يرجع النزاع المصري السوداني حول مثلث حلايب نظراً إلى وجود ادعاءين متعارضين لموضوع خط الحدود، غالباً ما ينشأ مثل هذا النوع من المنازعات نتيجة وجود سندين مختلفين لتعيين خط الحدود الصحيح. ويدخل هذا النزاع ضمن طائفة المنازعات القانونية التي يجب تسويتها من خلال إعمال حكم القانون، وإن كانت الخبرة العملية في هذا الخصوص تفيد بأن الدول أحياناً تفضل تسوية بعض هذه المنازعات عن طريق الوسائل السياسية للتوصل إلى حل توفيقي بعيداً عن حكم القانون.
نبذة عن حلايب وشلاتين
تقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها20 ألف كيلو متر مربع على ساحل البحر الأحمر، وحلايب تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين كما تتنقل هذه القبائل بسهولة عبر الحدود، لأن وجودها كان سابقاً على رسم الحدود، وبها نقطة وطريق يربط بينها وبين السويس عبر بئر شلاتين وأبو رماد، وتتصل حلايب ببور سودان بطريق بري غير مسفلت، وتبلغ المسافة من السويس - حلايب - بورسودان نحو 10485 كم تقريباً، وتعد مدينة حلايب البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر، وتظل الوظيفة الرائدة لها تقديم الخدمات الجمركية للعابرين إلى الحدود السودانية، بالإضافة إلى الأنشطة التجارية المصاحبة لذلك.
وتتمتع منطقة حلايب بأهمية استراتيجية لدى الجانبين المصري والسوداني، حيث تعتبرها مصر عمقاً استراتيجياً مهماً لها لأنها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر، الأمر الذي يهدد أمنها القومي، كما تنظر السودان إلى المنطقة باعتبارها عاملاً مهماً في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي لما تشكله المنطقة من امتداد سياسي وجغرافي لها على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين.
وقد أشارت الدراسات إلى أن خامات المنجنيز تتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم، وهي ضرورية جداً لصناعة المنسوجات، وتجرى حالياً دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الإستيراد، وكذا انتاج الماغنسيوم الذي يستخدم بشكل كبير في صناعة الأسمدة. كما يأتي موضوع اكتشاف البترول ومعادن ثمينة أخرى في حلايب كمحرك لتصعيد النزاع بين الدولتين على هذه المنطقة.
الجذور التاريخية للنزاع
الوجود البريطاني المتزامن في مصر والسودان هو الذي أدى إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، وكان ذلك من نتاج الفكر الاستعماري البريطاني الذي كان يترقب لحظة تفكيك أملاك الدولة العثمانية، حيث وقعت إتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 كانون الثاني 1899م، والتي وقعها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد «كرومر» المعتمد البريطاني لدى مصر، ونصت المادة الأولى من الاتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالاً، وما لبث أن أدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من ناظر الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية، وقد أفرزت التعديلات ما يُسمى مشكلة حلايب وشلاتين.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن المرة الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول حلايب كان مطلع عام 1958م، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون الانتخابات الذي أصدره السودان في 27 شباط 1958م ، وأشارت المذكرة إلى أن القانون خالف اتفاقية 1899م بشأن الحدود المشتركة إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت حينها مصر بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها نزاع على الحدود بين البلدين.
الدفوع التي يعتمد عليها البلدان
في نزاعهما:
إن ادارة السودان للمثلث المتنازع عليه منذ عام 1902م لا تعد إدارة من جانب دولة مستقلة ذات شخصية قانونية معترف بها، ولا يستطيع أن يحاجج السودان بسيادته على هذه المنطقة في تلك الفترة لأنه كان اقليماً ناقص السيادة، فضلاً عن أن منشأ السلطة -التي يدّعي السودان ممارستها في تلك الحقبة- هو القرارات الإدارية المصرية التي أسبغت على الوجود السوداني مظهراً ادارياً لا يشكل مظهراً من ممارسة السيادة علي المنطقة.
وحين خرجت السلطات السودانية عن الحدود المرخصة لها من قبل السلطات المصرية عام 1958م فإن السلطات المصرية اعترضت رسمياً على هذه القرارات في العديد من مظاهر الاعتراض الدبلوماسية الرسمية، وأيضاً المبادرة ولأول مرة بتحريك وحدات وطنية من الجيش المصري الى المثلث المتنازع عليه.
وتؤكد مصر أنها لم تبرم اية معاهدات أو اتفاقيات دولية سواء بين مصر وبريطانيا أو بين السودان ومصر في جميع المراحل الزمنية والتاريخية لإضفاء صفة (دولية) على التعديلات الحدودية الإدارية بينما ترفض مصر القول بأنها تنازلت بموجب التعديلات المذكورة عن سيادتها على المناطق المتنازع عليها والتي تقع شمال خط العرض (22) درجة، فمصر كانت خاضعة لسيادة الباب العالي، وكانت ممنوعة بموجب ذلك من التنازل أو حتى من بيع أو رهن أي جزء من أراضيها إلا من خلال موافقة صريحة من الدولة العثمانية، ولذلك فهي لم تستطع الاحتجاج بالنسبة إلى الحدود مع السودان.
وتذهب الدفوع المصرية إلى أن فكرة التقادم التي يدفع بها السودان ليس مقطوعاً بها وبصحتها تماماً من قبل القانون الدولي، وهي مرفوضة من قبل الجانب المصري، فضلاً عن أن المدة الزمنية حول التقادم هي محل اختلاف. كما أن التعداد أو الإحصاء السكاني الرسمي الأخير الذي اجرته الحكومة السودانية لم يتضمن إحصاء سكان حلايب وشلاتين.
وقد رفضت أكبر القبائل التي تسكن مثلث حلايب، وهم الرشايدة، العبابدة، البشايرة قرار المفوضة القومية للانتخابات السودانية التي تحدثت عن احقيتهم بالمشاركة في الانتخابات، وأعلنت القبائل الثلاث أثناء احتفالهم بانتصارات اكتوبر عام 2009م أنهم مصريون 100%.
حلايب تبرز وتختفي
رغم هذا التباين في وجهات النظر بين الجانبين المصري والسوداني حول أحقية كل منهما للسيادة على هذه المنطقة، فإن أياً من البلدين لم يتخذ خطوة نحوعرض هذه المشكلة على محكمة العدل الدولية، أو أي من محاكم التحكيم الدولية، كذلك حرص البلدان على استمرار العلاقات الأخوية والروابط التاريخية بين الشعبين الجارين، وذلك من خلال اللجوء إلى الوسائل السياسية والقنوات الدبلوماسية لحل النزاع.
فبرغم قدم مشكلة حلايب بين مصر والسودان إلا أنها في جميع مراحلها التاريخية لم تبلغ مرحلة المواجهة العسكرية، ولا تثار هذه المشكلة وتبرز على السطح إلا حين يعمد أحد البلدين إلى إثارتها على خلفية تباين سياسي.
لقد أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة في بيان أصدرته بتاريخ 18/8/2002م أن الخرطوم لم تجدد مطالبتها لمجلس الأمن ببحث قضية حلايب مثلما أشارت إلى ذلك بعض التقارير، وجاء في البيان « أن مشكلة حلايب ليست وليدة عهد ثورة الإنقاذ، وإنما ترجع لعام 1958م، وأن إدراجها في مجلس الأمن تم منذ ذلك التاريخ، وظلت طوال هذه الفترة تجدد تلقائياً عند مراجعة مجلس الأمن لجدول أعماله.
من جانبنا، نرى أن المفاوضات المباشرة بين الدولتين هي أكثر الوسائل الدبلوماسية فاعلية لتسوية هذا النزاع، فالمفاوضات وسيلة مرنة لتسوية المنازعات بالسبل السلمية من نواح عديدة، حيث إنها يمكن أن تطبق على جميع أشكال المنازعات، سواء كانت سياسية أو قانونية أو تقنية. وبما أن المفاوضات لا تشمل سوى الدول الإطراف في النزاع، خلافاً للوسائل الأخرى المدرجة في المادة 33 من الميثاق، فإن بإمكان الدول أن ترصد جميع مراحل العملية من بدايتها حتى نهايتها، وأن تجريها بأكثر الطرق التي تجدها ملائمة، فضلاً عن أنه في واقع الحياة الدولية تعتبر المفاوضات -بوصفها واحدة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات- الوسيلة التي تلجأ اليها الدول في الغالب لحل القضايا موضع النزاع، وفي حين أنها ليست ناجحة دائماً، إلا انها تفيد في حل معظم المنازعات.}
معهد العربية للدراسات