العدد 1336 / 7-11-2018
تستأثر انتخابات الكونغرس الأميركي في تشرين الثاني الجاري
باهتمام كبير، إذ ستؤثر نتيجتها كثيرا على رئاسة دونالد ترامب ومستقبله السياسي.
وعلى الرغم من أن توقعات تشير إلى احتمال أن يخسر الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس
النواب، إلا أن المعركة على مجلس الشيوخ ليست محسومة. وتشمل انتخابات الكونغرس هذا
العام كل مقاعد مجلس النواب الـ 435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33) البالغ عددهم
مائة. وبينما تحدث الانتخابات الرئاسية مرة كل أربع سنوات، فإن انتخابات
الكونغرس تجرى كل عامين. وقد صمم النظام الانتخابي على هذا النحو ليسمح بإعطاء
صورة سريعة عن توجهات الرأي العام بإجراء انتخابات نيابية كل عامين. وفي الوقت
نفسه، منع حدوث تغيير مفاجئ في مجلس الشيوخ بتجديد ثلثه كل عامين، وبالإضافة إلى
الانتخابات النيابية، هناك انتخابات لحكام 36 ولاية أميركية تتم مراقبتها بدقة،
لرؤية إذا ما كان سيبرز خلالها أحد المرشحين للرئاسة الأميركية في العام 2020.
حاليا تسيطر أغلبية جمهورية على المقاعد في مجلسي
الكونغرس. ولأن الكونغرس يملك صلاحية إصدار القوانين وصرف الموارد المالية،
فإن نتائج الانتخابات التشريعية ستؤثر كثيرا على السياسة الأميركية. وقد تحكّم
الجمهوريون بالأكثرية في مجلس النواب منذ فوزهم الكاسح عام 1994 الذي دشّن ما عرفت
بحقبة "الثورة الجمهورية". وهو الانتصار الأول الذي يحققه الحزب
الجمهوري في مجلس النواب منذ 1954. وبالإضافة إلى ذلك، فاز الحزب الجمهوري عام
1994 بالأكثرية في مجلس الشيوخ. لكن "ثورة الجمهوريين" في الحياة
البرلمانية الأميركية عام 1994، لم تمنع الناخبين الأميركيين من التصويت لصالح
الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون لولاية ثانية عام 1996. وكان بوش الابن أول رئيس
منذ فرانكلين روزفلت، يفوز عند إعادة انتخابه عام 2004 في وقتٍ زاد عدد أعضاء حزبه
في مجلسي النواب والشيوخ. لكن السيطرة الجمهورية على الكونغرس انتهت عام 2006،
عندما فاز الديمقراطيون بأغلبية مقاعد المجلسين، لكن الجمهوريين عادوا إلى السيطرة
في انتخابات 2016 التي جاءت بدونالد ترامب إلى الحكم.
النظام السياسي
تأسس النظام السياسي الأميركي منذ البداية، بطريقة واضحة
ومحددة، حيث مكث المؤسسون
الأوائل سنوات في مناقشة الدستور ووضع بنوده، وامتدت الفترة
ما بين إعلان الاستقلال من الاستعمار البريطاني وانتخاب أول رئيس أميركي (جورج واشنطن)
حوالي ثلاثة عشر عاما (1776 - 1789)، تم قضاء معظمها في مناقشات حول كيفية وضع
البنية السياسية ونظام الحكم لاتحاد الولايات الـ13 آنذاك، وانتهت بكتابة دستور
قصير جدا في نصه (28 صفحة من القطع الصغير)، لكن هذا الدستور مازال ساريا، ولم يتم
تعديل سوى بعض من بنوده الأقل أهمية، مع استمرار بنوده الجوهرية، مثل حرية التعبير
وحرية اختيار الدين (أول بند في الدستور)، حيث ينص هذا البند على أنه "لا
يجوز للكونغرس أن يشرع لمصلحة ديانة بعينها، أو أن يمنع أي ممارسة دينية مهما كان
نوعها، أو التضييق على حرية التعبير أو الصحافة، أو حرية الشعب في التجمعات
السلمية، أو حقهم في تقديم شكاواهم للحكومة ضد ما يرونه ضاراﹰ بهم". وعلى
الرغم من أن السياسات الأميركية لم تكن دائماً متّسقة مع روح الدستور، خصوصا في ظل
الإدارة الحالية التي دخلت في حرب مع الإعلام، وحظرت دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية
مسلمة إلى الولايات المتحدة، تبقى هذه البنود الجوهرية مع ذلك الأساس الذي قامت
عليه أميركا.
والنظام الأميركي "فدرالي رئاسي تشريعي ديمقراطي
جمهوري"، يعطي كل ولاية استقلالية شبه كاملة في إدارة شؤونها. ويقف النظام
الفدرالي على الأعمدة التقليدية الثلاثة: التشريعي (الكونغرس) والتنفيذي (البيت
الأبيض) والقضائي (المحكمة العليا). بالمثل، يتكون نظام كل ولاية من كونغرس وحاكم
(التنفيذي) وكذلك محكمة عليا، أي نظام قضائي خاص بالولاية.
الفروع الفدرالية الثلاثة
يتكون الكونغرس الأميركي من مجلسي الشيوخ والنواب. ويعتبر
مجلس الشيوخ الأعلى ومجلس النواب الأدنى، وشعاره: "من الشعب ومن خلال الشعب
ومن أجل الشعب". ويختلف نظام الكونغرس الأميركي عن النظام
"البرلماني"، بإعطائه درجة عالية من الاستقلالية للأعضاء في أثناء
التصويت على أي تشريع، حيث تكون مصلحة الناخبين قبل مصلحة الحزب. لذا، من الطبيعي
أن يصوت عضو الكونغرس ضد التوجه العام لحزبه تجاه تشريع معيّن، وذلك حسب ما تمليه
مصالح الولاية التي يمثلها (إذا كان سيناتوراً) أو المقاطعة (إذا كان عضوا في مجلس
النواب).
مجلسا الشيوخ والنواب
تعود جذور اسم مجلس الشيوخ إلى اللغة اللاتينية، وتعني
"عقلاء القوم أو كبار القوم". وقد تكوّن أول مجلس بهذا الشكل مجلسا
استشاريا في روما القديمة، ولعل هذين المدلولين وراء الترجمة العربية لهذا
المصطلح. ويتكون مجلس الشيوخ الأميركي من ممثلين اثنين لكل ولاية، لهذا يبلغ عدد
أعضائه مائة عضو يمثلون الولايات الخمسين، ولا يوجد ممثلون فيه للعاصمة واشنطن،
لأنها ليست ولاية ولا تتبع أي ولاية، كذلك لا يوجد ممثلون فيه لمناطق أخرى تعتبر
حدودا أميركية، لكنها ليست ولايات مثل جزر بورتوريكو وغوام وساموا وغيرها.
ويعتبر مجلس الشيوخ أكثر تأثيرا في صنع القرار، لأن
الصلاحيات الممنوحة له أهم، بشكل عام، من المعطاة لمجلس النواب. كما أن صغر عدد
أعضائه مقارنة بمجلس النواب وطول الفترة الانتخابية (ست سنوات للفترة الواحدة
مقابل سنتين لعضو مجلس النواب) يمنح أعضاءه فرصة أكبر لتحقيق درجة أعلى من التفاهم
بينهم حول القضايا المطروحة والتحرر من تأثير التوجهات الحزبية والتي قد تؤثر سلبا
على رؤية العضو لقضية بعينها، ومن ثم نوعية القرار الذي يتخذه، وإن لم يكن الحال
كذلك دائمًا. ويعتبر نائب الرئيس الأميركي رئيسا لمجلس الشيوخ، إلا أنه نادرا ما
يرأس أي جلسة إلا في حال وجود تعادل في الأصوات حول تشريع معين (50 مقابل 50 صوت)
فإن صوته في هذه الحالة يكسر هذا التعادل، كما
ويعّرف مجلس النواب بأنه مجلس "الشعب"، لأنه أكثر
التصاقا من مجلس الشيوخ بهموم الشعب اليومية، كما أن عضو هذا المجلس يمثل عادة
مقاطعة صغيرة جغرافيا عدد سكانها حوالي الخمسمائة ألف، بينما يمثل عضوان فقط ولاية
بكاملها في مجلس الشيوخ. هذا المجلس دورا كبيرا أيضا، قد يفوق، أحيانا، مجلس
الشيوخ، فهو على قدم المساواة في إصدار التشريعات، حيث لا بد لأي تشريع من أن
يعتمده المجلسان. ورئيس مجلس النواب هو ثالث شخص في ترتيب هرم السلطة.
ولعل العدد الكبير لأعضاء هذا المجلس أحد الأسباب في التقليل
من شأنهم مقارنة بأعضاء مجلس الشيوخ. فبينما يحظى عضو مجلس الشيوخ بتمثيله ولاية
بكاملها، فإن عضو مجلس
النواب محصور في تمثيله جزءا من السكان (نحو نصف مليون
عادة). ومن هذا المنطلق، عدد الأعضاء الذين يمثلون ولاية كاليفورنيا، أكثر
الولايات المتحدة سكانا، 53 عضوا (رجلا وامرأة) مقابل عضو فقط لأقل الولايات سكانا
(ولاية وايومنغ)، والتي تبلغ نسبة سكانها أقل من واحد على ستين (حوالي 700 ألف
نسمة) من سكان كاليفورنيا (40 مليونا)، وعلى هذا الأساس، يتكون مجلس النواب حاليا
من 435 عضوا، يمثل كل ولاية عدد مختلف حسب عدد سكان الولاية.
وانتخابات الرئيس الأميركي ونائبه هي الأكثر صدى إعلاميا،
ومن ثم شهرة، داخل ماكينة السياسة الأميركية الضخمة. تجرى الانتخابات مرة كل أربع
سنوات، ولا يجوز أن ينتخب الرئيس أكثر من فترتين متتاليتين. ويكون الرئيس المنتخب
رئيسا للدولة ورئيسا للوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة. الشرط الوحيد في
الرئيس ونائبه أن يكونا من مواليد الولايات المتحدة، وأن لا يقل عمر كل منهما عن
الخمسة والثلاثين عاما.