العدد 1671 /9-7-2025

مالك نبيل

في واحدة من أكثر السياسات الإسرائيلية خطورة على مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، برز تطبيق القانون المدني الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة أداةً استراتيجية تمهّد عملياً لمشروع ضمّ الضفة الغربية، بعيداً عن الإعلان الرسمي. ويجري تنفيذ التشريعات الإسرائيلية على الضفة كما لو أنها جزء من الأراضي المحتلّة قبل عام 1967، وذلك في مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي يفرض أن تُحكم هذه المناطق، ولا سيما المصنّفة "ج"، الواقعة تحت السيطرة الأمنية والإدارية الكاملة لجيش الاحتلال، بموجب القانون العسكري الإسرائيلي أو القوانين الأردنية التي كانت سارية قبل احتلال الضفة.

إدخال القانون المدني الإسرائيلي إلى الضفة

يأتي هذا التطبيق مستنداً إلى وجود مشاريع قانونية مقترحة في الكنيست الإسرائيلي لم تحصل على مصادقة بالقراءات الثلاث، أو مشاريع مطروحة داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية، ما يعني أن سلطات الاحتلال تنفذ انتهاكات غير قانونية أساساً في الإطار الإسرائيلي، وذلك يتم عبر خطوات تسابق الزمن لفرض واقع جديد يجرّد الفلسطيني من حقّه بالأرض. وعمل الاحتلال على إدخال القانون المدني الإسرائيلي على الضفة بشكل تدريجي منذ عام 1967 بما يشمل الأفراد والممتلكات. ورغم أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكد مراراً "أن القانون الدولي الإنساني يحظر على إسرائيل، لكونها قوة احتلال، فرض قوانينها الخاصة في الأرض المحتلة"، إلا أن الواقع يثبت غير ذلك.

في السياق، يؤكد محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية في جنوب الضفة الغربية صلاح الشلالدة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن القوانين التي يجب أن تُنفّذ في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال يجب أن تستند إما إلى الأوامر العسكرية الصادرة عما يعرف بـ"الحاكم العسكري" بسلطات الاحتلال، أو إلى القوانين التي كانت نافذة قبل عام 1967، وبالتالي، فإن أي مشروع قانون يتم سنّه في الكنيست الإسرائيلي لا يجوز تطبيقه في الضفة الغربية المحتلة إلا من خلال أمر عسكري يصدر عن الحاكم العسكري. وبحسب الشلالدة: نُلاحظ وبشكل عملي وممنهج تطبيقاً فعلياً لمشاريع قوانين إسرائيلية قبل أن تمرّ عبر القنوات القانونية والرسمية داخل إسرائيل، وقبل أن يصدر بشأنها أي أمر عسكري. كما تمثّل هذه الممارسة خرقاً واضحاً ليس فقط للقوانين الإسرائيلية ذاتها، بل تُعدّ أيضاً مخالفة صريحة للقانون الدولي، الذي ينص بوضوح على أنه لا يجوز فرض أو تطبيق أي قانون صادر عن الكنيست داخل الأراضي المحتلة. ويؤكد الشلالدة أن العديد من الشواهد الميدانية تؤكد هذا التجاوز الخطير، مشيراً إلى أن ما يتم تنفيذه فعلياً على الأرض، يُمثّل تطبيقاً تدريجياً للضم، من دون إعلان رسمي، وهو ما يُشكّل تعدياً على الوضع القانوني والسيادي للأراضي الفلسطينية.

مشروع استيطان بلدة سبسطية

ومن أبرز المؤشرات التي توحي بفرض القانون المدني الإسرائيلي على الفلسطينيين هو "مشروع استيطان بلدة سبسطية، الذي يجري العمل عليه منذ 12 يونيو/ حزيران الماضي، وسبق ذلك في الخليل إصدار أمر من الشرطة الإسرائيلية بإبعاد مدير الحرم الإبراهيمي واثنين من موظفيه عن الحرم في شهر فبراير/ شباط الماضي، وقبل ذلك كلّه تعبيد الطرقات في الأحياء الفلسطينية بالخليل القديمة وإزالة حاويات النفايات الخاصة ببلدية المدينة، ومنع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الواقعة خلف جدار الفصل العنصري". كما يعتبر اقتحام وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت زيلمان، إلى جانب وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 12 يونيو الماضي، للموقع الأثري في سبسطية، وإعلانهما إطلاق "عملية إنشاء متنزه السامرة"، تطبيقاً عملياً لمشروع القرار المرتبط بالمناطق الأثرية، إذ يتجاوز القانون فكرة وجود صلاحيات فلسطينية في المكان الذي يضمّ آثاراً إسلامية ومسيحية، وذلك كلّه بدعم حكومي من وزارة التراث لا من الإدارة المدنية.

ومشروع سبسطية الجاري تنفيذه، تمّت المصادقة عليه من قبل الكابينت (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر)، لكن اقتحام وزراء الاحتلال المكان يعني تعاملهم معه باعتباره تحت سلطتهم. وكان عضو الكنيست عميت ليفي، من حزب الليكود، الذي قدم مشروع القانون، قد زعم سابقاً أن الهدف من القرار هو أن "تُعنَى دولة إسرائيل بتراثها، بسبب أهمية هذه المواقع من ناحية التاريخ اليهودي". ويقضي مشروع القانون بأن تعمل سلطة الآثار الإسرائيلية في الضفة على إنفاذ القانون كما تعمل داخل إسرائيل، بصرف النظر عن موقع المعلم الأثري إن كان بالمناطق المصنّفة "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية أو مناطق "ب" الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية، والمشتركة أمنياً مع إسرائيل أو "أ" الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة، وفق الباحث في الشأن الإسرائيلي عادل شديد.

ويعزو شديد ذلك إلى مشروع يقوده داخل الحكومة الإسرائيلية وزير الزراعة أفي ديختر منذ أواخر يناير/ كانون الثاني 2024، الذي يهدف إلى تحويل إدارة "أراضي الضفة الغربية غير المستغلّة" من السيطرة العسكرية إلى المدنية عبر وزارة الزراعة الإسرائيلية، في وقت يُمنع فيه الفلسطينيون من الوصول إلى أراضيهم تمهيداً لاعتبارها "غير مستغلّة" وتسليمها إلى وزارة الزراعة التي ستنفذ مشاريع خدماتية فيها وفق القانون المدني الإسرائيلي على أراضٍ فلسطينية، في ظل عدم الحاجة إلى إقامة بؤر رعوية أو زراعية لأن هدف البؤر الاستيطانية هو طرد الوجود الفلسطيني.

ويقول شديد: "إن ذلك مرتبط بمشروع قانون مرّر سابقاً في الكنيست بالقراءة الأولى، في العاشر من يوليو/ تموز 2024، ينص على إلحاق المواقع الأثرية في الضفة الغربية بسلطة الآثار الإسرائيلية، بدلاً من وحدة ضابط الآثار في الإدارة المدنية للجيش، فيما يعتبر الحرم الإبراهيمي جزءاً منها، لكونه مدرجاً ضمن قائمة التراث اليهودي منذ 1967، أي أنه من ممتلكات الدولة بحسب القانون الإسرائيلي، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية في فبراير/ شباط 2010، أعلنت المسجد الإبراهيمي ضمن مواقع التراث القومي اليهودي، التي خصّص لها في ذلك الوقت 400 مليون شيكل (نحو 105 ملايين دولار وفق سعر الصرف في حينه) لأعمال الترميم والدعم". وهذا ما يفسر، بحسب شديد، سبب منع أعمال الترميم في الحرم الإبراهيمي بالقسم الإسلامي من الجهات الرسمية الفلسطينية، وإبعاد مديره والموظفين فيه، وفرض قيود على المصلين والزائرين إليه.

حوادث الخليل

وشهدت مدينة الخليل حوادث عدة في أواخر العام الماضي، تشير إلى بدء تطبيق الاحتلال القانون المدني الإسرائيلي داخل الأحياء الفلسطينية المحاصرة في المناطق المصنّفة H2الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والتي تُلزم بلدية الخليل بتقديم الخدمات فيها، وذلك وفق اتفاق الخليل الموقع عام 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية، ومن أبرزها: "إزالة حاويات القمامة التابعة للبلدية في تلك الأحياء، وتعبيد طرقات الأحياء الفلسطينية، وتنفيذ حفريات بجانب الحرم الإبراهيمي في حديقة فلسطينية بحجّة أعمال صيانة، بهدف زيادة كمية الكهرباء المقدّمة للحرم من قبل البلدية".

ومن أولى هذه الخطوات، والتي تُعد الأخطر، كانت تشكيل لجنة تابعة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أُطلق عليها اسم "لجنة الضفة الغربية"، وتعيين عضو الكنيست المتطرف من حركة الصهيونية الدينية تسفي سوكوت رئيساً لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وخطوة أخرى حين تم تشكيل لجنة في الإدارة المدنية لملاحقة ما يُسمى بالبناء الفلسطيني غير المرخّص، وتم تعيين مستوطن من جماعة "ريجافيم" على رأسها يدعى هيلل روط. وخلال الأشهر الماضية، رُصد قيام شرطة الاحتلال الإسرائيلي بتحرير مخالفات سير لمركبات فلسطينية داخل مناطق "أ" في منطقة الظاهرية ويطا بمحافظة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، وهو أمر يشير إلى تدخل إسرائيلي مباشر بشؤون الفلسطينيين.

وفي حادثة أخرى غير مسبوقة، صرّح مدير الحرم الإبراهيمي السابق في الخليل حفظي أبو سنينة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن قوات الاحتلال في السابع من فبراير/ شباط الماضي، أبعدت عن الحرم مديره الحالي معتز أبو سنينة، وفرضت غرامة مالية عليه في حال مخالفة القرار، كما مُنعت إدارة الحرم في مناسبات عديدة من تنفيذ أعمال ترميم داخل القسم الإسلامي فيه.