العدد 1661 /30-4-2025
مالك نبيل
توسِّع
سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض القيود والتضييقات على أئمة وخطباء المسجد الأقصى،
وآخرها منعهم من الدعاء لقطاع غزة، مع تهديدات بتعريضهم للتحقيق والاعتقال أو
الإبعاد عن الأقصى.
تواصل
سلطات الاحتلال الإسرائيلي ممارسة انتهاكات تطاول المسجد الأقصى في القدس
المحتلّة، تشمل ملاحقة الأئمة والخطباء الذين يقومون بالدعاء لأهالي قطاع غزة
الذين يتعرضون لعدوان متواصل، إذ يقرّر الاحتلال معاقبة الخطيب بالإبعاد عن المسجد
الأقصى، واستدعاءَه إلى مراكز التحقيق.
وأبعدت
سلطات الاحتلال العديد من أئمة وخطباء المسجد الأقصى منذ بداية العام الجاري، كان
آخرهم الشيخ محمد سليم الذي خطب في صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، قبل
نحو شهر، كما فرضت على آخرين غرامات مالية، وهدّدتهم بالاعتقال، ما دفع خطباء
الأقصى في الأسبوعَين الأخيرَين، إلى الامتناع عن الدعاء صراحةً لقطاع غزة، ما
أثار حفيظة المصلين ونشطاء مقدسيين، واتهم بعضهم دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس
(التابعة للمملكة الأردنية) بالتماهي مع القرارات الإسرائيلية.
وقال
مصدر في دائرة الأوقاف بالقدس، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"،
إن "خطبة الجمعة الأخيرة لم تتضمّن الدعوة الصريحة لقطاع غزة، لكنّها كانت
قوية، وتناولت موضوعَي الخذلان والنفاق، رغم أن الخطبة لم تكن معدّة مسبقاً من
الخطيب، الذي تصدى للخطبة بعد عرقلة الاحتلال وصول المفتي العام محمد حسين خلال
توجّهه إلى المسجد. سلطات الاحتلال تهدّد الخطباء مباشرةً بالملاحقة حال الدعاء،
وكان آخرهم الشيخ يوسف أبو سنينة، الذي فرضت عليه غرامة بقيمة خمسة آلاف شيكل
بالعملة الإسرائيلية".
وحول
تدخل مديرية الأوقاف في الخطبة، أكد المصدر، أن "الأوقاف لا تصدر تعليمات
مباشرة بخصوص مضمون الخطبة أو الدعاء، وحتى لو وُجدت توصيات، فإن الخطيب يظل حراً
في خطبته، ولا يُفرض عليه نص محدد، بعكس ما هو معمول به في بعض المؤسّسات
الفلسطينية الأخرى، إذ يُلزم الخطيب بقرارات الحكومة. في المسجد الأقصى، كل خطيب
مسؤول عن إعداد خطبته، ويتحمل تبعات ما يَرِدُ فيها، بما في ذلك الدعاء. قد يجري
توجيه نصائح عامة بضرورة توخي الحذر لتجنّب أي ممارسات قد تؤدي إلى الإبعاد أو
الملاحقة".
يتابع:
"الأوقاف لا تتدخل مباشرةً في صياغة الخطب، كما أنّ اختيار الخطباء يجري عبر
ترتيب من دائرة الوعظ والإرشاد الديني التابعة لأوقاف القدس، وبالتعاون مع إدارة
المسجد الأقصى، والمسألة ليست عشوائية، بل تخضع لضوابط وإشراف مدروس. جميع
العاملين داخل المسجد الأقصى، سواء كانوا حراساً أو موظفين أو أئمة أو عاملين في
الإعمار، يواجهون تضييقات إسرائيلية، وهذه التقييدات تطاول حرية العمل وحرية
التنقل والعبادة، وتشمل سوء معاملة الشرطة، والاقتحامات المتكررة".
ويوضح
المصدر: "تُعد سياسة الإبعاد أحد أبرز أدوات الترهيب التي تمارسها سلطات
الاحتلال، وقد طاولت هذه السياسة نحو 25 موظفاً في دائرة الأوقاف منذ مطلع العام
الجاري، والغالبية بسبب رفضهم للإملاءات الإسرائيلية، وأوقاف القدس تؤكد في جميع
بياناتها أن المسجد الأقصى هو مكان إسلامي خالص، ولا يقبل الشراكة أو القسمة مع أي
جهة، وأنها الجهة الوحيدة المخوّلة إدارةَ شؤونه".
بدوره،
يقول عضو لجنة حماة الأقصى صالح الشويكي، لـ "العربي الجديد"، إن
"غياب الدعاء لقطاع غزة عن صلاة الجمعة يأتي استجابة للضغوط الإسرائيلية على
السلطات الأردنية المسؤولة عن الأوقاف، وخطب الجمعة تخضع للرقابة الأردنية، ويلتزم
الأئمة بما تُمليه عليهم السلطات. على الرغم من ذلك، يدعو عدد كبير من الأئمة
لأهالي غزة، لكن بصيغ غير مباشرة أو مبطنة".
وحضر
الشويكي صلاة الجمعة قبل الماضية في المسجد الأقصى، ويؤكد: "الخطبة لم تتضمّن
دعاءً صريحاً لقطاع غزة، ويعود ذلك إلى أن لجنة الأئمة في دائرة الأوقاف تحدّد
للأئمة مضمون الخطبة وفقاً لتوجيهات أردنية، ورغم أن الأوقاف عادةً تنفي هذه
التدخلات، إلّا أن الواقع أثبت أن جميع الأئمة والخطباء الذين يجهرون بآرائهم
الصريحة إما يقبعون في السجون أو تعرضوا للإبعاد عن المسجد الأقصى".
بدوره،
يؤكد مسؤول الإعلام السابق بالمسجد الأقصى عبد الله معروف، لـ"العربي
الجديد"، أن "الأوقاف تعرضت في مرات سابقة لضغوط من شرطة الاحتلال، ما
دفعها إلى التراجع عن بعض المواقف، بزعم عدم إعطاء الاحتلال ذريعة للتصعيد،
والحفاظ على الأوضاع الراهنة. ومن بين المواقف التي شهدت ضغوطاً مشابهة، أحداث مثل
هبة باب الرحمة في 2019، وهبة باب الأسباط في 2017، حين كانت الأوقاف على وشك
التساهل مع إصرار المصلين على الدخول من باب الأسباط فحسب، والدفع نحو الدخول من
بوابات أخرى".
وحول
تبعات المنع الإسرائيلي، وتجاوب الخطباء والأوقاف معه، يقول معروف: "من
الممكن أن يؤدي التساهل في هذا الأمر لتحوله إلى وضع طبيعي تتبعه المسارعة في
تنفيذ مرحلة التقاسم الزماني والمكاني بين المسلمين واليهود في المسجد الأقصى، كما
جرى في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل. وسيطاول المنع حراس الأوقاف من دخول
المسجد بحجة عدم وجود عمل لهم، وهذا التدخل سيمتد ليشمل الطقوس الدينية، مثل منع
الصلوات في أوقات محدّدة بحجة وجود أحداث في القدس، وذلك كلّه يشجع الاحتلال على
تنفيذ خطة التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، وإنّ التساهل أو التجاوب مع التهديدات
يعني تدخلاً مباشراً في عمل المسجد الذي يعد ثالث أهم مسجد في العقيدة الإسلامية،
وبالتالي لا يجب التعامل معه كأي مسجد آخر، لأن ما دون ذلك يعني إخراج المسجد
الأقصى من معادلة الصراع الحالي".
ويحذّر
مسؤول الإعلام السابق بالمسجد الأقصى: "منع الدعاء يفصل الأقصى تماماً عمّا
يجري في قطاع غزة، ما يكرس سياسة فصل الساحات الفلسطينية. كان المسجد الأقصى خلال
الـ25 سنة الماضية عنواناً لكل الصدامات وجولات التصعيد والمواجهة مع الاحتلال في
فلسطين، ما يجعل إخراجه من المعادلة هدفاً لطالما سعى الاحتلال إلى تحقيقه، وقد
يتبع ذلك تحقيق هدف آخر، وهو فصل غزة عن ضمير المجتمع الفلسطيني، خاصة المجتمع
المقدسي. هذا الأمر يجب التعامل معه بحذر شديد، بعيداً عن التساهل أو الترتيبات
التي تبرّرها الظروف، أو التصعيد الإسرائيلي، فالمسجد الأقصى جزء من الصراع
السياسي، شاء من شاء وأبى من أبى".
وفي
السياق، يعمل تيار الصهيونية الدينية بقيادة الوزيرَين المتطرفَين إيتمار بن غفير
وبتسلئيل سموتريتش، وهما يتحكمان في بقاء تشكيلة حكومة الاحتلال الحالية، على
استغلال التجاوب مع عدم الدعاء لقطاع غزة في المسجد الأقصى، كون هذا التيّار لا
يؤمن بفكرة التدرج في المخططات، بل يؤمن بفكرة المعجزات، ويحاول تطبيقها عنوةً منذ
منتصف عام 2023، أيّ قبل وقوع "طوفان الأقصى"، حين طرح هذا التيار فكرة
تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، وبناء كنيس يهودي داخل المسجد، سواء من
خلال البناء الحجري أو اقتطاع جزء من المسجد وتحويله إلى كنيس، كما حدث في المسجد
الإبراهيمي بالخليل.
الاحتلال
يحرم حاصلين على تصاريح من الصلاة في المسجد الأقصى
ويوضح
عبد الله معروف أن "هذا التيّار اليميني المتطرف يعتبر أن الأحداث الجارية في
القدس ذاهبة باتجاه الحسم، وأنه يجب إنهاء قضية القدس والأقصى خلال العام الجاري،
أو العام المقبل على الأكثر، ولذا فإن التجاوب مع منع الدعاء يشكّل دفعة لمخططات
تيار الصهيونية الدينية".
وحول
المطلوب لمواجهة هذه الخطط الإسرائيلية، يقول: "التأزيم هو الطريقة الأنجح في
مواجهة مخططات الاحتلال الخاصة بالمسجد الأقصى. الاحتلال يخلق أزمة، ويجب مواجهته
بأزمة موازية. يمكن اتخاذ قرار بالدعاء لغزة حتى لو أدى ذلك إلى إبعاد جميع
الخطباء، ما يخلق أزمة فعلية داخل المسجد الأقصى، على أن يتبعها هبة شعبية تفجّر
الأوضاع في القدس، وهذا في صالح القضية
الفلسطينية، وعلى الأقل، سيؤدي إلى اتخاذ الاحتلال قراراً بالتراجع، وهذا أيضاً في
صالح الفلسطينيين، لكنّ التأزيم يستدعي تدخلاً شعبياً وفق التجارب السابقة،
والاحتجاجات أدت سابقاً إلى تغييرات ملموسة، أما السكوت والتراجع بحجة عدم المواجهة،
فإنه سيشجع الاحتلال على محاولة إضفاء المزيد من السيطرة".