العدد 1695 /24-12-2025
محمد أمين
ساد هدوء حذر مدينة حلب، يوم الثلاثاء، بعد ليلة
دامية ومناوشات بين الجيش العربي السوري، ووحدات "حماية الشعب" الكردية،
سلطة الأمر الواقع في حيي الشيخ مقصود والأشرفية في المدينة الكبرى في الشمال
السوري، في ظل تراشق إعلامي بالاتهامات يعكس استمرار تعثر تطبيق اتفاق 10 مارس/
آذار 2025 بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي.
وجاءت الاشتباكات التي اندلعت أول من أمس الاثنين
بعد وقت قصير من انتهاء زيارة الوفد التركي إلى دمشق، حيث شددت تركيا وسورية على
أهمية تنفيذ الاتفاق بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وشدّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال
مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني، على أهمية تنفيذ اتفاق 10 مارس
الماضي بين دمشق و"قسد"، معتبراً أن اندماج "قوات سوريا
الديمقراطية" في مؤسّسات الدولة السورية، من خلال الحوار والمصالحة، وبشكل
شفاف، وألا تشكّل عائقاً أمام وحدة الأراضي السورية واستقرارها على المدى الطويل،
يصبّ في مصلحة جميع الأطراف، ولافتاً إلى أن استقرار سورية ينعكس مباشرةً على
استقرار تركيا. وأضاف أن الانطباع السائد حتّى الآن يشير إلى غياب نية لدى
"قسد" لتنفيذ الاتفاق.
من جهته، شدّد الشيباني، من جهته، على أن اتفاق 10
مارس الماضي الموقع بين دمشق و"قسد" يعبر عن إرادة سورية واضحة في توحيد
الأراضي السورية، لكنه أشار إلى أن الحكومة لم تلمس حتّى الآن إرادة جدية من
"قسد" لتنفيذه. ولفت إلى أن الحكومة السورية تقدّمت أخيراً بمقترح يهدف
إلى تحريك الاتفاق إيجابياً، وتلقت رداً عليه الأحد الماضي، و"يجري العمل
الآن على دراسة هذا الرد وكيفية استجابته للمصلحة الوطنية في أن يحقق الاندماج
ويحقّق أرضاً سورية واحدة موحدة"، مضيفاً: "سيُرد على هذا المقترح إلى
الجانب الأميركي في القريب العاجل". وأضاف أن منطقة الجزيرة تشكل جزءاً
أساسياً من سورية وتحظى باهتمام خاص من الدولة، محذراً من أن أي تأخير في اندماج
"قسد" ضمن مؤسّسات الدولة ينعكس سلباً على استقرار المنطقة ويعيق جهود
إعادة الإعمار.
أربعة قتلى باشتباكات مع "قسد"
وقالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع
لوكالة الأنباء الرسمية "سانا"، أول من أمس الاثنين، إن "قيادة
أركان الجيش أصدرت أمراً بإيقاف استهداف مصادر نيران قسد بعد تحييد عدد منها،
وتضييق بؤرة الاشتباك بعيداً عن الأهالي"، مضيفة: الجيش العربي السوري وقف
اليوم (الاثنين) أمام مسؤولياته في حماية الشعب والدفاع عنه، ولم يبد أي تحرك
لتغيير خطوط السيطرة، بل اكتفى بالرد على مصادر النيران.
ونقلت "الإخبارية السورية" عن مسؤول
المكتب الإعلامي في مديرية صحة حلب منير المحمد إشارته، الثلاثاء، إلى ارتفاع
حصيلة قتلى القصف المدفعي من قبل وحدات "حماية الشعب" الكردية التابعة
إلى قوات سوريا الديمقراطية للأحياء السكنية في مدينة حلب القريبة من حيي الشيخ
مقصود والأشرفية، اللذين يقعا تحت سيطرة مسلحين أكراد، إلى 4 قتلى و9 مصابين. كذلك
أعلنت القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي (الأسايش) في حلب التابعة إلى
"قسد"، في بيان مساء الاثنين الماضي، "إيقاف الرد على هجمات فصائل
حكومة دمشق، تلبيةً لاتصالات التهدئة الجارية".
وتؤكد الحكومة السورية أن "قسد" هي من
بدأت بالتصعيد العسكري مساء الاثنين الماضي في حلب، إذ "هاجمت بشكل مفاجئ
نقاط انتشار قوى الأمن الداخلي والجيش العربي السوري بمحيط حي الأشرفية"، ما
أدى إلى "وقوع إصابات بصفوف قوى الأمن والجيش"، بحسب إدارة الإعلام
والاتصال في وزارة الدفاع. من جانبها، قالت "قوات سوريا الديمقراطية"،
في بيان، إن "فصائل تابعة لحكومة دمشق" قامت بالهجوم على حيي الشيخ
مقصود والأشرفية، مشيرةً إلى أن سبب الاشتباكات هو "هجوم فصائل تابعة لحكومة
دمشق على حاجز دوار الشيخان والذي أدى إلى إصابة عنصرين من الأسايش (قوى أمن
داخلي)". وفي السياق قالت "الإدارة الذاتية"، الذراع الإداري
لـ"قسد" في بيان، إن "ما جرى (مساء الاثنين الماضي) ليس المرة
الأولى التي تُشنّ فيها هجمات على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، في خرق متكرر
للتفاهمات والاتفاقات السابقة التي وُضعت بهدف منع التصعيد ووقف الانتهاكات وحماية
المدنيين". ويقع الحيّان على الأطراف الشمالية من مدينة حلب، وفيهما غالبية
كردية من السكان. وتسيطر الوحدات الكردية على الحيين منذ أكثر من عشر سنوات، وتفرض
فيهما "الإدارة الذاتية" قوانينها.
ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من
ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، شهد الحيّان أكثر من مرة تصعيداً ما بين الوحدات
الكردية والجيش السوري، إلا أن هذا التصعيد لم يتحول إلى صدام واسع النطاق لحرص
الجانبين كما يبدو على تجنّب الدخول في اقتتال داخل الحيين المكتظين بالمدنيين.
وعادة ما يعكس التوتر في الحيين انسداد آفاق التفاهم ما بين دمشق و"قسد"
التي تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية، وتحاول فرض شروطها على الحكومة السورية
لتطبيق اتفاق وُقع في مارس الماضي نص على اندماج هذه القوات ذات الطابع الكردي في
الجيش السوري الجديد. وجاء التصعيد مساء الاثنين الماضي بعد ساعات من زيارة قام
بها وفد تركي رفيع المستوى ضمّ فيدان ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز
الاستخبارات العامة إبراهيم كالن. وعُدّت الزيارة مؤشراً إلى قرب القيام بعملية
عسكرية مشتركة ضد "قسد"، لا سيما بعد الحديث السوري التركي عن عدم وجود
مؤشرات إلى نية قسد تطبيق اتفاق 10 مارس الماضي، فيما تشير المعطيات إلى أن
الولايات المتحدة ترفض أي صدام عسكري يمكن أن يقوّض الآمال بالتوصل إلى تفاهمات
سياسية تجنّب سورية دورة عنف جديدة، لا سيما أن "قسد" ما تزال الذراع
البري للتحالف الدولي ضد الإرهاب في محاربة تنظيم داعش.
وتتبادل دمشق و"قسد"، منذ عدة أشهر،
الاتهامات بعدم تطبيق اتفاق مارس الماضي، فقوات سوريا الديمقراطية تريد الاندماج
كتلة واحدة مع بقائها الجهة المهيمنة على شمال شرقي سورية، مع مطالبات بالحصول على
مكاسب سياسية للأكراد السوريين، بينما تصر وزارة الدفاع على اندماج بشكل إفرادي
ودخول الجيش السوري إلى شمال شرقي البلاد، وعدم ربط الاتفاق بالقضية الكردية في
البلاد، فالتعامل معها له مسار آخر مختلف.
أميركا لن تضغط
ويبدو أن الولايات المتحدة ليست بصدد الضغط على
الطرفين في الوقت الحالي، فهي تترك للتفاهمات البينية المساحة الأكبر، في ظل ترقّب
تركي، فأنقرة كما يبدو تضغط من أجل حسم مصير ملف "قسد" سلماً أو حرباً.
واعتبر الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما
جرى في حلب مساء الاثنين الماضي "محاولة لتأجيج الموقف بأدوات عسكرية من قبل
قسد، وذلك رداً على الزيارة الدبلوماسية عالية المستوى التي قامت بها الحكومة
التركية إلى دمشق، والتي كانت تعنى بالاطلاع على الأوضاع السياسية والدبلوماسية
ورفع العقوبات، فيما بند واحد كان ضمن جدول الأعمال يتعلق بالاتفاق مع قسد".
وأشار إلى أن وزير الخارجية التركي تحدث عن عملية إدماج "قسد" في الجيش
السوري "عبر الحوار والتصالح"، مضيفاً: لم يكن هناك نبرة مواجهة أو
تصعيد عسكري من قبل تركيا.
كذلك أشار غزلان إلى أن الشيباني "تحدث عن
تبادل المقترحات مع قسد"، مضيفاً: "يبدو أن قسد تحاول بعث رسائل بأنها
تستطيع تأجيج الموقف عسكرياً. كان يجب على قسد الرد على الزيارة بشكل
دبلوماسي". وبرأيه فإن التصعيد في حلب "يدل على وجود تيارات متنافرة
جداً داخل قسد"، مشيراً إلى أن تصريحات قائد "قسد" مظلوم عبدي
أخيراً والتي تحدث فيها "عن كونفدرالية كردية" في أربع دول خلال العام
المقبل، واستخدامه تعبير غرب كردستان للإشارة إلى شمال شرقي سورية "دليل على
عدم الاعتراف بالدولة السورية"، مضيفاً: "من الواضح أن قسد تريد
اللامركزية للمحافظة على سلطتها المركزية في شمال شرق سورية، فهي ترفض حل بنيتها
السياسية والإدارية، وتريد الاستمرار في إدارة هذه المناطق، لكن تحت عنوان الدولة
السورية".
"قسد" تريد "حصّة من الموارد
وبرأي غزلان فإنّ "قسد" تريد "حصّة
من موارد الشمال الشرقي من البلاد"، كما تريد "دسترة سلطتها
الذاتية"، كما "تريد لا مركزية في الدستور"، مضيفاً: "تُطالب
بأشياء غير موجودة في اتفاق العاشر من مارس". وأوضح أن رؤية دمشق "أبسط
من ذلك"، مشيراً إلى أنها "تريد عودة مؤسسات الدولة كما نص الاتفاق، مع إعطاء
هوامش لإدارات محلية"، مضيفاً: "المكوّن العربي في شمال شرقي سورية لا
يظهر أبداً لا في القرار ولا في نسج السياسات. هذا المكون يريد أن تحل قسد نفسها
شأنها شأن الحكومة التي كانت موجودة في الشمال السوري وكل البنى السياسية التي
كانت قبل إسقاط نظام الأسد، والدخول طواعية تحت مظلة الدولة الوطنية". وأكد
غزلان أن "قسد" هي الطرف الذي "يعرقل اتفاق العاشر من مارس، لأنها
تضع مطالب مستحيلة وغير منطقية"، مضيفاً: "قبل أيام قال مظلوم عبدي إننا
نريد المشاركة في بناء جيش سوري جديد، ولم يقل الاندماج في الجيش الحالي".
وقال غزلان إن الدولة السورية "تمارس منهجاً مرناً دبلوماسياً سياسياً في
تبادل المقترحات ولا تمارس الضغط العسكري بأي شكل من الأشكال، والدليل على ذلك أن
وزارة الدفاع هي من أوعز لوقف إطلاق النار في حلب مساء الاثنين. دمشق تريد تغليب
الأداة السياسية والتفاوض والحوار، وهذا ليس الحال بالنسبة لقسد".
من جانبه، رأى طلال محمد، رئيس حزب السلام (من
أحزاب الإدارة الذاتية)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التطورات
الأمنية التي شهدها حيّا الشيخ مقصود والأشرفية تأتي في سياق سياسي معقّد"،
مضيفاً أنها تعكس حالة التعثّر التي أصابت مسار تنفيذ اتفاق 10 مارس، في ظل غياب
خطوات عملية وجدية لترجمته على الأرض. وبرأيه "لا يمكن فصل ما جرى عن المناخ
الإقليمي المحيط، ولا عن زيارة الوفد التركي الأخيرة إلى سورية"، والتي
"أعادت خلط الأوراق في عدد من الملفات الحسّاسة، وفي مقدمتها العلاقة بين
الحكومة السورية المؤقتة وقسد". وتابع: "هذا التداخل بين العوامل
الداخلية والضغوط الخارجية يؤكد أنّ الميدان ما زال يُستخدم كوسيلة ضغط متبادلة،
ما يهدد الاستقرار ويزيد من معاناة المدنيين، في وقت يبقى فيه الحوار السياسي
وتنفيذ التفاهمات القائمة الطريق الوحيد لتفادي التصعيد وحماية السلم
الأهلي".