العدد 1680 /10-9-2025
مصطفى عبد السلام
هذه
الفترة الحرجة من تاريخ الدولة المصرية تعد بمثابة أيام ثقال على مصر والمصريين،
أيام لا تريد الزحزحة ولو قليلا ومراوحة مكانها، أو تنتقل للأمام ولو لأمتار
قليلة. الأغلبية باتت تتنفس من خرم أبرة ضيق في ظل مخاطر متنامية وتحديات كثيرة
وأزمات اقتصادية ومالية ومعيشية، وضغوط من الدائنين الدوليين، وبيع أصول الدولة
للمستثمرين الأجانب، واحتكارات تتوغل، وقطع أرزاق وغيرها.
وفي
المقابل لا إصلاح جديا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، ولا بوادر انفراجة
بعد أكثر من عقد من القيود ومصادرة الحريات والحياة السياسية، وهناك إعلام يصر على
تغييب الرأي العام، ومتابعة التافه والغث من القول والعمل، وترويج العصفورة تلو
الأخرى، ونشر أحاديث اللهو والكذب والشائعات والأفك، وتخصيص مساحات كبيرة لأخبار
أهل "إيجيبت" في العلمين والساحل الشمالي الشرير وشرم الشيخ ومتابعة
أخبار غاسلي الأموال وقناصي الصفقات الجدد والأثرياء الجدد.
يحدث
هذا العبث المتواصل في الوقت الذي يهدد فيه قادة دولة الاحتلال العنصريون مصر مرة
تلو الاخرى، وتحتل فيه إسرائيل محور صلاح الدين الحدودي أو محور فيلادلفي مع
فلسطين، وبطول 14 كيلومتراً على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، كما يحدث في الوقت
الذي يتم رهن أهم قطاعين في الاقتصاد المصري، الطاقة والصناعة، بإسرائيل وغازها
وقطاع الطاقة بها ولمدة 15 سنة، وفي صفقة تعد الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال
وبقيمة 35 مليار دولار، كما تأتي في الوقت الذي تعاني فيه الخزانة المصرية من جفاف
في السيولة، ودين خارجي ومحلي هو الأعلى في تاريخ الدولة المصرية.
أحدث
المخاطر التي يتجاهلها صانع القرار والإعلام المصري هي المخاطر الشديدة لسد النهضة
الإثيوبي الذي تم تدشينه اليوم بكلفة تجاوزت خمسة مليار دولار، السد بات أمرا
واقعا، والجميع في مصر يلتزمون الصمت حيال مخاطره الكارثية سواء على الأمن القومي
للدولة، أو الأمن المائي للمصريين حيث تعتمد مصر على نهر النيل للحصول على نحو 97%
من احتياجاتها من المياه العذبة، وعلى القطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها الزراعة
ومياه الشرب.
لم
يقدم أحد من كبار المسؤولين في الدولة إجابات مقنعة عن الأسئلة التي تتعلق بحجم
كارثة سد النهضة، خاصة في ظل عجز المياه في مصر حيث إن موارد الدولة المائية تقدر
بنحو 56.6 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تبلغ احتياجاتها المائية حوالى 114 مليار
متر مكعب سنوياً. وبالطبع فإن سد النهضة سيضاعف تلك الأزمة الوجودية.
ولماذا
فرطت السلطات المصرية في مياه النيل شريان الحياة، لماذا تنازلت بسهولة عن حصة مصر
التاريخية في نهر النيل، كيف ستواجه الحكومة المخاطر المستقبلية للسد والتي تصل
إلى حد تعطيش المصريين وتقليص إمدادات المياه خلال فترات الجفاف، ما الذي يمنع
إثيوبيا مثلا من قطع المياه كلية عن مصر سواء نكاية في الدولة والضغط عليها، أو
بإيعاز من الإسرائيليين وكبار الممولين للسد من دولة الخليج وغيرها، هل يصل بنا
الذل إلى حد القبول بالأمر الواقع، بل وتحويل السد إلى مصدر دخل كبير للموازنة
الإثيوبية عبر شراء مصر والسودان الكهرباء المولدة، حيث إن سد النهضة بات يصنف على
أنه أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا. وبالتالي فإنه في الوقت الذي
تحرص فيه أديس أبابا على تعطيش المصريين، نشتري نحن في المقابل الكهرباء المولدة
عن السد ورفدها بالنقد الأجنبي اللازم لسداد القروض المستحقة على السد.
مصر
أمام خطر وجودي بتدشين سد النهضة وتهديد إثيوبيا مقدرات شعب مصر الوجودية والإعلان
عن التوجه لبناء سدود أخرى تقارب المائة في أعلى النهر، ومن العبث الحديث عن
الدخول في مفاوضات جديدة مع إثيوبيا بشأن ترتيب مرحلة ما بعد إطلاق السد، هذا عبث
ومضيعة للوقت وتخدير للمصريين. ولابد أن نعترف بأن مصر حصلت على صفر كبير في معركة
سد النهضة يفوق بكثير صفر المونديال في العام 2010، وفي حال الاعتراف بتلك
الكارثة، هل يمكن أن نتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.