العدد 1680 /10-9-2025

فكتور شلهوب

انتظر البيت الأبيض أكثر من أربع ساعات بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة، أمس الثلاثاء، لاغتيال قيادات حركة حماس، ليطلع بعدها ببيان ضبابي باهت تلته المتحدثة الرسمية كارولاين ليفيت في افتتاحية إحاطتها الصحافية. صيغته التي خلت من الإدانة وحتى من الشجب الاعتيادي في مثل هذه الحالة، اكتفت بإشارة خجولة إلى أن الهجوم "لا يخدم مصالح واشنطن ولا إسرائيل"، بل أشادت به من باب أن "غايته تستأهل" عملية من هذا النوع، كما جاء في البيان الذي تجاهل أي إشارة إلى اعتداء إسرائيل الصارخ على سيادة دولة، وبذلك بدا كتبرير ضمني لاستباحة دولية فاقعة.

وما استوقف أكثر في البيان كان الزعم أن واشنطن عرفت بالعدوان عن طريق "قواتها العسكرية"! لكن محاولتها لنفي علمها المسبق بالعدوان كان من الصعب تسويقها. ظروف المنطقة والمعطيات والخلفيات المحيطة بالعملية تنقض هذه الرواية وإلا لكان من الطبيعي أن تسارع واشنطن على الأقل إلى إدانتها. ومن هنا تعاملت بعض التقارير في وقت مبكر وقبل صدور بيان البيت الأبيض على أساس أن إسرائيل لا بد أنها حصلت مسبقاً على "ضوء أخضر" من واشنطن. فالضربة استهدفت دولة صديقة لواشنطن، ولا تمر مناسبة ومنذ فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلا ويشيد المسؤولون فيها بجهود الوساطة التي تبذلها الدوحة للتوصل إلى وقف النار وللعثور على مخارج سلمية لحرب غزة بشكل خاص.

ثم ازداد الارتياب عندما رفضت الناطقة توضيح المندرجات الرمادية في بيان البيت الأبيض أو التوسع في تفسيرها. في مرات سابقة، كان البيت الأبيض يسرّب معلومات وإشارات منسوبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب تنم صراحة عن "انزعاجه " من تمادي رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو من تخريبه لمفاوضات وقف النار. لكن لا شيء من هذا القبيل في البيان ولا عن طريق التسريب. وكأن المسألة لم يجرِ ترتيبها من وراء البيت الأبيض. ومن هنا كان السؤال عما إذا كان ترامب قد حاول "ثني إسرائيل" عن المضي في تنفيذ عدوانها. المتحدثة اكتفت في جوابها بالإحالة إلى نصّ البيان "وإعادة قراءته" لاستخرج الجواب. الوضوح الوحيد اقتصر على التأكيد بأن الرئيس "طمأن قطر بأن ذلك لن يتكرر".

في تعقيبه قبل عدة أسابيع على حرب التجويع في غزة وبعد عودته من جولة في المنطقة شملت أجزاء من غزة، قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن إن إسرائيل "صار لديها كارت بلانش (تفويض مطلق) من واشنطن" في حرب غزة بالتحديد. قراءته المبنية على كشف عيني وعلى "تساهل" واشنطن مع نتنياهو وسياساته، تلخّص إلى حدّ بعيد العدوان الإسرائيلي على قطر وخلفياته وملابساته.

فحتى لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تجاوز فعلاً التشاور بشأن هذا العدوان مع واشنطن وتعمد التفرد بقرار إقليمي من هذا العيار فإنه لم يكن ليفعل ذلك لولا يقينه المبني على تجربته الطويلة مع واشنطن، خصوصاً خلال حروب السنتين الماضيتين، بأن الإدارة الأميركية لن تردعه طالما لا يتخطى الخط الأحمر لمصالحها الحيوية في المنطقة وبأنها لا بدّ أن تسارع إلى تأمين الغطاء له حتى لو خرج أحياناً على المألوف والمعروف.

وتكرر ذلك مراراً في زمن بايدن، مثل مسألة إغلاق المعابر لمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة وفتح جبهة جنوب لبنان وغيرها. وفي كل مرة كانت ترسو الأمور وفق ما تخطط له إسرائيل والذي بدا أحياناً أنه جرى بالتنسيق المسبق أو اللاحق، مع الإدارة. وهذه المرة لا تشذ عن النمط المعمول به أو بالأحرى عن القاعدة المتوارثة وبالتالي لا فرق إن جرى التوافق هذه المرة قبل العدوان الإسرائيلي على قطر أو بعده.