز الانهيارات لأي دولة يتمثل بالوحدة
الداخلية السياسية والمجتمعية، وفق حفظ مصالح الشعب وكيان الدولة، وأن عدم الترشح
بناءً على رؤية إصلاحية وطنية يختلف جذرياً عن عدم تمكين الآخرين من المشارَكة في
الانتخابات لأسباب مصلحية".
ويُشكك
مراقبون وأعضاء من الأحزاب والبرلمان في احتمالات حدوث عمليات تزوير واستيلاء على
الأصوات في انتخابات العراق، فضلاً عن شراء البطاقات الانتخابية والأصوات، لكن
مفوضية الانتخابات في العراق، تواصل نشر البيانات لتأكيد اتخاذها إجراءات قانونية
تجاه من يخرق أو يهدد سلامة العملية الانتخابية. مع ذلك، فإن هذا الحديث لا يقنع
غالبية النشطاء في البلاد، معتبرين أن مفوضية الانتخابات خضعت للتأثيرات السياسية
والحزبية، وقد يتكرر هذا السيناريو في الانتخابات المقبلة. وأشارت المفوضية في
بيان صادر في 29 يونيو/حزيران الماضي، إلى أن "عملية بيع أو شراء بطاقات
الناخبين البيومترية أو الشروع بهذا الفعل واستغلال موارد الدولة لأغراض انتخابية،
هي من الجرائم الانتخابية التي يعاقب عليها القانون سواء كان المخالف ناخباً، أو
مرشحاً، أو تحالفاً، أو حزباً سياسياً". وأوضحت أنها "ستتخذ عقوبات
رادعة أخرى قد تصل إلى استبعاد المرشحين المخالفين وإلغاء التصديق عن التحالفات
والأحزاب السياسية المخالفة".
الانتخابات
"كرنفال مفضوح"
في
السياق، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، محمد عنوز، إن
"الانسحاب من المشاركة في الانتخابات، سواء عبر الأحزاب والكيانات والمنظمات
وحتى الأفراد، يؤسس لفكرة أن الانتخابات أداة غير موثوقة لإجراء التغيير في
البلاد، بالتالي فإن هذا الأمر يعزز قيمة عدم المشاركة في الانتخابات من المشاركة
فيها"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب
السياسية التي أمسكت بالسلطة وأساءت استخدامها مسؤولة عن تحويل انتخابات العراق
إلى كرنفال مفضوح يحكمه المال ويتلاعب في نتائجه، لكن لا تزال أمامنا فرصة، خصوصاً
مع مشاركة بعض الأحزاب التي تحظى بشعبية جيدة بين أوساط المدنيين والطامحين إلى
التغيير".
من
جانبه، اعتبر الناشط في حزب الدعوة الإسلامية، فاضل السلامي، في حديثٍ
لـ"العربي الجديد"، أن "جميع قادة الأحزاب العراقية يستشعرون مخاطر
عدم المشاركة في انتخابات العراق وما يسفر عنه من مشكلات تجاه المجتمع الدولي،
الذي بات ينظر إلى الحكومات العراقية الأخيرة على أنها فاقدة صفة التمثيل الشعبي
الكامل، لذلك أذكت بعض هذه الأحزاب الخطاب الطائفي مجدداً، لتأجيج الشارع العراقي
ودفعه نحو المشاركة الانتقامية في الانتخابات، لكن حتى مع هذه الحملات، إلا أن
الاهتمام الشعبي بالانتخابات متراجع جداً". وخلال الشهرين الماضيين، تصاعد
الخطاب الطائفي في الحملات الدعائية لأحزاب السلطة في العراق، لتزداد المخاوف من
تأثيراته وانعكاساته المجتمعية، لكن الأحزاب تواصل اندفاعها إلى الشحن الطائفي
أداةً مجانية في محاولة للتأثير بالناخبين الذين تثبت مراكز بحثية واستطلاعات أنهم
لا ينوون المشاركة لشعورهم باليأس من الحالة السياسية غير المتجددة.
والأسبوع
الماضي، طالب تحالف سياسي يضمّ عدداً من القوى المسيحية في العراق
بـ"إنهاء" وجود المليشيات والجماعات المسلحة في المناطق ذات الأكثرية
المسيحية بمحافظة نينوى، شمالي البلاد، قبل إجراء الانتخابات. وذكر في بيان أن ذلك
يأتي لـ"ضمان عملية انتخابية نزيهة بعيداً عن التلاعب والترهيب للناخبين
بالسلاح"، وهذه هي الدعوة الثانية من نوعها، إذ كانت قوى مسيحية عراقية عدّة
قد وجهت، في مارس/آذار الماضي، دعوة مماثلة بعد اتفاقها على خوض الانتخابات
التشريعية المقبلة في البلاد، بقائمة واحدة تشمل كل الدوائر الانتخابية بالمحافظات
المختلفة.
تشويه
فكرة الانتخابات
من
جهته، لفت الناشط العراقي علي الحجيمي، إلى أن "الأحزاب شوهت فكرة الانتخابات
المبنية على أسس البرامج والتنافسية لخدمة المواطن العراقي، وتنافست على شراء
المرشحين وأصوات المواطنين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن
"الأحزاب ومفوضية الانتخابات ستتعمد إعلان نسبة مشاركة عالية بعد إجراء
الانتخابات المقبلة، لكنها لن تكون إلا كذبة ضمن آلاف الأكاذيب السياسية والحزبية
على الشعب العراقي الذي يرفض المشاركة في الانتخابات، مع مواصلة مقاطعة بعض
الأحزاب لها".
وشهد
العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، خمس عمليات انتخابية، أولاها في 2005
(قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت
الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، واعتُمد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في
النسخ الأربع الأولى. والانتخابات الأخيرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر
المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان
يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس 2023، صوّت البرلمان على التعديل
الثالث لقانون الانتخابات البرلمانية العراقية الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة
الواحدة لكل محافظة.