العدد 1661 /30-4-2025

منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما يبدو، الفوز لليبراليين في انتخابات كندا التشريعية، التي أجريت أول من أمس الاثنين، وصوّت الكنديون للحزب الليبرالي الذي احتفظ بالسلطة، حيث سيشكّل للمرة الرابعة على التوالي الحكومة الكندية منذ ولاية حكومة جاستن ترودو الأولى في 2015، وذلك بزعامة رئيس الحكومة مارك كارني هذه المرة، والذي أكد بعد تقدم الحزب في نتائج الانتخابات، مساء الاثنين، أن بلاده مقبلة على فترة من التحديات لن تكون سهلة، وسيرتسم معها شكل العلاقة المقبلة مع الولايات المتحدة، التي كان رئيسها قد آثر التعامل مع كندا بمنطق التهديدات.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2025، لم يراع ترامب التحالف الكبير الذي يجمع الولايات المتحدة وكندا على حدودها الشمالية، حيث يلتصق البلدان بثقافة مشتركة تقريباً وبخيارات سياسة دولية متناغمة، وبتعاون عسكري وثيق، فضلاً عن التبادل الاقتصادي الحيوي، خصوصاً لكندا، بل أطلق حملة تصريحات وحرب رسوم جمركية ضد كندا، وصلت إلى حدّ تنبؤه بضمّها لتصبح الولاية الأميركية الـ51. وجرت الانتخابات الكندية المبكرة بعد استقالة ترودو في بداية العام الحالي، بأجندة أساسية توحد حولها الحزبان الليبرالي والمحافظ للرد على تهديدات ترامب ومواجهة حربه الجمركية.

الكنديون يفضلّون كارني

وفضّل الكنديون عدم منح المحافظين غالبية أصواتهم، لا سيما أن مرشحهم بيار بوالييفر كان قد تبنى منذ بروزه في قيادة الحزب نهجاً متشدداً، شبّهه متابعون بنهج ترامب، لا سيما لجهة المهاجرين ومراقبة الحدود واعتماد خطاب اقتصادي يشجّع على السوق الحرّة وتقليص الضرائب عن الأغنياء، فضلاً عن تبنيه خطاباً شعبوياً يشبه خطاب ترامب لجهة تحميل "الاشتراكية" التي يتهم ترودو بإرسائها، والتي أطلق عليها بوالييفر اسم "الاشتراكية الاستبدادية"، وزر الأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي تفاقمت مع ارتفاع كلفة المعيشة وأسعار السكن.

هكذا، اختار الكنديون عدم انتخاب "ترامب ثانٍ"، حيث منحوا ثقتهم مجدداً للحزب الليبرالي، الذي كان قد اختار مارك كارني لقيادته بعد ترودو، والذي تمكن من إقناع الناخب الكندي بخطابه المعتدل والعقلاني والحازم في مواجهة ترامب والسياسة الأميركية المتغيرة تجاه كندا. إلا أن احتفاظ الليبراليين بالسلطة لن يمكنهم، كما أظهرت النتائج الأولية، أمس الثلاثاء، على الأرجح، من تشكيل حكومة أغلبية أرادها كارني لمساعدته في التفاوض مع ترامب. إذ بحسب آخر الأرقام، حصل الليبراليون بعد فرز 99% من الأصوات على 168 مقعداً في البرلمان المؤلف من 343 مقعداً (تحتاج الأغلبية إلى 172)، فيما حصل المحافظون على 144 مقعداً، و"الجبهة الكيبيكية" على 23، والحزب الديمقراطي الجديد (تقدمي)، على سبعة مقاعد والخضر على مقعد واحد. وتظهر قراءة النتائج أن الناخبين اختاروا ليس المسار المائل إلى اليسار، مع خسارة "الديمقراطي الجديد" والخضر، بل شخصية كارني المقنعة، مفضلين إياها على زعيم المحافظين، وهو الحزب الذي يعرف تاريخياً بأنه أكثر من الليبراليين قرباً من البيت الأبيض.

حكومة أقلية

وبناء على ذلك، سيذهب الليبراليون إلى تشكيل حكومة أقلية، حيث سيعولون لتمرير تشريعاتهم على التحالف مع أحزاب صغيرة. وكان اعتماد حكومة ترودو على الحزب الديمقراطي الجديد، إلا أن آخر النتائج التي ظهرت أمس، أظهرت عدم تمكن هذا الحزب من تخطي عتبة الـ2.5% من الأصوات، وهو تراجع دراماتيكي مقارنة بالانتخابات الماضية (كان قد حصل على 25 مقعداً بعد انتخابات 2021 المبكرة). ولم يتمكن الحزب تحت قيادة جاغميت سينغ، من الحصول على 12 مقعداً، ما يفقده وضعه في البرلمان (مجلس العموم)، بصفة حزب رسمي (أي أنه لن يحصل أيضاً على دعم مالي مخصص للأحزاب)، وذكر الإعلام الكندي أن زعيم الحزب جاغميت سينغ قرّر الاستقالة من منصبه بعد الانتخابات، لا سيما أنه هو نفسه خسر مقعده في الانتخابات الذي كان قد فاز به في 2019 بمنطقة بورنابي سانترال (بريتيش كولومبيا). وألقى سينغ خطاباً مؤثراً مع خسارة الحزب، مؤكداً أن كارني "على عاتقه مهمة صعبة، وهي حماية كندا من تهديدات ترامب".

من جهته، أكد كارني خلال خطاب الفوز في أوتاوا، أول من أمس، أن "علاقتنا القديمة مع الولايات المتحدة، تلك العلاقة التي كانت قائمة على تكامل يزداد باستمرار، قد انتهت". وأضاف: "انتهى نظام التجارة العالمية المفتوحة الذي رسّخته الولايات المتحدة، وهو نظام اعتمدت عليه كندا منذ الحرب العالمية الثانية، نظام، وإن لم يكن مثالياً، ساهم في تحقيق الرخاء لبلدنا على مدى عقود". وتابع: "إنها مآسٍ، لكنها واقعنا الجديد أيضاً"، مشدداً على أن الأشهر المقبلة ستكون مليئة بالتحديات وتتطلب تضحيات.

وتعهد كارني باتباع نهج صارم مع واشنطن بشأن رسومها الجمركية، وأقرّ بأن كندا ستحتاج إلى إنفاق مليارات الدولارات لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وقال محذراً من المطامع الأميركية في لهجة كندية غير مسبوقة تجاه الدولة العظمى الجارة: "أميركا تريد أرضنا ومواردنا ومياهنا وبلدنا. ليست تهديدات عابرة، الرئيس ترامب يحاول تحطيمنا حتى تتمكن أميركا من امتلاكنا، وهذا لن يحدث أبداً". وكتب ترامب على منصته تروث سوشال فيما كان الكنديون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع: "بالتوفيق لشعب كندا العظيم. انتخبوا الرجل الذي يمتلك القوة والحكمة لخفض ضرائبكم إلى النصف، وزيادة قوتكم العسكرية، مجاناً، إلى أعلى مستوى في العالم". وأضاف: "ارفعوا حجم أعمالكم في السيارات والصلب والألمنيوم والأخشاب والطاقة وجميع أعمالكم الأخرى أربعة أضعاف، بدون أي رسوم أو ضرائب، إذا أصبحت كندا الولاية الـ51 العزيزة على قلوبنا في الولايات المتحدة الأميركية. لن نعود إلى الحدود المرسومة بشكل مصطنع كما كانت قبل سنوات طويلة".

وإذا كان الليبراليون قد أظهروا عودة قوية بعدما كانت حظوظهم متراجعة قبل استقالة ترودو، بل متدنية بـ20 نقطة في بعض استطلاعات الرأي خلف المحافظين، فإن المحافظين من يمين الوسط، الذين دعوا إلى التغيير بعد أكثر من تسع سنوات من حكم الليبراليين، أظهروا بدورهم قوة انتخابية غير متوقعة، لا سيما في أونتاريو. ونادراً ما تدوم حكومات الأقلية في كندا لأكثر من عامين ونصف العام. واعترف زعيم حزب المحافظين بيار بوالييفر بالهزيمة.