العدد 1633 /9-10-2024
إياد الدليمي
هل منطقة الشرق الأوسط
مقبلة على تغييرات كبرى؟ ما طبيعتها؟ وهل ستكون تغييرات سياسيةً فقط أم سياسيةً
جغرافيةً، وحتّى اجتماعية واقتصادية؟ وما علاقة "الفوضى الخلّاقة" بما
نشهده اليوم؟ ... أسئلة بات طرحها ضرورياً في خضمّ ما نعيشه من تداعيات متسارعة،
وحرب يمكن القول إنّها بدأت، ولا أحد يعرف أين ستقف، ومتى وبأيّ شكل.
ما يجري منذ 7 أكتوبر
(2023)، يوم أن نجحت كتائب الشهيد عز الدين القسام في توجيه صفعةٍ كُبرى إلى دولة
الكيان الإسرائيلي، يثير تساؤلاتٍ كثيرة، خاصّةً أنّ الأحداث بدأت تتداعى بشكل
كبير وغريب، وفي حاجة إلى كثير من محاولات الفهم، فنحن اليوم لم نعد إزاء محاولة
إسرائيلية لاستعادة الهيبة المفقودة عقب 7 أكتوبر، وإنّما توسّعت القصّة وتمدّدت
وبات لها أكثر من رأس، وصار لزاماً على كلّ من يحاول أن يجد له مكاناً في
"الترسيم" الجديد أن يبحث له عن دور، أيِّ دور، فقطار التغيير السريع
انطلق بلا هوادة.
في أجواء الحرب المستعرة
في العديد من زوايا الشرق الأوسط، يعود إلى الواجهة مصطلح "الفوضى
الخلاقة" بكلّ تفاصيله وتداعياته، المصطلح الذي طفا في سطح الأحداث عقب
تفجيرات 11 سبتمبر (2001)، غير أنّه لم يأخذ حظَّه من التداول إلّا في أعقاب
تصريحٍ لوزيرة الخارجية الأميركية حينها، كونداليزا رايس، في حوار مع صحيفة واشنطن
بوست (إبريل/ نيسان 2005)، يوم أن تحدّثت عن أنّ واشنطن بدأت فعلياً بنشر
"الفوضى الخلّاقة" وصولاً إلى "شرق أوسط جديد"، ونشر
الديمقراطية في الوطن العربي عبر تلك "الفوضى". و"الفوضى
الخلّاقة" ببساطة عمل سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي متعمّد ومقصود، تقوم به
جهة أو جهات، أشخاص أو منظّمات أو دول، بغية ترتيب الأوضاع في مكان لصالح من أحدث
تلك الفوضى، التي ستكون حينها "خلّاقةً " لأنّها تتناسب مع أهدافه
وتطلّعاته.
تعدّ الولايات المتّحدة
رائداً في مجال "الفوضى الخلّاقة"، فقد سبق أن دشّنتها عقب نهاية الحرب
العالمية الثانية، واستهدفت الوقوف بوجه الشيوعية وتمدّدها، فكان أن جرّبتها ضدّ
الاتحاد السوفييتي السابق وجمهورياته، وجرّبتها في دول أميركا اللاتينية.
وفيما يخصّ منطقتنا
العربية، أو الشرق الأوسط كما يحلو لأدبيات المستعمرين أن تطلق عليه، بدأ الحديث
عن فوضاه الخلّاقة في ثمانينيّات القرن المنصرم، يوم أن كتب المستشرق برنارد لويس
عن أهمّية إحداث "الفوضى الخلاقة" في منطقة الشرق الأوسط، والعالم
العربي لمواجهة الإسلام الراديكالي، فهو كان يعتقد أنّ الولايات المتّحدة ستدخل في
صراع مع هذا الإسلام، ومن ثم، لا بدَّ من إحداث الفوضى وإعادة بناء المنطقة لتكون
ديمقراطيةً قادرةً على أن تتعايش مع إسرائيل.
المفارقة أنّ لويس طرح
العراق نموذجاً قابلاً لـ"الفوضى الخلّاقة"، فهو يرى فيه دولةً
علمانيةً، تقوم على مقدرات بشرية ومالية كبيرة، ومن ثم يمكنه أن يصلح نموذجاً
ديمقراطياً يُحتذى في المنطقة.
في العام 2003، طرح
مايكل ليدن، أحد أقطاب المحافظين الجدد، ويوصف بأنّه من أهمّ مفكّري صناعة القرار
الأميركي، مفهوم "الفوضى الخلّاقة" من جديد، غير أنّه هذه المرّة غيّر
في التعبير، وأطلق عليه "التدمير البناء"، وهو رغم اختلاف الكلمات
يُؤدِّي المعنى نفسه. أعدّ في العام 2003 مشروع "التغيير الكامل في الشرق
الأوسط"، ووضع له تاريخاً زمنياً لبدء التنفيذ، اعتباراً من العام 2013، وفي
هذه الدراسة يرى ليدن أنّه من المهمّ إجراء تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية في
كل أنحاء المنطقة، وفقاً لاستراتيجية الهدم ثمّ إعادة البناء، فالقوى اللامتناهية
للولايات المتّحدة يمكن أن تستخدم كلّ عشر سنوات باختيار بلد صغير لتدميره ثمّ
إعادة بنائه، ويرى في ذلك مهمّةً تاريخيةً تقع على عاتق الولايات المتّحدة.
من هنا يمكن القول إنّ 7
أكتوبر لو لم يحدث لأوجدت إسرائيل، أو حتّى أميركا، حدثاً آخر يخوّلها المضي في
مشروعها؛ "الفوضى الخلّاقة"، أو "الهدم البنّاء"، سيّان،
خاصّةً أنّ المنطقة تعيش منذ عقود حالةً من الّلف والدوران في قضايا مصيرية كثيرة،
وفي مقدمتها قضية فلسطين، التي يبدو أنّها كانت نسياً منسيّاً قبل 7 أكتوبر.
الآن والحال كذلك، إلى
أين نحن ذاهبون؟ ... بتقدير كاتب هذه السطور، بدأت المنطقة بالتغيّر، وأنّ الحرب
الجارية ليست سوى مدخل لتغييرات كبيرة ستطرأ في المشهد، تغييرات سياسية تتبعها
تغييرات اقتصادية واجتماعية، بعد أن أدرك الجميع أنّ شهية نتنياهو المفتوحة للحرب
لم تكن شهيته فحسب، وإنّما شهية واشنطن ولندن، وحتّى باريس.
ربّما لن نشهد قريباً تغييرات
في صعيد الخرائط الجغرافية، ولكن يمكن أن يحدث ذلك بعد عقد، المشكلة أنّ الآخر
(العدو) غارق في التخطيط، بينما نحن غارقون في معاركنا التاريخية، من داحس
والغبراء حتّى يزيد والحسين.
يبدو أن إيران التي
مثّلت رأس الرمح في مواجهة مخطّطات الشرق الأوسط الجديد، هي الأخرى، متورّطةٌ في
هذا التغيير من خلال دفعها فصائلها المتحالفة معها إلى الدخول في أتون المعركة،
بينما هي ما زالت توازن ردودها على الكيان، الذي لم يترك مكاناً للضرب في إيران لم
يضربه، منذ سنوات.
هل كانت الضربة
الإيرانية، الأسبوع الماضي، الجريئة، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، كافيةً لردع
إسرائيل؟... لم تكن كذلك، بل منحت إسرائيل مسوّغاً لإطفاء المشروع الإيراني
"المقاوم"، هذا المشروع الذي تأخّر عن نصرة غزّة عاماً، وظلّت جبهاته
المتعدّدة تناور وتخطّط الردود، حتّى لا تندلق عليها مياه الحرب الساخنة، وعندما
وجد بنيامين نتنياهو أنّ الوقت بات مناسباً بدأ ينفرد بها واحدةً تلو الأخرى، فكان
حزب الله، ومن بعده الحوثيين والمليشيات العراقية، وصولاً إلى الرأس الأغلى في
حربه هذه؛ طهران، طهران التي ما كان لها أن تردّ على الاستفزازات الإسرائيلية لولا
تلك النصيحة التي قدمت إليهم من كبار مخطّطي استراتيجية النظام: "إذا لم
تذهبوا إلى الحرب الآن فستأتي إليكم".
نسير نحو خريطة شرق أوسط
جديد، شرق أوسط لا وجود فيه لبندقية تقاوم، أو حتّى تساوم، هكذا ببساطة يرى
نتنياهو ومن خلفه حلفاءُ كُثرٌ، المنطقة. فهل ستنجح هذه الخطّة؟ ... من المُبكّر
الحديث عن نجاحها الآن، خاصّةً أنّ مهمّة القضاء على "حماس" التي بدأت
قبل عام لم تنجح.