العدد 1661 /30-4-2025
رفعت قوى سياسية كردية سورية سقف المطالب السياسية من
الإدارة السورية الجديدة في البلاد، ما أثار الكثير من الجدل في المشهد السوري،
الذي تكتنفه الكثير من التعقيدات والتحديات، لا سيما أن بعضها ربما يؤسس لتهديد
يمس وحدة البلاد وسيادتها. ودعت قوى سياسية فاعلة في المشهد السوري الكردي في
اجتماع موسع غير مسبوق عُقد السبت في مدينة القامشلي، إلى إقرار دستوري بوجود قومي
للكرد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية
متكاملة في إطار سورية اتحادية.
كما طالبت بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية
السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، كما يعتمد مجالس المناطق في إطار
النظام اللامركزي. وتضمنت الوثيقة، التي أثارت الجدل فور صدورها العديد من المطالب
التي من شأنها "ضمان مشاركة الكرد في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية،
التنفيذية والأمنية"، فضلاً عن المطالب التقليدية من قبيل "الاعتراف
الدستوري باللغة الكردية لغةً رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان
التعليم والتعلم بها". وكان ملفتاً مطالبة المجتمعين بـ"توحيد المناطق
الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية"، وهو ما
يُنظر إليه على أنه شكل من أشكال التمهيد لتقسيم البلاد. كما طالبوا بـ"تشكيل
هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ
ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية
كاملة"، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية الجديدة.
وبحسب الأمم المتحدة، يشكل الكرد نسبة 5% من سكان سورية،
وينتشرون بعدة مناطق في البلاد، إلا أن الغالبية منهم في محافظة الحسكة في أقصى
الشمال الشرقي من سورية. وتبدو الكثير من المطالب الكردية غير واقعية، وربما من
الصعب التعاطي معها من الإدارة السورية الجديدة التي تواجه العديد من التحديات،
ربما من أهمها الملف الكردي. ويسيطر الكرد عملياً من خلال قوات سوريا الديمقراطية
(قسد) على الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات، ويتلقون دعماً غربياً لا سيما
من الولايات المتحدة وفرنسا. وبحسب مصادر مطلعة في مدينة القامشلي تواصل
"العربي الجديد" معها، سيتم خلال الأيام القادمة تشكيل وفد واحد من
القوى السياسية الكردية، خاصة من المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي،
أكبر تشكيلين سياسيين في المشهد السوري الكردي، لحمل هذه المطالب إلى العاصمة دمشق
للتفاوض عليها مع الإدارة الجديدة. وقالت المصادر إن بنود الوثيقة "خاضعة
للتفاوض مع الإدارة الجديدة"، مضيفة: "لن يتم التمترس خلفها".
وتطلب التوصل إلى هذه الوثيقة كثير من الجهود التي بذلتها
أطراف إقليمية منها قيادة كردستان العراق، بسبب البون السياسي الشاسع بين
"الاتحاد الديمقراطي"، وهو الطرف الأقوى عسكرياً بسبب سيطرته على قوات
"قسد" عبر ذراعه "وحدات حماية الشعب"، وبين "المجلس
الوطني" الذي يضم العديد من الأحزاب والتشكيلات والمقرب من أربيل أكثر. وخاض
الجانبان مفاوضات في عام 2020 لم تفضِ إلى اتفاق، بيد أن التطورات المتلاحقة في
سورية بدءاً من صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت (سقوط نظام
الأسد)، دفع الكرد السوريين إلى ردم هوة الخلاف بينهم لمواجهة الاستحقاقات
السياسية.
وتبدو الإدارة السورية الجديدة حريصة على التعاطي مع
التحديات التي تواجه وحدة البلاد بـ"رويّة سياسية"، ما دفعها إلى توقيع
اتفاق مع قوات "قسد" في مارس/آذار الفائت، نص على أن "المجتمع
الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكل
حقوقه الدستورية"، في خطوة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد. وتريد الإدارة
السورية استعادة السيطرة على الشمال الشرقي من سورية لدفع عجلة الاقتصاد، إلا أنها
قد لا تكون في وارد تقديم تنازلات كبيرة.
وتبدو الإدارة منفتحة على منح الأكراد لا مركزية إدارية في
المناطق التي يشكلون فيها أكثرية، وحقوقاً ثقافية لا أكثر مع دمج قوات
"قسد" في المنظومة العسكرية للبلاد. وأبدى الشارع السياسي السوري الكثير
من الملاحظات على الوثيقة التي أعلنت عنها القوى الكردية، لا سيما من
"الزاوية الوطنية السورية". وعبر الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث
مع "العربي الجديد"، عن استغرابه من تضمين الوثيقة مطلب الاعتراف
بالإيزيدية ديانة رسمية "في حين لم تذكر أيّاً من الديانات الأخرى، بما فيها
الإسلام والمسيحية". واعتبر زيادة المطالبة بتشكيل هيئة دستورية برعاية دولية
لصياغة مبادئ ديمقراطية "عودة للوصاية الأممية"، مضيفاً "هذا الأمر
مرفوض من قبل الشعب السوري الذي نال حريته بفضل قوته وقدراته. الوثيقة لا تعكس
موقفاً بنّاء يمكن التفاوض حوله".
وبرأي شلال كدو، وهو قيادي في المجلس الوطني الكردي، في حديث
مع "العربي الجديد"، فإن "الإرادة الإيجابية من كل الأطراف من
شأنها حل كل المشاكل في البلاد، بما فيها المطالب المشروعة للكرد السوريين التي
أقرت السبت بغطاء دولي وإقليمي". وتابع: "ربما تشهد المرحلة القادمة
اجتماعات ماراثونية بين الوفد الكردي والإدارة الجديدة في البلاد".