العدد 1356 / 3-4-2019

وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 25 آذار 2019، أمرًا تنفيذيًّا ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وذلك بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وصف الخطوة بأنها "تاريخية". وخلافًا لموضوع الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، لم يأت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل من خلال تشريع أميركي عبر الكونغرس، بل جاء من الحكومة الأميركية على صيغة "هدية" من ترامب إلى "صديقه" نتنياهو الذي يواجه منافسة قوية في انتخابات الكنيست التي تجري في 9 نيسان الجاري .

تعدّ قرارات ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان بالقوة، تغييرًا كبيرًا في السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي قامت، منذ عام 1967، على أساس معادلة "الأرض مقابل السلام" التي ينص عليها قرار مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة رقم 242، الصادر في تشرين الثاني 1967، ويرفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، والتزمتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، ديمقراطية أم جمهورية. وتأكيدًا لالتزامها معادلة "الأرض مقابل السلام"، أيدت الولايات المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 497، الذي رفض قرار إسرائيل عام 1981، ضم الجولان المحتل إليها، ونص القرار على أن "قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ وبدون تأثير".

الخطوات التي مهدت لقرار ترامب

على الرغم من استعداد إسرائيل للتفاوض مع سورية على الجولان، في إطار التوصل إلى سلام معها، واعتبار قرارها بضمه خطوةً سياسية للضغط على سورية، وردًا على رفض سورية اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، حاولت الحكومة الإسرائيلية إقناع الولايات المتحدة بقبول الاعتراف بضم الجولان إلى أراضيها، إلا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ عام 1967، رفضت ذلك. وقد ازدادت المساعي الإسرائيلية للحصول على اعتراف أميركي ودولي بقرارها ضم الجولان خلال الحرب السورية. وضغط نتنياهو بشدة على إدارة الرئيس باراك أوباما لإصدار بيان تعترف فيه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لكن أوباما رفض ذلك. وقد كذب ترامب، حين ادّعى أن الرؤساء الأميركيين السابقين وعدوا بضم الجولان في حملاتهم الانتخابية ولم ينفذوا وعودهم، أما هو فنفذ وعده، فلم يَعِد أحد منهم بذلك، خلافًا للوعود بنقل السفارة إلى القدس.

وقد اختلف الوضع تمامًا في عهد ترامب الذي بدأ سلسلة من الإجراءات الأحادية، تضمنت

الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ثم قرّر نقل السفارة الأميركية إليها. وفي 11 آذار 2019، اصطحب نتنياهو كلًا من السيناتور الأميركي المقرّب من ترامب، ليندسي غراهام، والسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في جولةٍ في مرتفعات الجولان، ليعلن خلالها غراهام إن هناك توجهًا داخل الكونغرس الأميركي للاعتراف بهضبة الجولان جزءًا من دولة إسرائيل. ولم يكد يمضي يومان على تصريحات غراهام تلك، حتى صدر التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم، وكان لافتًا أنه نزع صفة الاحتلال عن الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل بما فيها الضفة الغربية والجولان، وهو التقليد الذي ظل سائدًا في التصريحات والبيانات الرسمية الأميركية منذ 1967. وفي 21 آذار 2019، غرّد ترامب على توتير: "بعد 52 عامًا، حان الوقت للولايات المتحدة أن تعترف بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تتسم بأهمية إستراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي"..

لقد أصبح واضحًا أن الانحياز الأميركي إلى إسرائيل تحول في عهد ترامب إلى نهج جديد، يتلخص بتبعية أميركية كاملة لليمين الإسرائيلي في قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي وقضية فلسطين.

دوافع الإعلان وسياقاته

لقد ركز ترامب على مزاعم الاعتبارات الأمنية لإسرائيل في محاولته تبرير إعلانه حول الجولان الذي يقطع مع أكثر من خمسين عامًا من السياسات التقليدية الأميركية المستقرة في التعامل مع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعد 5 حزيران 1967، إلا أن ثمّة دوافع وحسابات أخرى تبدو أقرب إلى تفسير ما جرى. ويمكن تقسيم هذه الدوافع والحسابات إلى ثلاثة مستويات. الأول يتعلق بمحاولات دعم نتنياهو في انتخابات الكنيست الإسرائيلية المقبلة. الثاني يتعلق بحسابات انتخابية لترامب نفسه. أما المستوى الثالث، فيرتبط بتصور إدارة ترامب لطبيعة وشروط وشكل الحل المستقبلي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والصراع العربي - الإسرائيلي.

1- دعم نتنياهو

يمثّل استقبال ترامب نتنياهو في البيت الأبيض خروجًا، في حد ذاته، عن المتعارف عليه في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية؛ حيث يتحاشى الرؤساء الأميركيون، ، أن يظهروا بأنهم يتدخلون مباشرة في الانتخابات الإسرائيلية. وقد جاء لقاء الطرفين، قبل أسبوعين فقط من انتخابات الكنيست في 9 نيسان 2019، ويواجه فيها نتنياهو، الساعي إلى ولاية خامسة، تحديًّا كبيرًا من جراء فضائح سياسية، وتهمًا بالفساد والرشوة. لقد رحّب جل الساسة الإسرائيليين بإعلان ترامب بشأن الجولان، إلا أن بعضهم انتقد توقيته، واعتبر ذلك محاولةً من ترامب لتعزيز موقف نتنياهو السياسي قبل الانتخابات؛ إذ تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى تساوي شعبية كل من حزب الليكود، بقيادة نتنياهو، وحزب "أزرق أبيض"، بزعامة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس. ولا يُخفي الأخير اعتقاده أن القرار الأميركي بشأن الجولان قد يكون لمساعدة نتنياهو في الانتخابات. ويحظى ترامب بتأييد كبير في أوساط اليمين واللوبيات الصهيونية، بسبب قراراته التي تفوق حتى توقعات اليمين الإسرائيلي. ويرى كثيرون في إسرائيل، وفي الولايات المتحدة، أن استقبال ترامب نتنياهو وإعلانه اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان كان بمنزلة هدية له.

2-حسابات ترامب الانتخابية

يهدف إعلان ترامب بشأن الجولان، مثل ما كانت عليه الحال في موضوع القدس، إلى تعزيز فرصه الانتخابية عام 2020، وذلك من خلال محاولة استرضاء القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين صوتوا لصالحه بأعداد كبيرة في انتخابات عام 2016. وينتمي بعض رموز إدارة ترامب إلى هذه القاعدة، مثل نائبه مايك بينس، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وغيرهما. ويمثّل الإنجيليون قرابة 25% من الشعب الأميركي، وصوت قرابة 80% من البيض منهم لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة. وكان لافتًا أن بومبيو صرّح من إسرائيل، قبل أيام فقط من إعلان ترامب بشأن الجولان، إن "ترامب قد يكون هديةً من الرب لإنقاذ اليهود من إيران".

وضمن حسابات ترامب الانتخابية أيضًا، محاولة استمالة اللوبي الصهيوني النافذ في واشنطن لصالحه ولصالح الحزب الجمهوري، خصوصًا في ظل التوتر القائم بين هذا اللوبي ودوائر في الحزب الديمقراطي من جراء تراجع التأييد لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين، وخصوصًا في أوساط القاعدة الشبابية الأكثر ليبراليةً للحزب، بمن فيهم اليهود. وقد حاول ترامب أن يستثمر الجدل الذي أثارته أخيرا تغريدات وتصريحات للنائبة الديمقراطية المسلمة، إلهان عمر، نقدت فيها لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا باسم (إيباك)، والتي اتهمت على إثرها بـ "معاداة الساميّة". وكان ترامب اتهم الديمقراطيين، في 22 آذار 2019، بأنهم "معادون لإسرائيل تمامًا"، وأضاف: "بصراحة، أعتقد أنهم معادون لليهود". ويبدو أنه لا حدود للديماغوغيا التي يتبعها ترامب، وأصبحت تمثّل خطرًا كبيرًا على الأمن والسلم الدوليين وعلى الأعراف والقوانين الدولية، ولا تأبه بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن.

خلاصة

سوف يمرّ إعلان سيادة إسرائيل على الجولان المحتل، كما مرَّ إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ولن يردع الولايات المتحدة الانتقادات التي خلفتها الخطوة أخيرا. وقد كشفت بعض وسائل الإعلام الأميركية، نقلًا عن مسؤولين أميركيين، أن مستشاري ترامب شجعوه على الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، من منطلق أن ردود الفعل التي أثارها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال كانت أقل كثيرًا مما توقعوه. كما أن التنسيق الأمني بين إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج ضد إيران لم يتأثر بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولا يوجد سببٌ لتوقع عاصفة أشد في موضوع الجولان. أما النظام السوري فهو ضعيف جدًّا، وهو رهينة لحسابات روسيا في المنطقة، ومن ثمّ، فإنه يستبعد أن يسعى إلى الرد على إسرائيل عسكريًّا، على الأقل في المرحلة الحالية، والأمر نفسه ينطبق على إيران وحلفائها. والأرجح أن يعزّز الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان مكانة إيران وحلفائها، ويُضعف موقف الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات