د. عدنان أبو عامر

انتهت زيارة «حماس» لمصر دون أن يعلن الطرفان حقيقة ما اتّفقا عليه، رغم وجود مؤشّرات لتحسّن طفيف في علاقتهما المتوتّرة، ما قد يلبّي حاجة «حماس» في الفترة الحاليّة التي يعنيها وقف الحملات الدعائيّة المصريّة ضدّها وحالة الاستعداء الموجّهة من قبل بعض أوساط الدولة المصريّة نحوها، وربّما حازت عليها مؤقّتاً.
وبعد ستّة أشهر على الزيارة الأخيرة الّتي قامت بها «حماس» لمصر، زار وفد قياديّ رفيع المستوى من «حماس» القاهرة لمدّة خمسة أيّام، دون الكشف التفصيليّ عمّا آلت إليه مباحثاتها الأمنيّة مع جهاز المخابرات العامّة المكلّف إدارة الملف الفلسطينيّ في مصر.
وبات واضحاً أن اللّقاءات تناولت عدداً من المواضيع الأمنيّة المهمّة، كقضيّة كوادر حماس الأربعة داخل سيناء، ومطالبة حماس بفتح معبر رفح بشكل دائم، واتهامها بالتورّط في اغتيال النائب العام المصريّ السابق، واستمرار عمل بعض الأنفاق بين غزّة وسيناء. ورغم تأكيدها عدم التدخّل في الشأن المصريّ الداخليّ، لكنّها مستمرّة بضبط حدودها الأمنيّة مع سيناء.
ربّما أرادت «حماس» من عدم إعلانها تفاصيل اللّقاءات الأمنيّة مع مصر، الانتظار لجولة أخرى قد تجمعهما بعد انتهاء رحلة «حماس» الخارجيّة، حيث التقت قياداتها من الداخل والخارج في قطر، وفي طريق عودته إلى غزة، يتوقع أن يلتقي وفد حماس مجدداً بالمسؤولين المصريين، لإجمال مواقف الحركة النهائيّة من القضايا المثارة في مباحثاتها في القاهرة، وحينها قد تصدر «حماس» بياناً رسميّاً للرأي العام يكشف حقيقة ما حصل في مباحثاتها مع المصريين، وهذا البيان، في حال صدوره، قد يكشف أين اتّفقت حماس مع مصر، وأين اختلفتا.
تعتبر زيارة حماس لمصر خطوة في الاتّجاه الصحيح للوصول إلى علاقة طبيعيّة وإيجابيّة لتجاوز توتّر المرحلة السابقة، ورغم عدم وجود اتّفاق مكتوب بين الطرفين، لكنّها أكّدت للمصريّين أنّ ما يحدث في مصر وسيناء من حوادث أمنيّة لا تتدخّل فيها، وليست جزءاً منها، فحماس تقوم بدورها على حدود غزّة، كما كانت دوماً، ويعنيها أمن مصر وشعبها، وهذا ما أوضحته للجانب المصريّ.
وكان لافتاً أنّه بالتزامن مع مباحثات وفد «حماس» في القاهرة، حصلت مؤشّرات إيجابيّة بين الطرفين، فقد تراجعت الحملة الدعائيّة الّتي شنّها الإعلام المصريّ ضدّ «حماس»، ونشرت صحف مصرية رسميّة مقالات اعتبرت «حماس» حركة مقاومة فلسطينيّة تثير إعجاب المصريّين، وستظلّ كذلك، ومع ذلك فما زالت خلافات القاهرة و«حماس» قائمة، ما يؤكّد أنّ استعادة علاقات الطرفين تحتاج لوقت طويل، رغم التشديد على أهميّة وجود قناة تواصل بينهما.
تأمل مصر من جهتها أن مباحثاتها مع حماس قد تفضي لحدوث مراجعات داخليّة في حماس حول سياساتها ومواقفها وعلاقاتها، عقب تراجع نفوذ الإخوان المسلمين والإسلام السياسيّ الّذي تتبنّاه الحركة، وزيادة تأزم الوضع الفلسطينيّ الداخليّ، خاصة الواقع المعيشيّ في غزّة، وتأمل ألاّ تكون مراجعات حماس لاعتبارات تكتيكيّة لتقوية سيطرتها على غزّة فقط.
لم يعد سراً أن ارتباط حماس بجماعة الإخوان المسلمين يعتبر أحد مفاصل العلاقة مع مصر، وقد ردّدت حماس في الأيام الأخيرة بالتزامن مع زيارتها إلى مصر، أنّ موقفها من الإخوان المسلمين صريح ومعلن، بأنّها تفخر بانتمائها إلى المدرسة الأيديولوجية لهذه الجماعة، لكنّها حركة تحرّر فلسطينيّة، قرارها ينبع من مؤسّساتها الشوريّة والقياديّة فقط، وهذا أمر تدركه كلّ الأطراف، بما فيها مصر، وكررت نفيها لوجود أي دور أمني أو عسكري لحماس في مصر، مجدداً حرص الحركة على إقامة علاقة طيبة ومتوازنة معها.
أخيراً، قد يبدو من المبكر رؤية آثار إيجابيّة ميدانيّة لهذه الزيارة، وهو ما يعني أن حماس ومصر ليستا بالضرورة في الطريق لإحياء شهر عسل بينهما، بعد أن كادتا تصلان إلى مرحلة الطلاق البائن، عقب الاتهامات المصرية الأخيرة لحماس بالتورط في اغتيال النائب العام السابق، وتصريحات منسوبة إلى مسؤولين مصريين في شباط الماضي تتهم حماس بالتخطيط لإقامة دولة في سيناء، لكنّ تخفيف الاحتقان السائد بينهما، قد يراه الجانبان مقدّمة جيّدة يمكن البناء عليها للخروج من عنق الزجاجة الّتي دخلاها، الأمر الّذي كان سيؤدّي إلى نتائج سلبيّة للغاية على كليهما.