العدد 1692 /3-12-2025
محمد أمين
خلقت حادثة بيت جن في ريف دمشق قبل أيام غضباً
متنامياً في سورية حيال استمرار انتهاك سيادتها من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي،
ما استدعى حراكاً أميركياً، من خلال اللقاء الذي جمع المبعوث الأميركي توم برّاك
الاثنين الماضي بالرئيس أحمد الشرع بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني
قبل أن يلتقي الشيباني وبراك مجدداً أمس، فضلاً عن منشور الرئيس الأميركي دونالد
ترامب، أول من أمس الذي حذر فيه من عرقلة تحول سورية إلى "دولة مزدهرة"
ودعوته إسرائيل للمحافظة على "حوار قوي وحقيقي" مع دمشق، فيما ينتظر أن
يحضر الملف السوري في المباحثات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بعدما دعاه الرئيس الأميركي لزيارة البيت الأبيض في وقت قريب.
نتنياهو يريد منطقة خالية من السلاح
في المقابل، أعاد نتنياهو أمس التمسك بشروطه
للتوصل إلى اتفاق مع سورية. وفي حين اعتبر، خلال زيارته أمس الثلاثاء الجنود
الإسرائيليين الذين أصيبوا في الاشتباك في قرية بيت جن بريف دمشق، أنه "يمكن
التوصل إلى اتفاق مع السوريين بالنية الحسنة والتفاهم"، فإنه أضاف "أننا
نتمسك بمبادئنا"، موضحاً: "مصرون على الدفاع عن البلدات الإسرائيلية قرب
الحدود بما يشمل الحدود الشمالية، وعلى منع تموضع الإرهابيين والأعمال المعادية
قرب حدودنا، وعلى الدفاع عن حلفائنا الدروز وأن تبقى إسرائيل آمنة من أي هجوم بري
من المناطق الحدودية". وأضاف: "نتوقع من سورية أن تعمل على إقامة منطقة
خالية من السلاح من دمشق إلى المنطقة العازلة خصوصاً جبل الشيخ". وتابع:
"مصرون على أن يكون جنوب غرب سورية خالياً من السلاح وسنبقى في المناطق التي
نسيطر عليها".
وقالت رئاسة الجمهورية السورية في منشور على معرفاتها
الرسمية، إن اللقاء بين برّاك والشرع "بحث المستجدات الأخيرة في المنطقة
والقضايا ذات الاهتمام المشترك". من جهته، حذر ترامب، في منشور عبر منصة
"تروث سوشال"، أول من أمس، إسرائيل من اتخاذ أي إجراءات قد تعيق مسار
الانتقال السياسي في سورية. ودعا إسرائيل للمحافظة على "حوار قوي
وحقيقي" مع سورية، محذراً من عرقلة تحولها إلى "دولة مزدهرة".
وقال: ستكون لهما (سورية وإسرائيل)، علاقة طويلة ومزدهرة معاً ممكنة من خلال هذا
الحوار القوي والحقيقي. وعبّر عن رضى إدارته عن الشرع، مشيراً إلى أن الولايات
المتحدة دعمت إعادة إعمار سورية بما في ذلك رفع "العقوبات القوية
والقاسية" المفروضة عليها في السنوات الماضية. وتحدث ترامب إلى رئيس الوزراء
الإسرائيلي بعد وقت قصير من منشوره على وسائل التواصل، ودعاه إلى لقاء في البيت
الأبيض "في المستقبل القريب".
مقاومة عسكرية في بيت جن
وهذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الرئيس
الأميركي لغة تحمل في طياتها تحذيرات واضحة للجانب الإسرائيلي الذي نسف اتفاقية فك
الاشتباك لعام 1974، واحتل مناطق سورية جديدة، ووصل الأمر إلى حد قصف منازل مدنيين
وقتل أطفال كما حدث في بيت جن الجمعة الماضي، حيث قتل 20 شخصاً وأصيب 24 آخرون.
وشهدت بلدة بيت جن للمرة الأولى مقاومة عسكرية واضحة لقوات الاحتلال الإسرائيلي
التي أعلنت إصابة ستة من عناصرها، بينهم ضباط، في اشتباكات مع مقاتلين محليين.
ولم تتلق قوات الاحتلال أي مقاومة منذ بدء
توغلاتها في الأراضي السورية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، ولكن
الرد الأهلي في بلدة بيت جن عكس غضباً متنامياً في الشارع السوري، الذي بدأت ترتفع
أصوات فيه في الآونة الأخيرة تدعو إلى عدم السكوت على الصلف والعربدة
الإسرائيليين. ووصفت وزارة الخارجية السورية، في بيان وقتها، العدوان على بلدة بيت
جن بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان"، محذرة من أن "استمرار هذه
الاعتداءات الإجرامية يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ويأتي في سياق سياسة
ممنهجة لزعزعة الأوضاع، وفرض أمر واقع عدواني بالقوة". وجددت مطالبتها مجلس
الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بـ"التحرك العاجل لوضع حد لسياسة
العدوان والانتهاكات المتكررة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب
السوري".
قضايا سيبحثها ترامب ونتنياهو
وعدّدت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عدة قضايا في
المنطقة، سيبحثها اللقاء بين ترامب ونتنياهو، الذي رجحت أن يجري في وقت لاحق من
ديسمبر الحالي، من بينها غزة وسورية ولبنان. ومن الملفات التي تقلق الأميركيين،
الملف السوري، حيث يُستشفّ من تغريدة ترامب، أنّه غير راض عن السياسة الإسرائيلية،
التي لا تُبدي ثقة بالشرع. ويدرك المسؤولون الإسرائيليون، أنّ ترامب يُقدّر كثيراً
كلّاً من الشرع والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهم يسيرون بحذر شديد لتجنّب
إغضاب الرئيس الأميركي. ومن المرجّح أن يعرض نتنياهو، على ترامب خلال اللقاء في
البيت الأبيض، مزاعم حول معلومات استخباراتية بشأن "تقاعس" الحكومة
السورية في مواجهة نشاط التنظيمات التي تصفها إسرائيل بالإرهابية. ومن المتوقع أن
يضغط ترامب على نتنياهو للتوصّل إلى تسوية أمنية مع سورية، وفقاً لتقرير الصحيفة،
رغم أنّ المحادثات التي جرت حتى الآن بين سورية وإسرائيل بوساطة أميركية، وصلت إلى
طريق مسدود.
جهود أميركية لاحتواء التصعيد
وتعليقاً على زيارة المبعوث الأميركي إلى دمشق،
أوضح الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها
"تأتي ضمن الجهود الأميركية لاحتواء التصعيد الإسرائيلي المستمر والانتهاكات
التي يقوم بها نتنياهو وتحديده أعداء وهميين في الأراضي السورية". وأضاف: "جهود
برّاك يجب أن تكون نهائية في هذه المرحلة، فالجهود الأميركية السابقة كانت تركز
على خفض التصعيد أو اتفاق عدم الاعتداء كما صرح برّاك نفسه في مايو/أيار الماضي.
إننا نبحث عن إنهاء التصعيد والانتهاكات وانسحاب الإسرائيليين إلى ما وراء خطوط
1974".
وأشار غزلان إلى أن الجهود الأميركية "يجب أن
تكون حاسمة هذه المرة"، مضيفاً: "وإذا لم تكن كذلك فهي ستواجه غضباً
جماهيرياً واسعاً، والرسالة التي وجهها الشعب السوري للجيش الإسرائيلي عندما دخل
إلى بيت جين كانت واضحة بأن الاستنزاف غير ممكن، وأن الشعب السوري لن يصبر أكثر من
ذلك على الانتهاكات الإسرائيلية". وبيّن غزلان أنه "لم يحدث انتهاك واحد
منذ حرب التحرير (8 ديسمبر 2024)، وحتى اليوم من طرف سورية باتجاه إسرائيل. احترمت
سورية كل المواثيق والمعاهدات الدولية، ولكن إسرائيل تريد ثمناً باهظاً جداً لوقف
الانتهاكات". وأشار إلى أن "العقيدة السياسية الجديدة لسورية تقوم على
أنه لا استعداء ولا عداء ولا تأجيج حروب، والاستقرار هو معادلة وطنية سورية،
والمجتمع الدولي مستفيد جداً من الاستقرار في هذه المنطقة، ومن الحفاظ على إبعاد
المحور الإيراني عنها".
واعتبر غزلان انسحاب إسرائيل إلى ما وراء خطوط
1974 "نقطة الصفر ونقطة الانطلاق نحو التفاوض الأمني"، مضيفاً: "من
دون ذلك لا يمكن التفاوض أمنياً. لا يمكن أن نعتمد نقطة تفاوضية غير موجودة في
القانون الدولي الذي ينص على الانسحاب إلى ما وراء 1974". وأوضح أن سورية
"نفذت سياسة عدم الاعتداء منذ الثامن من ديسمبر 2024، ولم يكن هناك انتهاك
واحد من أراضيها، بينما ساقت تل أبيب اتهامات واهية لنا من قبيل وجود مجموعات
جهادية، ومجموعات فلسطينية في جنوب سورية". وتابع: "نتنياهو يبحث عن نصر
دبلوماسي وعسكري في سورية باختراع العداء مع سورية الحريصة على الاستقرار
الدولي". وأضاف: "لن نخدم أهداف نتنياهو الانتخابية، ونعوّل على المجتمع
الدولي والدبلوماسية الدولية، ولكن الشعب السوري لن يصمت إذا استمر هذا الاستنزاف،
ويمكن أن يقابل باستنزاف آخر".
لا تفاوض على شبر من الأراضي السورية
وأكد غزلان أنه "لا يمكن التفاوض على شبر من
الأراضي السورية، فهذه ثوابت، ولكن يمكن أن نتحدث عن اتفاقات أمنية"، مضيفاً:
"حتى الصحافة الإسرائيلية قالت إن استمرار انتهاكات نتنياهو سيجعل من الحكومة
السورية الجديدة عدواً لإسرائيل". وأشار إلى أن المعارضة الإسرائيلية أكدت
بشكل واضح أنها لا تريد التورط في سورية، وأن نتنياهو يتصرف بشكل أحادي، مضيفاً:
"الصحافة الإسرائيلية قالت إنه يمكن أن يصفح عن نتنياهو في جرائم الفساد
المتهم بها مقابل أن يعزل نفسه سياسياً. موقف نتنياهو داخلياً صعب جداً، ويريد أن
يطغى عداؤه لسورية على مشاكله الداخلية". وأشار إلى أن "إفراط نتنياهو
في العداء لسورية سيقابله تفريط في موقع إسرائيل ضمن المجتمع الدولي"،
مضيفاً: "سورية حققت نجاحات ولّدت غيرة سياسية عند نتنياهو لذا فهو يحاول أن
يسحبها منا، ولكن هذا غير ممكن. نحن دعاة سلام، ولكننا أيضاً نجيد
الاستنزاف".
واعتبر مركز "جسور" السوري للدراسات، في
منشور على "فيسبوك" أمس الثلاثاء، الحكومة الإسرائيلية الحالية
"الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل"، مشيراً إلى أنها "غير مهتمة
باتفاقيات السلام في المنطقة عموماً، وغير مرتاحة للحكم الجديد في سورية رغم
المرونة العالية التي يبديها لإسرائيل". وبرأي المركز فإن "سورية تبدو
عالقة بين طموحات الرئيس الأميركي وانتهازية رئيس الوزراء الإسرائيلي"، وأن
"عملية بيت جن واحدة من محطّات تبايُن المواقف بينهما"، مضيفاً:
"تبدو انتهازية نتنياهو في طريقها للتغلب على طموحات ترامب. سيستمر نتنياهو
في سعيه للضغط على ترامب لتغيير سياساته تجاه سورية".