العدد 1680 /10-9-2025
تترقّب الأسواق الفرنسية
والدولية، اليوم الاثنين، 8 سبتمبر/أيلول، تصويت الجمعية الوطنية على الثقة بحكومة
فرنسوا بايرو، وسط انقسام سياسي حاد حول خطته التقشفية. وبينما يرى مراقبون أن
الحكومة قد تواجه صعوبة في تأمين الأغلبية المطلوبة، يؤكد آخرون أن أي نتيجة
للتصويت ستظل محملة بتداعيات اقتصادية واسعة، سواء عبر استمرار الغموض السياسي، أو
عبر الدخول في مرحلة انتقالية جديدة. وبحسب تقديرات مؤسسات مالية مثل بلومبيرغ
والمفوضية الأوروبية وبنك فرنسا المركزي، فإن التحدي الأبرز يكمن في قدرة فرنسا
على طمأنة المستثمرين، وتثبيت استقرار أسواقها، في ظل عجز متصاعد ودين عام يقترب
من 114% من الناتج المحلي.
وسواء نجح بايرو في تمرير
الثقة أو خسرها، فإن الاقتصاد الفرنسي سيبقى في مواجهة تحديات ثقيلة. ووفق
التقديرات فإن استمرار الحكومة سيعني بقاءها ضعيفة أمام ضغوط البرلمان والنقابات،
بينما سقوطها سيطلق سباقاً جديداً لتشكيل حكومة أخرى أو الدعوة لانتخابات مبكرة.
وفي كلتا الحالتين، ستظل الأسواق تتعامل مع فرنسا على أنها اقتصاد مثقل بعجز ودين
مرتفعين، مع علاوة مخاطرة دائمة على أسهمها وسنداتها. وبحسب تقارير المؤسسات
المالية، فإن الانعكاسات المحتملة لاستمرار هذه الأزمة تشمل نزيفاً في أسواق
الأسهم، واتساع الفجوة مع السندات الألمانية، وتراجع ثقة المستهلكين، وتباطؤ النمو
إلى 0.6%، واحتمال خفض التصنيف الائتماني خلال الأشهر المقبلة.
البورصة في المواجهة
انعكست أجواء الغموض السياسي
على أسواق الأسهم الفرنسية بشكل مبكر، إذ تراجع مؤشر كاك 40 منذ إعلان بايرو في 25
أغسطس/آب الماضي عن تصويت الثقة، مسجلاً أداء أسوأ من المؤشرات الأوروبية الأخرى
مثل ستوكس أوروبا 600 وداكس الألماني. ووفق بيانات "بلومبيرغ"، خسر
المؤشر الفرنسي نحو 4.1% منذ الانتخابات المبكرة في يونيو/حزيران 2024، بينما حقق
مؤشر ستوكس أوروبا مكاسب بلغت 4.9%، وقفز داكس بنسبة 24% خلال الفترة نفسها.
القطاعات الأكثر ارتباطاً
بالطلب المحلي كانت الأكثر تضرراً. فقد تراجعت أسهم البنوك الكبرى مثل "بي إن
بي باريبا" و"كريدي أغريكول" بنحو 8% نتيجة انكشافها الكبير على
السندات الحكومية، فيما خسرت شركات الإنشاء والبنية التحتية مثل "فينسي"
و"إيفاج"، وشركة التطوير العقاري "نكسيتي" أكثر من 10%. كما
هبطت أسهم شركات الرعاية الصحية مثل "إيميس" و"كلاريان" بوتيرة
مماثلة. وبحسب محللين في "جي بي مورغان" لإدارة الأصول، فإن أي حكومة
جديدة قد تضطر إلى تقليص خطة بايرو لخفض الإنفاق بمقدار 44 مليار يورو، والقبول
بعجز يقارب 5% بدلاً من 4.6% لاستقطاب دعم البرلمان، ما يعزز الضغوط على تقييمات
الأسهم الفرنسية.
ارتفاع عوائد السندات
في موازاة ذلك، شهدت السندات
الفرنسية لأجل عشر سنوات ارتفاعاً في عوائدها إلى 3.6% عقب إعلان التصويت، قبل أن
تتراجع قليلاً إلى 3.45%، وفق بيانات "بلومبيرغ". واتسع الفارق مع
السندات الألمانية (البوندز) ليصل إلى 80 نقطة أساس، مقارنة بـ70 نقطة أساس قبل
الأزمة. ووفقاً لتحليل "بلومبيرغ"، فإن استمرار هذا المسار قد يرفع خدمة
الدين إلى نحو 5% من الناتج المحلي بحلول 2034، مقارنة بـ1.9% فقط في 2024. هذا
الارتفاع يعكس مخاوف المستثمرين من أن العجز المرتفع سيستمر لسنوات، في وقت بلغ
فيه الدين العام 3.345 تريليونات يورو منتصف العام الجاري، أي ما يعادل 113.9% من
الناتج المحلي، بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. ويحذر خبراء من
أن الدعوة لانتخابات مبكرة في حال سقوط الحكومة قد تدفع الفارق مع السندات
الألمانية إلى 90 نقطة أساس، ما يجعل السندات الفرنسية من بين الأكثر عرضة للضغوط
في منطقة اليورو.
تفاقم العجز والدين
بحسب المفوضية الأوروبية، بلغ
العجز في الموازنة الفرنسية 5.8% من الناتج في 2024، ومن المتوقع أن يبقى بين 5.6%
و5.7% خلال 2025 - 2026، أي ما يعادل ضعف السقف الأوروبي المحدد عند 3%. وأثارت
هذه الأرقام تحذيرات من استمرار اختلال التوازن المالي، خاصة أن الدين العام وصل
إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود. الخطة التي طرحها بايرو استهدفت خفض العجز إلى
4.6% بحلول 2026 عبر إجراءات تقشفية قيمتها 44 مليار يورو، تشمل تقليص الإنفاق،
وزيادة بعض الضرائب. غير أن غياب الدعم البرلماني يجعل هذا الهدف صعب التحقيق.
وبحسب تقرير لبنك فرنسا، فإن استمرار مستويات العجز المرتفعة سيضعف "الهامش
المالي" للدولة، ويجعل أي حكومة جديدة رهينة ضغوط الأسواق ووكالات التصنيف.
الاستثمار الأجنبي
وتجد شركات القطاع الخاص
نفسها في وضع ترقب وانتظار، إذ تفضل تأجيل قرارات التوسع، حتى تتضح ملامح السياسات
الضريبية والمالية. وبحسب تصريحات الاستراتيجية في "جي بي مورغان"،
توشكا مهراج، فإن "إطالة أمد الغموض ستضعف ثقة القطاع الخاص، وتؤخر تدفق
الاستثمارات الأجنبية المباشرة". من جهته، أوضح رئيس مبيعات الأسهم في
"تي بي آي كاب يوروب"، توماس هيلين، أن ارتفاع العوائد على السندات
الفرنسية رفع كلفة التمويل على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودفع المستثمرين إلى
تحويل محافظهم نحو أسواق ألمانيا وإيطاليا. ويضعف هذا التحول جاذبية باريس مركزاً
استثمارياً، ويزيد من فجوة الأداء بينها وبين برلين وفرانكفورت.