العدد 1690 /19-11-2025
محمد أمين
جال، أول من أمس الاثنين، وفد تقني عسكري روسي،
جاء من قاعدة "حميميم" الجوية الروسية في جبلة بريف اللاذقية، في مناطق
في جنوب سورية بما فيها ريف القنيطرة المتاخم للجولان المحتل، ومنطقة حوض اليرموك
بريف درعا الغربي، وسط تساؤلات حول ما إذا كان يجرى الإعداد لترتيبات أمنية في
جنوب سورية يكون لروسيا حضور وازن فيها.
ورافقت الوفد قوة من وزارة الدفاع السورية التي
قالت في بيان إن الهدف من الجولة "الاطلاع على الواقع الميداني ضمن إطار
التعاون القائم بين الجانبين".
وجاءت الجولة بعد أيام من الاتصال الهاتفي بين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وكانت
الرئاسة الروسية ذكرت، في بيان السبت الماضي، أن بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع
نتنياهو، "جرى خلاله تبادل بناء للآراء حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط في
سياق تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين (في غزة)، والوضع حول البرنامج
النووي الإيراني، وقضايا الإسهام في مواصلة تحقيق استقرار الأوضاع في سورية".
وتعزز هذه المؤشرات الاعتقاد باحتمال وجود ترتيبات، يجرى العمل عليها بمشاركة
روسية، لتبديد مخاوف أمنية إسرائيلية على أمنها نتيجة التغيير الذي حدث في سورية،
من خلال إيجاد آليات مراقبة من طرف ثالث موثوق من الجانبين وبما يفضي إلى وضع حد
للاعتداءات على جنوب سورية من قبل الجيش الإسرائيلي الذي أطاح اتفاقية دولية ظلت
نصف قرن تحكم المعادلة الأمنية والعسكرية في المنطقة.
وأوضحت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"،
أن رتلاً من جهاز الأمن العام في وزارة الداخلية السورية، ضم نحو 25 سيارة دفع
رباعي، رافق الوفد الروسي. وشملت الجولة منطقة تل أحمر في ريف القنيطرة وبعض مناطق
الريف الشمالي القريبة من الجولان المحتل. وبحسب المعلومات، بدأ الوفد تحركه من
مدينة سعسع بريف دمشق متجهاً إلى منطقة عسكرية في بيت جن في أقصى ريف دمشق الجنوبي
الغربي المحاذي لمحافظة القنيطرة، ثم زار نقطة عسكرية في التلول الحمر غرب بلدة
بيت جن، التي كانت سابقاً نقطة تمركز للقوات الروسية. وبعدها، واصل الوفد طريقه
نحو ريف القنيطرة الأوسط، قبل أن يتوجه إلى مناطق تشهد توغلات إسرائيلية شبه يومية
في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي.
وجاءت جولة الوفد الروسي جنوبي سورية في ظل أنباء
عن وصول المفاوضات بين الحكومة السورية والجانب الإسرائيلي إلى طريق مسدود.
فالاشتراطات الإسرائيلية من أجل التوصل إلى اتفاق أمني على أنقاض اتفاقية 1974
التي أطاحتها تل أبيب مرفوضة من دمشق. وأفادت هيئة البث الإسرائيلي (كان)، أول من
أمس الاثنين، بأن المسؤولين الإسرائيليين يرفضون مطلب الرئيس السوري أحمد الشرع
بالانسحاب من جميع النقاط السورية التي احتلّها الجيش الإسرائيلي قبل نحو عام،
ويعرضون انسحاباً من بعضها "مقابل اتفاق سلام كامل مع سورية، وليس مقابل
اتفاق أمني".
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون
الأول 2024، احتلت القوات الإسرائيلية عدة مواقع خارج المنطقة العازلة بين سورية
وهضبة الجولان المحتلة، أبرزها القمة الأعلى في جبل الشيخ، وهي أهم قمة حاكمة في
الجنوب السوري. كما شنت حملة قصف جوي دمرت فيها أغلب القدرات العسكرية السورية
التي خلّفها النظام البائد. وتريد تل أبيب جنوباً سوريّاً منزوع السلاح، وهو ما
يرفضه الشرع الذي قال قبل أيام إن على إسرائيل الانسحاب إلى خطوط الثامن من ديسمبر
2024.
وكان للروس حضور عسكري وازن في جنوب سورية إبان
النظام السابق، حيث كانت الشرطة العسكرية الروسية تتمركز في عدة نقاط قرب
"منطقة فصل القوات" على أطراف الجولان المحتل، للمراقبة الجوية والبرية،
قبل أن تنسحب في ديسمبر 2024 إلى قاعدة حميميم، المقر الرئيسي للقوات الروسية في
سورية. وكان على رأس الوفد الروسي، الذي جال الاثنين الماضي في جنوب سورية، نائب
وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف، وهو بحسب المحلل السياسي المختص بالشأن
الروسي طه عبد الواحد "مواطن من جمهورية إنغوشيا"، مشيراً، في حديث مع
"العربي الجديد"، إلى أنه "أحد أبرز الجنرالات في القوات الروسية،
ويحظى باحترام كبير في الأوساط العسكرية والسياسية الروسية".
محاولة لإنهاء التوتر
وبرأي عبد الواحد، فإن هذه الجولة "تأتي في
سياق مساع روسية لإنهاء التوتر في الجنوب وإعادة إحياء اتفاق أبرم بين بوتين
والرئيس الأميركي دونالد ترامب صيف 2017 يخص الترتيبات الأمنية ووقف إطلاق النار
في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء". ونص الاتفاق في حينه على أن تقوم
روسيا بإبعاد إيران ومليشياتها عن المنطقة لإزالة المخاوف الإسرائيلية.
ولا يستبعد عبد الواحد وجود اتفاق مسبق بين موسكو
وواشنطن مهّد لهذه الجولة التي تهدف إلى "دراسة الموقف ميدانياً وإعداد خطة
انتشار للروس في المنطقة باعتبارها ضامناً للاستقرار، وعدم صدور تهديد منها
لإسرائيل، بغية طرح الخطة لاحقاً على الأميركيين، ليجرى تبنيها وتنفيذها برعاية
أميركية ــ روسية". وأعرب عن اعتقاده أن الجولة في جنوب سورية "جزء من
جهود تأتي بناءً على تفاهمات أولية روسية -أميركية - تركية، إسرائيل على علم
بها"، مضيفاً: جنرال بهذا المستوى ما كان ليجري جولة في منطقة توتر أمني من
دون تنسيق مسبق مع تل أبيب لضمان أمنه والوفد المرافق له.
وتضرر النفوذ الروسي في شرق المتوسط مع سقوط نظام
الأسد الذي كان وجوده ضمانة لهذا النفوذ، الذي امتد من أواخر 2015 إلى نهاية 2024،
كانت روسيا خلال هذه الفترة هي الفاعل الرئيسي في مجرى الأحداث التي كانت تعصف
بسورية. ويبدو أن عدم التدخل الروسي في العمليات العسكرية التي أطاحت نظام الأسد
كان إشارة واضحة إلى أن موسكو ستدعم التغيير الذي سيحدث في البلاد من أجل المحافظة
على وجودها في سورية، وهو ما تحقق بالفعل، حيث تبادلت موسكو ودمشق زيارات كبار
المسؤولين التي تُوّجت بلقاء وُصف بـ"التاريخي" بين بوتين والشرع في
الكرملين قبل نحو شهر، يبدو أنه أعاد ترتيب أوراق العلاقة "التاريخية" التي
تربط البلدين. ويبدو أن دمشق تعوّل على دعم سياسي وعسكري روسي لمواجهة رفض تل أبيب
العودة إلى الأوضاع التي كانت قبل سقوط نظام الأسد.
وتعليقاً على زيارة الوفد الروسي إلى جنوب سورية،
رأى المحلل العسكري العميد فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن
الجولة "تندرج في إطار الزيارات المتبادلة والتعاون المتنامي مؤخراً بين دمشق
وموسكو"، مشيراً إلى أن هدفها الرئيسي هو "الاطلاع على الواقع الميداني
العسكري الصعب في المنطقة بعد الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة منذ لحظة سقوط
الأسد وسيطرة الجيش الإسرائيلي على مئات الكيلومترات المربعة من المنطقة العازلة
الممتدة من وادي اليرموك وصولاً إلى سفوح جبل الشيخ". وبرأيه، فإن
"القيادة السورية تريد أن يكون للروس دور ميداني مهم ومتوازن في جنوب سورية
في أي اتفاقيات أمنية محتملة مع العدو الإسرائيلي".