العدد 1696 /31-12-2025

بيار عقيقي

لن يؤدّي الاعتقاد أن قرار نزع سلاح الفصائل العراقية أو سحبه أو تسليمه إلى ردّات فعل تطاول لبنان، أو العكس، كالاعتقاد أن سلاح الفصائل باقٍ رغم محاولات تمتين مواقع السلطات المركزية في بغداد وبيروت. يمكن فهم ذلك كلّه من خلال أمثلة سورية؛ يرفض الأميركيون أيَّ سلاح خارج إطار الحكومة المركزية في سورية، وهو ما يدفعهم إلى حضّ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على الانضمام إلى الجيش السوري، ويرفضون تشكّل قوات في السويداء خارج الشرعية السورية. يحصل ذلك، على الرغم من ممارسة واشنطن ضغوطها على دمشق لاستيعاب الجميع في سورية بعد نظام الأسد، من دون إقصاء، وحتى لا يُترَك المتطرّفون يحكمون الشوارع.

في العراق، لم يعد سلاح الفصائل ذا جدوى بعد خطيئة انسحاب القوات الأمنية العراقية من الموصل عام 2014. انتهى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عملياً، أو بات مُسيطَراً عليه، ما أدّى إلى انتهاء مفعول فتوى المرجع علي السيستاني، الذي دعا إلى "الجهاد الكفائي"، ولم يدعُ إلى تشكيل مليشيات وفصائل تابعة لإيران.

وعادةً، بعد التحرير، تنضوي فصائل المقاومة ضمن جيش الدولة، وفي ذلك أمثلة من نضال "جبهة التحرير" في الجزائر في خمسينيّات القرن الماضي وستّينياته، والمقاومة الفرنسية أيام الحرب العالمية الثانية (1939–1945). ومع أن بعض الفصائل العراقية، تحديداً، تلك الرافضة تسليم سلاحها، متمسّك بانسحاب القوات الأجنبية من العراق، واستطراداً الأميركية، فإنها نفسها ستفتعل أعذاراً أخرى في حال انسحاب الأميركيين والأجانب من بغداد، اليوم قبل الغد. ولا يعود ذلك إلى "مهمّة وطنية" بقدر ما يعني ارتباطها بالرؤية الإيرانية للعراق خصوصاً، وللشرق الأوسط عموماً؛ وهي رؤية لا تنطلق ممّا تحتاجه البلدان المُضيفة للفصائل، بل ممّا تحتاجه طهران، تحديداً في زمن اللامفاوضات مع الأميركيين، والضجيج المتصاعد بشأن تجدّد الحرب مع إسرائيل.

ومع أن الأنظار تتجه إلى لبنان قبل أيام من انتهاء المرحلة الأولى من تسليم سلاح حزب الله (31 ديسمبر/ كانون الأول الحالي) في جنوبي الليطاني، وفق إعلان السلطات اللبنانية، فإن التسارع في الموقفين الأميركي والعراقي الرسمي، فضلاً عن تأييد فصائل عراقية عدّة عملية تسليم السلاح، يجعل بغداد أمام مرحلة أخيرة متّصلة بأمرَيْن متماهيَيْن: إنهاء فوضى السلاح المُتفشّي في البلاد وحصره بيد القوى الشرعية، وضرب النفوذ الإيراني المفروض بقوة هذا السلاح على الداخل العراقي. انقطاع الغاز من طهران إلى بغداد منذ أيام لم يكن مجرّد مصادفة.

من شأن هذه التحوّلات أن تجعل العراق على مشارف العودة إلى زمن الجيش الواحد، لكن في صيغة أكثر استقراراً مع اعتماد نظام سياسي مرن، قياساً على نظام البعث السابق، ويسمح بتناغم عمل السلطات شرط غياب أيّ سلطة للسلاح غير الشرعي.

من المهم للعراق تحديداً ألا يفرض تنظيمٌ خارج الدولة نفسه على الحدود مع دول الجوار، وممارسة التهريب أو فرض الإتاوات أو تهجير السكّان المحلّيين. لا تسمح الجيوسياسية العراقية بإبقاء البلاد مشرّعة أمام تنظيمات تأتمر بأوامر الجميع إلّا بغداد، والدرس السوري هنا بالغ الأهمية: السلطة المركزية تتشكّل بعنف وبأثمان مثقلة بالدماء، لأن قدرها أن تتشكّل، مع اعتماد المرونة مع مناطق ومحافظات وفقاً لما تستدعيه مصلحةُ سورية. تلك المصلحة لا ترى في جوانبها أيّ وجود لسلاح خارج إطار الدولة، وجميع داعمي سورية الجديدة يؤيّدون هذا الخيار.

العراق يفهم ذلك. ورغم أن حصر السلاح قد يتّخذ في بعض الأحيان بعداً عنيفاً، إلا أنه سيحصل. أمّا في لبنان، فإن دروساً عراقية وسورية يجدر بها أن تكون كافية لفهم أن خيار حصر السلاح أمر سيحصل، وأن أيَّ ثمنٍ يُدفع اليوم سيكون أقلَّ بكثير ممّا قد يتكبّده لبنان في حالة العناد. المسألة في بيروت أن الأمر أبعد ممّا يظنّه العالقون في "جنوب الليطاني وشماله"، وأكبر ممّا نعتقد.