العدد 1662 /7-5-2025

اعتقلت السلطات السورية، أول من أمس السبت، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة طلال ناجي، لساعات عدّة قبل إطلاق سراحه. وسبق ذلك اعتقال قياديَين اثنين من حركة الجهاد الإسلامي في 22 إبريل/نيسان الماضي، لم يُفرَج عنهما حتى الآن. وجاءت هذه الاعتقالات في ظل التغيير السياسي الحاصل في سورية بعد رحيل نظام بشار الأسد، وفي ظل استهداف إسرائيلي متواصل للأراضي السورية، وشروط أميركية على دمشق لتخفيف العقوبات عنها، من بينها بحسب ما تسرّب، فرض قيود على الفصائل الفلسطينية في سورية ومنعها من مزاولة أي نشاط عسكري أو سياسي، أو حتى جمع التبرعات، بحسب ما ورد في تسريبات عدة لوسائل إعلام أميركية.

وطرح كل ذلك تساؤلات حول مصير الفصائل الفلسطينية في سورية والنهج الذي ستختاره الإدارة في التعاطي معها، وتحديداً ما إذا كانت هذه الاعتقالات تهدف إلى دفع مَن تبقى من قيادات الفصائل، سواءً من الصف الأول أو حتى الثاني، لمغادرة الأراضي السورية، ما يريح الإدارة من "عبء" اتخاذ إجراءات ضدّها، وفي الوقت نفسه يحقّق الشروط الأميركية.

ووفق مصدر فلسطيني مطلع، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنّ الافراج عن طلال ناجي جاء بعد تدخل جهات فلسطينية خارج سورية لدى السلطات السورية، إذ يعتقد أن قيادة الجبهة تواصلت مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس حركة حماس إقليم الخارج خالد مشعل، وأنهما تدخّلا لدى السلطات السورية من أجل إطلاق سراحه. وطلال ناجي من مواليد 1946 في مدينة الناصرة، شمالي فلسطين المحتلة، وتولى قيادة الجبهة بعد وفاة أمينها العام السابق أحمد جبريل في 2021، ويعد من القيادات الفلسطينية التاريخية، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 1974، وكان لفصيله "القيادة العامة" دور ملحوظ في دعم النظام السابق على مستوى الساحة الفلسطينية داخل سورية، خاصة في بسط سيطرة النظام على مخيّم اليرموك، أكبر التجمعات الفلسطينية في سورية، في 2018.

وبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقدت جهة قيادية سورية لقاء مع قيادات في جميع الفصائل، وعلى إثر ذلك، صدرت سلسلة قرارات تمسُّ الفصائل الموالية للنظام السابق، وهي: الجبهة الشعبية - القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، وفتح الانتفاضة، والمجموعات المنشقة عن فصائلها الأم التي احتضنها النظام السابق، وهي جبهة النضال الشعبي الفلسطيني (خالد عبد المجيد)، وجبهة التحرير الفلسطينية (أبو نضال الأشقر)، إضافة لما كان النظام السابق قد قام بتشكيله بعد 2011 تحت مظلة فلسطينية، مثل "حركة فلسطين حرّة" بقيادة سائد عبد العال، والحزب الديمقراطي الفلسطيني (دافع) بقيادة مازن شقير، ولواء القدس بقيادة محمد السعيد.

وضع اليد على مقرّات بعض الفصائل الفلسطينية في سورية

وبالنسبة لفصيل منظمة الصاعقة، فقد جرى التحقيق مع أمينه العام محمد قيس، لكن دون اعتباره من "فلول النظام" لأنه لم يكن في موقع المسؤولية خلال معركة مخيّم اليرموك في 2015. مع ذلك، صادرت السلطات السورية مكاتب التنظيم وسياراته وحتى أمواله، وطلبت إعادة تشكيل التنظيم بعد حل حزب البعث السوري والفلسطيني (التنظيم هو الجناح العسكري لحزب البعث – الفرع الفلسطيني)، لكن بعد ذلك صدر بيان من داخل فلسطين يتهم قيس بأنه من "فلول النظام" وبأنه غير مخول الحديث باسمهم، وهو ما يشي ببوادر انشقاق، كما ألغت المنظمة اسم "البعث" من مُعرّفاتها الرسمية لتقتصر تسميتها على "منظمة الصاعقة" التي أصدرت قراراً بفصل محمد قيس ونقل مقرّ الأمانة العامة إلى رام الله، وإعلانها أنها جزء من منظمة التحرير الفلسطينية، أما المكتب الرئيسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منطقة الطلياني في دمشق، فلا يزال مفتوحاً، لكن دون نشاط، فيما جرى إغلاق باقي المكاتب ومصادرة الأسلحة.

أما حركة الجهاد الإسلامي فليس لها اليوم أي مكتب تنظيمي في سورية. وبحسب معطيات، فإنه ليلة سقوط النظام غادر عدد من مسؤوليها إلى بغداد، فيما طلبت السلطات السورية منها تسليم أي سلاح أو سيارات لديها، وقبل نحو أسبوعَين أقدمت السلطات السورية على اعتقال مسؤول حركة الجهاد الإسلامي في سورية خالد خالد (أبو الحسن)، مع مسؤول العمل التنظيمي أبو علي ياسر بعد عودتهما من العراق، لأسباب مجهولة، وما زالا معتقلَين لغاية الآن.

مغادرة مجموعات فلسطينية إلى لبنان

في الأثناء، غادرت مجموعات فلسطينية عدّة إلى لبنان، منها مجموعة سائد عبد العال "فلسطين حرة" التي كانت تعمل مع المخابرات الجوية لنظام الأسد، إضافة إلى أفراد وشخصيات كانوا يقومون بتهريب المدنيين من مخيّم اليرموك خلال تعرّضه للحصار من النظام بين عامَي 2013 و2018 لقاء مبالغ مالية باهظة، يتقاسمونها مع ضباط النظام السوري السابق. وكان قد مُنِحَ بعضهم جوازات سفر دبلوماسية سورية، لتمكينهم من التجول خارج البلد.

وعقب هذه الإجراءات، وتحديداً منذ فبراير/شباط الماضي، جرى إبلاغ كل الفصائل الفلسطينية في سورية بحصر نشاطها بالعمل المؤسّساتي الإغاثي دون أي عمل عسكري إطلاقاً. ونشطت في هذا الإطار، كل من حركة فتح باعتبارها الفصيل الفلسطيني الشرعي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إضافة إلى حركة الجهاد الإسلامي عبر مؤسّساتها الخيرية المتعدّدة، في ترميم المباني في مخيّم اليرموك، إلى جانب المؤسّسات والجمعيات الأهلية الفلسطينية، التي كان حضورها أقوى من حضور الفصائل. وفي المرحلة الثالثة، برز الضغط الأميركي على القيادة السورية عبر أطراف عدّة لإنهاء الوجود الفلسطيني التنظيمي والفصائلي في سورية، ومن المُعتقد أن اعتقال القياديين في حركة الجهاد الإسلامي، ومن ثم طلال ناجي، جاء في هذا الإطار.