العدد 1661 /30-4-2025
عمار ديوب
نُسب
إلى الشيخ السوري الدرزي مروان كيوان تسجيل صوتي يشتم فيه النبي محمّد. ولاحقاً
نفى الشيخ ذاته أيّ صلة له بالتسجيل، وأكدت وزارة الداخلية في بيانٍ لها كلام
الشيخ. استغلّ أصحاب الخطاب الطائفي الخبر، ولم ينتظروا تبيان صوابه من خطئه
لتكفير الدروز طائفة وضرورة إبادتهم، وأعلنوا ذلك في أكثر من تظاهرة في مدن سورية
عديدة. لاحقاً بدأت الأحداث تتطوّر من المدينة الجامعية في حمص، فتظاهر بعض
الطلاب، وهدّدوا الطلبة من الطائفة الدرزية، وتضمّنت كلمات بعضهم كلاماً ضد
الدروز، وطاولت حتى قائد الثورة السورية في عشرينيات القرن العشرين سلطان باشا
الأطرش. وبعدها غادر الطلاب الدروز حمص واتجهوا نحو السويداء، وفعل الأمر نفسه
طلاب آخرون من كليات في دمشق.
في
ليلة الثلاثاء، تحرّكت جماعات مسلحة، وشَنت عدّة هجمات على بلدة جرمانا، بعد
الساعة الثانية ليلاً، وفي الخامسة صباحاً، وأُلقيت قذائف آر بي جي على جرمانا،
وكانت الحصيلة خمسة قتلى من جرمانا، وقتلى عديدين في صفوف المهاجمين. جاء الهجوم
على خلفية التسجيل المنسوب وما حصل في حمص. أحدثت الأخبار المتلاحقة حالة من القلق
الشديد، والتحشيد الطائفي من كل الطوائف، والأسوأ أن جهاز الأمن العام لم يتحرّك
بشكلٍ جادٍ لتطويق الحدث، وقتلى جرمانا من المنتسبين للأمن العام وهم من سكّانها،
والأسوأ أن عناصر الأمن العام من خارج جرمانا انسحبوا منها، وأُغلقت مداخل
المدينة، خروجاً ودخولاً، خوفاً من تصاعد الحدث. جاءت تصريحات بعض وزراء الحكومة
عامة وغير محدّدة بمعالجة الحدث نفسه، ولم تُعِلن عن خطابٍ وطنيٍّ رافضٍ للهجوم
على الدروز طائفة، ورافضٍ الخطاب الطائفي والإعلان عن اعتقال كل من يتحدّث به
وإحالته إلى القضاء، وهو ما لم يحصل منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول (2024)،
وبدأت الانتهاكات التي طاولت الطائفة العلوية وقتل فيها نحو 600 شخص، وتفجر الوضع
في السادس من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، وحدثت مجازر واسعة، وحدث ما يشبه
الممارسات ذاتها أخيراً في مدينة حمص، إثر مقتل شخص من الأمن العام، وهو من
الطائفة السنية، لتندلع أحداث قتل طائفية، طاولت في حمص 14 شخصاً وفي دمشق أربعة
من الطائفة العلوية.
هناك
حالياً رفض للانجرار للاقتتال الطائفي، وللتحشيد الطائفي، وهناك تبرّؤ من مشايخ
وشخصيات ثقافية ووجهاء دروز من التسجيل المنسوب، وهناك أيضاً رفض من مشايخ سنّة
وشخصيات ثقافية وسياسية للتطييف وأغلبية السوريين، ولكن الحكومة لم تعلن خطاباً
وطنياً صلباً ضد التحشيد، وهي من يفترض فيها أن تمثل كل السوريين، لم يحدُث هذا في
الأشهر الأربعة السابقة، وهو خطأ كبير.
تبدو
الرؤية السياسية للإدارة وللحكومة قاصرة عن معالجة الملف الطائفي، والذي يترافق مع
هشاشة كاملة في الملف الأمني، وهناك وضع اقتصادي واجتماعي في غاية التأزّم، وهناك
شعور بالتهميش من جرّاء الخطوات السياسية منذ إعلان الفصائل العسكرية أحمد الشرع
رئيساً لسورية.
ليس
الملف الطائفي في سورية جديداً، بل تصاعد مع بداية الثورة من النظام في العام
2011، ولاحقاً من قوى وفصائل طائفية عسكرية. هناك إرث كبير يتعلق بانعدام الثقة
بين الطوائف. بدا أن الإدارة ستتجه نحو التخفيف منه، مع بداية معارك ردع العدوان
قبل انحلال النظام، وتوجّهت إدارة العمليات العسكرية ببيانات سياسية للطائفة
العلوية وللدروز وللإسماعيليين ولكل السوريين تفيد بأن السوريين مواطنون، والمعركة
مع الطائفة الأسدية فقط. كانت تلك البيانات وطنية بامتياز، واعتقد السوريون أن
السلطة ستسير على المنوال نفسه. ولكنها لم تُحوّل بياناتها تلك إلى رؤية متكاملة
وسياسات ثابتة تجاه السوريين المختلفين طائفياً وقومياً، وإن لم تعد هيئة تحرير
الشام (أو السلطة) إلى خطابها المناهض لبقية الأقليات وللآخر السني المختلف أيضاً،
وبالتالي تراجعَ خطابها عن الوطنية "المستقيمة". ويبدو أنّها لا تزال
مرتبكة إزاء التبنّي الكامل لهذه "المستقيمة"، وتتالت الانتهاكات بحق
العلويين والتهديد للدروز خاصة وللأكراد. إذاً، تصاعد الخطر الطائفي، وانفجر،
وأخيراً انفجر في جرمانا.
هل
تجاوزت سورية إمكانية الانفجار الطائفي مع الدروز أو العلويين أو الأكراد مثلاً،
وكذلك بين السنة أنفسهم! أبداً. التفجر الطائفي الذي حدث منذ الثامن من ديسمبر
يقول باحتمال تجدّده في أيّ لحظة، وبالتالي، هناك ضرورة لتفكيك أسباب حدوثه كي
يتمكّن السوريون من البدء بإعادة تشكيل دولتهم. ... وهناك إمكانية لتفجر الوضع مع
الأكراد، ولا سيما بعد وثيقة صدرت أخيراً عن تجمّعٍ للقوى الكردية الرئيسية،
وإعلان الرئيس الشرع رفضه توجّهها العام. هناك اتجاه سوري يؤكّد على ضرورة أن
تتبنى الإدارة وحكومتها سياسات وطنية في كل خطواتها، والابتعاد عن عقلية الاستئثار
بكل المؤسسات السياسية للدولة، وبالسلطة، وإن غياب ذلك يؤدي إلى ابتعاد أغلبية
السوريين عن مشروع السلطة الحالية، ويؤدّي، في الوقت نفسه، إلى تعزيز خطاب الهوية
الطائفية، باعتبار أن الدولة لا تنطلق من سياسات وطنية بشكل ممنهج، ولا تزال
الكثير من سياساتها فيها غلبة للطائفة السنية، وتحديداً للدوائر القريبة من شخصيات
هيئة تحرير الشام أو تتحرّك برؤية الهيئة قبل حلّها المفترض.
كتبت
عن ضرورة البدء بالعدالة الانتقالية في سورية، باعتبارها الحجر الأساس لتجاوز
الخطاب الطائفي، الذي ينطلق من أن هناك طائفة بأكملها ظُلمت وأقليات دينية كانت
ظالمة، ولا سيما السوريين العلويين، وهو خطاب مقطوع الصلة بالواقع، ومحض خطاب
تحشيدي، بينما مسار العدالة انتقالية، لو اعتمد، كان سيُظهر بدقة الشخصيات التي
ارتكبت المجازر والانتهاكات والتعذيب والقتل والتهجير، وهي عدّة آلاف من السوريين
الذين كانوا جزءاً من النظام أو الشبّيحة، وهم من كل الطوائف. أعاد التأخر بهذا
المسار تفعيل الخطاب الطائفي، بعد استلام السلطة، ولهذا، لا بديل عن العودة إلى
تطبيق إجراءات "العدالة الانتقالية"، للبدء بتجاوز الخطاب الطائفي
وتعزيز السلم الأهلي والمصالحة المجتمعية.
...
هناك حالياً قلق حقيقي في بلدتي جرمانا وصحنايا ومدينة السويداء من اشتعال الوضع
بأكمله، ولا سيما أن الإدارة لم تبسط سلطتها بشكل كامل منذ التحرير.. لا يرفض
أغلبية السوريين وصول سلطتها إلى كل المدن والمحافظات، ولكنهم يرفضون عقلية
التشكيك بوطنيتهم، وعدم الثقة بأنهم ساعون بدورهم إلى النهوض بالدولة، وأن ذلك
يقتضي إشراكهم الحقيقي، وليس الوهمي، كما جرى من خلال وزراء ليسوا ممثلين
للأقليات، وبالطبع ليس للأكثرية السنية، بل هم ممثلون للإدارة بشكل رئيسي.
إحالة
من ارتكبوا الاعتداءات على الطلاب في حمص، ومن ارتكبوا الهجوم على جرمانا، وكذلك
من فعلوا الأمر نفسه في الساحل وحمص إلى العدالة، وإشراك الكرد في أي قرارات
سيادية جديدة، وتجريم الخطاب الطائفي هو ما سيُوقف خطر الملف الأمني، وسيساهم بذلك
الإعلان عن بداية تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، وانتخاب مجلس شعبي بعيد عن
التعيين من الرئيس أحمد الشرع أو معاونيه.