فرج شلهوب

الصورة التي ظهر بها الرئيس محمود عباس في خطابه الذي اتهم فيه حماس بتدبير حادثة الاعتداء على موكب الحمدالله، ومتوعداً غزة بمزيد من الإجراءات العقابية، لا تناسب موقعه كرئيس للسلطة، ولا سنّه الذي اوغل في العقد التاسع، ولا تناسب الحال الذي اختار ان يضع نفسه فيه، ثائراً  أممياً في مواجهة اسرائيل ومن ورائها ترامب!! خصوصاً بعدما خرب باختياراته السياسية الكارثية، ليس مالطاً فحسب، بل ثلاث دول أخرى معها، نائية في البحر والمجهول!! أبداً لا تناسب شيئاً من ذلك، ولا تناسب ما يستقبله من لعنة عربية تريد له ان يدخل جحر الضب معها، بدون ثمن.
هل فقد الرجل صوابه، كما يقول بعض ممن حوله، فهو يريد أن يحارب أمريكا و«إسرائيل» وحلفاءه العرب، وفي الوقت ذاته فتح معركة حياة  او موت مع حركة حماس.. والكارثة انه في واقعة حربه هذه، فقد البوصلة وأطلق النار في غير الاتجاه الصحيح على غزة التي يتهددها وليس حماس التي يتهمها.
ماذا يريد عباس بالضبط؟ حرب أمريكا وإسرائيل (!!) وقد شتم سفير واشنطن في تل أبيب فريدمان، وتحدى ترامب ونتن ياهو ومن وراءهما، وكيف سيفعل ذلك فقط بلعنهم والبصاق عليهم، ثم تركهم يفوزون بالإبل؟؟
ولماذ لم يفطن لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كل هذا الوقت؟! ولماذا لا يفعّل المقاومة ضد الاحتلال في الضفة حتى في حدودها الدنيا؟ المقاومة الشعبية، فقد أيس الناس من ان يرمي عباس وسلطته الاحتلال حتى ولو بوردة.
هل فتح المعركة مع حماس والذهاب للقطيعة معها.. وفي هذا التوقيت، يمكن ان يؤشر على مسعى جاد لمواجهة الاحتلال وترامب؟؟ وهل يمكن ان يصرف عاقل في فلسطين اتهامات عباس لحماس بأنها أداة أمريكية إسرائيلية تستخدم في مواجهته؟. 
أي هراء وأي ابتذال هذا؟! لعله يريد أن يخبرنا أن فرض إسرائيل ومن ورائها واشنطن الحصار على غزة على مدى أحد عشر عاماً، وشن ثلاثة حروب مدمرة عليها، إمارات حب وتنسيق وتفاهم بين هاتين العاصمتين وحماس، بينما احتضان سلطة أبو مازن وتحويل الأموال لها وفرض شرعيتها عربياً ودولياً، وهي حزب الأقلية في آخر انتخابات تشريعية، دلالة عداء وتآمر على عباس وسلطته من إسرائيل وواشنطن؟؟
حماس التي تقاتل إسرائيل، وتقدم مئات الشهداء من قادتها وكوادرها في الحرب، ويفرض عليها الحصار كل هذا الوقت، وتوصم بالإرهاب، ولا تزال تحتفظ بأسرى من جنود الاحتلال، وترفض الإعتراف بإسرائيل.. عميلة؟! أما الذي ينام في حضن الرعاية الأمريكية والاسرائيلية، ويستقوى على غزة بدعم الاحتلال وواشنطن، فهو الوطني الشريف الذي يرفع راية التحرير والصمود؟؟
ألا يدفعنا هذا الخلط والتزوير الى ان نستنتج ان من يدلس في هذه القضايا الكبرى، يمكن ان يدلس في غيرها من القضايا الأصغر والأقل أهمية، كقضية الحمدالله وفرج.. ومن يكذب في هذا التوصيف يمكن ان يكذب في غيره.
في حادثة الحمدالله المهزلة، يمكن توقع خمس جهات تقف خلف ما جرى، «اسرائيل» ودحلان، وفبركة اجهزة السلطة، ومتطرفون حانقون وحماس.. إلا أن العقل البسيط يدرك أن أبعد جهة من بين الخمس عن فعل ذلك هي حماس؛ لأنها الخاسر الأكبر من وقوع ما جرى، ولا مصلحة لها البتة فيه. ولو كانت تقصد او تقف وراء الحادث لما نجا الحمدالله ولا فرج.. فإمكانات حماس العسكرية والأمنية في غزة معلومة، فضلاً عن أنه كان بوسعها ان تنفذ مثل هذا في أكثر من مكان سوى غزة، ودون ان تضع نقسها في دائرة الملامة والخسارة معاً.
وقبل هذه وتلك،  أما كان الأولى بالرئيس أبو مازن بدلاً من إلقاء التهم جزافاً، وتوتير الساحة الوطنية وإشعالها، الدعوة لتحقيق شفاف وعاجل، وبمشاركة عربية إذا رغب، لكشف المتورّطين في الجريمة ومحاسبتهم؟
وإذا كان جاداً في اتهام حماس، فهل يقبل منه ان يذهب في مواجهة ذلك لمعاقبة غزة وليس حماس؟!، وهل من المقبول خلط الأمور، الموقف العدائي من حماس والاستعداء ضد غزة وفرض الإجراءات العقابية على شعبها؟! إلا اذا كانت قصة التفجير برمتها رسمت لتحقيق هذه الغاية؟
القضية الفلسطينية اليوم وفي ظل التحديات الخطيرة التي تفرضها إدارة أمريكية رعناء، وحكومة اسرائيلية يمينية متطرفة، وحالة عربية متواطئة على فلسطين، تحتاج لجمع الكلمة وتوحيد الصف، وليس الى إشعال حروب أهلية وتوتير الأجواء بين أبنائها. تحتاج إلى وقف التنسيق الأمني، وإلى إطلاق مقاومة شعبية تربك الاحتلال، وإنجاح المسيرات الوطنية التي تتجهز للانطلاق نحو قلب الوطن في يوم الارض، تحتاج الى برنامج وطني يتعاضد فيه الجميع، لتثبيت ان شعب فلسطين وليس أحداً آخر من يقرر على هذه الأرض، ومن يضع النقطة في آخر السطر، في ما يخص شعب وأرض فلسطين، وليس إدارة أمريكية مجنونة، ولا يميناً إسرائيلياً متطرفاً، ولا اعراباً بلا قيم ولا ضمير.
أما الحمد الله ووفده،  فالسبيل العاقل لمعالجة قضيته، تحقيق عادل ومحاسبة الجناة وليس معاقبة غزة، وإدارة الظهر للمصالحة وتمزيق الساحة الوطنية، بدون برنامج نضالي ولا وحدة وطنية.. اللهم إلا نشر الكلمات الفارغة والبطولات الجوفاء.}