العدد 1695 /24-12-2025
قال مصدر مصري مطّلع، إن التصعيد المصري أخيراً
تجاه إثيوبيا في ملف سد النهضة والذي تُوّج بتصريحات وزير الخارجية بدر عبد العاطي
واصفاً السد بأنه "سد الخراب"، وقبلها تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي
أن مصر "لن تقف مكتوفة الأيدي" إزاء النهج الإثيوبي غير المسؤول، يأتي
في إطار استراتيجية سياسية ودبلوماسية محسوبة، تستهدف بالأساس بناء رأي عام دولي
ضاغط حول خطورة سد النهضة وتداعياته.
وأوضح أن القاهرة تسعى من خلال هذا الخطاب العلني
المتصاعد إلى إعادة تعريف أزمة سد النهضة بوصفها قضية أمن قومي وإنساني، وليس
خلافاً فنياً أو تفاوضياً، عبر إبراز حجم التهديد الذي يمثله السد على حياة ملايين
المصريين والسودانيين، وعلى الاستقرار الإقليمي في واحدة من أكثر مناطق العالم
هشاشة. وأوضح المصدر أن الهدف المركزي من هذا التحرك يتمثل في تفعيل البند الثالث
من اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015، والذي ينص
على "عدم التسبب في ضرر ذي شأن" عند استغلال الموارد المائية المشتركة،
واستخدام هذا الالتزام القانوني مرتكزاً أساسياً لتعزيز الموقف المصري في أي جولة
تفاوضية مقبلة.
وأفاد بأن القاهرة تعتقد أن السنوات الماضية شهدت
تراجعاً في الزخم الدولي حول هذا البند تحديداً، في ظل نجاح إثيوبيا بتقديم السد
باعتباره مشروعاً تنموياً داخلياً، متجاهلة، بحسب الرؤية المصرية، الأضرار الواقعة
بالفعل على دولتي المصب نتيجة سياسات الملء والتشغيل الأحادية وغير المنسقة.
ووفق المصدر نفسه، يرتبط التصعيد المصري ارتباطاً
مباشراً بالتحضير للقمة المرجح عقدها قريباً بين السيسي والرئيس الأميركي دونالد
ترامب، إذ تسعى القاهرة إلى توفير "مسوغ سياسي وقانوني واضح" للإدارة
الأميركية يمكن البناء عليه للضغط على أديس أبابا، ودفعها للقبول بتوقيع اتفاق
قانوني ملزم وشامل بشأن قواعد ملء وتشغيل السد. وأضاف أن مصر لا تطالب بمنع
إثيوبيا من توليد الكهرباء أو تعطيل مشروعها التنموي، إنما تسعى إلى اتفاق يحقق
التوازن بين حق دول المنبع في التنمية وحق دولتي المصب في الأمن المائي، بما يجنب
مصر والسودان أضراراً جسيمة قد تكون غير قابلة للاحتواء في فترات الجفاف أو
الفيضانات.
فرصة مؤاتية لإعادة طرح ملف سد النهضة
ورأت القاهرة، بحسب المصدر، أن الظرف السياسي
الراهن يوفر فرصة مؤاتية لإعادة طرح الملف بقوة، في ظل حالة التقارب النسبي مع
الإدارة الأميركية الحالية، والتعاون البنّاء بين الجانبين في عدد من الملفات
الإقليمية، وعلى رأسها غزة، وهو ما تعتقد مصر أنه قد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع
تشمل شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. ولفت المصدر إلى أن القاهرة تراهن على أن
واشنطن، بوصفها فاعلاً دولياً رئيسياً، تمتلك أدوات ضغط سياسية واقتصادية يمكن
توظيفها لإعادة إثيوبيا إلى طاولة التفاوض بشروط أكثر توازناً، خاصة إذا رُبط ملف
سد النهضة باستقرار الإقليم والأمن المائي العالمي، وليس باعتباره شأناً ثنائياً
معزولاً.
وأكد المصدر أن قضية سد النهضة ستكون إحدى القضايا
الرئيسية على جدول أعمال القمة المصرية-الأميركية المرتقبة، في حال انعقادها، إلى
جانب ملفات أفريقية أخرى لا تقل حساسية، من بينها تطورات الأوضاع في القرن
الأفريقي، والأزمة السودانية، والوضع في منطقة الساحل الأفريقي، والبحيرات العظمى،
فضلاً عن أمن البحر الأحمر، وأن القاهرة تسعى إلى تقديم رؤية متكاملة للإدارة
الأميركية، تربط بين سلوك إثيوبيا الأحادي في ملف السد، وطموحاتها الإقليمية
المتصاعدة، وتأثير ذلك على استقرار شرق أفريقيا، معتبرة أن استمرار تجاهل هذه
السياسات قد يقود إلى انفجارات إقليمية جديدة. وخلص المصدر إلى أن رفع سقف الخطاب
المصري لا يعني التخلي عن المسار التفاوضي، بقدر ما يعكس محاولة لإعادة ضبط قواعد
اللعبة، عبر الانتقال من الدفاع القانوني الصامت إلى الهجوم السياسي المنضبط،
تمهيداً لمرحلة تفاوضية جديدة ترى القاهرة أنها قد تكون "الفرصة
الأخيرة" لانتزاع اتفاق ملزم يجنّب المنطقة سيناريوهات بالغة الخطورة.
وقال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام، إن
قضية سد النهضة الإثيوبي، وكذلك مجمل الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، لم تعد
شأناً إقليمياً فحسب، بل باتت من القضايا التي تحظى باهتمام متزايد من المجتمع
الدولي، لا سيما القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى جانب عدد
واسع من دول الإقليم، من بينها إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا والصومال. وأوضح أن هناك
مخاوف حقيقية لدى أطراف عديدة، وفي مقدمتها إثيوبيا نفسها، من احتمال تصاعد
التوترات الأمنية المرتبطة بأزمة سد النهضة، خصوصاً في ظل الاضطرابات الداخلية
التي تشهدها البلاد، وتوتر علاقاتها مع بعض جيرانها، ولا سيما إريتريا والصومال،
فضلًا عما وصفه بالتسليح الإسرائيلي المعلن لإثيوبيا. وأضاف أن هذه المخاوف تتقاطع
مع أزمات أخرى تشهدها المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السودانية، وما يرتبط بها من
علاقات معقدة بين مليشيات سودانية والحكومة الإثيوبية، وهو ما يزيد من هشاشة الوضع
الأمني في شرق أفريقيا، ويجعل ملف سد النهضة جزءاً من معادلة إقليمية أوسع تتداخل
فيها الاعتبارات الأمنية والسياسية.
الموقف المصري ثابت
واعتبر علام أن هذه التطورات تجعل من المؤكد طرح
ملف سد النهضة، والوضع في القرن الأفريقي بوجه عام، على جدول أعمال أي قمة
مصرية-أميركية مرتقبة، مشيراً إلى أن تزايد احتمالات انعقاد مثل هذه القمة يرتبط
بطبيعة الأحداث المتعددة والمتشابكة الجارية على الحدود المصرية في الاتجاهات
كافة، شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً. وأكد أن الموقف المصري من سد النهضة ظل
ثابتاً ولم يتغير على مدار نحو 15 سنة، ويتمثل في المطالبة باتفاق قانوني ملزم
لقواعد ملء وتشغيل السد، بما يحقق أقصى استفادة لإثيوبيا من توليد الكهرباء، دون
إحداث ضرر مائي ملموس بكل من مصر والسودان.
وقال السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية
المصري ومدير إدارة السودان وجنوب السودان، لـ"العربي الجديد"، إن سد
النهضة "يمثل جزءاً لا يتجزأ من الذهنية الإثيوبية المعروفة"، معتبراً
أن إثيوبيا باتت عنصراً رئيسياً لعدم الاستقرار في شرق أفريقيا، وأن خطورتها لا
تقل، من حيث السلوك السياسي، عن خطورة إسرائيل في الشرق الأوسط، لكونها دولة لا
تعترف بالقانون الدولي ولا تلتزم بمبادئه. وأوضح أن إثيوبيا "لا تُلقي بالاً
لقواعد القانون الدولي، سواء في ما يتعلق بتوارث المعاهدات، أو بتنظيم شؤون
الأنهار العابرة للحدود، أو بتحديد وترسيم الحدود بين الدول"، معتبراً أن هذا
النهج يضعها في موقع دائم للصدام مع محيطها الإقليمي. وشدد على أن القاهرة تصفه
بـ"سد الخراب" لأنه "تجاوز بالكامل حقوق دولتي المصب"، مؤكداً
أن سوء الإدارة والفشل الإثيوبي في تشغيل السد أدّيا بالفعل إلى أضرار جسيمة خلال
الفترة الماضية، سواء في السودان أو مصر.
وأوضح أن التصرفات الإثيوبية الأحادية تسببت في
غرق مناطق داخل السودان نتيجة التدفقات غير المنسقة، كما اضطرت مصر إلى فتح مفيض
توشكى والتخلي عن كميات كبيرة من المياه كان يمكن الاستفادة منها، تفادياً لمخاطر
محتملة على السد العالي، وهو ما وصفه بأنه "خسائر مباشرة ناتجة عن غياب
التنسيق وانعدام الرغبة في إدارة مشتركة للموارد". وأكد عيسى أن ما يحدث
"ليس مجرد خلاف فني أو قانوني"، بل يعكس نهجاً سياسياً عاماً تتبعه
الحكومة الإثيوبية داخلياً وخارجياً، يقوم على إنكار حقوق الآخرين، سواء كانت حقوق
دول الجوار أو حقوق القوميات والأقليات داخل إثيوبيا نفسها.