العدد 1661 /30-4-2025

أحمد سعداوي

ما إن أعلنت الحكومة العراقية موعدَ انعقاد القمّة العربية في بغداد (17 مايو/أيار المقبل)، حتى صار محورها دعوة أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي في سورية ما بعد الأسد. وليس ببعيد، أثيرت من جديد قضية الحدود في المياه الإقليمية بين العراق والكويت، واشتعلت مواقع التواصل بالحديث عن خور عبد الله، والتجاوزات المفترضة للكويت على المياه العراقية. يندرج هذان الموضوعان في سياق اضطراب الصورة عن علاقة العراق مع دول الإقليم، سيّما التي تلاصق الحدود العراقية، وهو سياق محتدم من سنوات، فلم تسلم دولة مجاورة من مناوشات وأخذ وردّ، لهذا السبب أو ذاك، بالإضافة إلى "الفيل في الصالة"، أي الدور غير المريح لإيران في العراق.

مرافعاتٌ قُدّمت في برامج حوارية سياسية في القنوات الفضائية العراقية، أو في مواقع التواصل الاجتماعي، عن أسباب عدم الترحيب بالرئيس الشرع، ولكن أحداً من هؤلاء لم ينظُر إلى المصلحة الوطنية للعراق في هذه المرحلة. لقد تغيّر النظام في سورية وانتهى الأمر، وإن كان يعجبنا النظام الجديد أو شكل السلطة التي تريد إنشاء نظام جديد، أو لم يعجبنا، فهذا شأن السوريين. نتضامن مع الأخبار الأمنية المؤسفة، ونتمنّى بدوافع إنسانية وقومية ودينية الخير وصلاح الحال لسورية الجارة الشقيقة، ولكن ليست لدينا صلاحيات أكثر. وما هو أجدى أن نفكّر في مصالح بلدنا، فهل من مصلحة العراق اليوم أن يحوّل سورية عدوّاً؟ أليس من أسباب دفع الأمور نحو اتجاهات إيجابية في سورية أن نمدّ أسباب المصالح الاقتصادية والأمنية بين البلدَين؟

هناك عراقيون (كلّ حسب اتجاهات تفكيره الخاصّة)، لا يحبّون هذا الرئيس أو ذاك الزعيم من الدول المجاورة. ومع ذلك، يتمتّع العراق مع هذه الدول بعلاقات إيجابية، لأن في ذلك مصلحة العراق، الذي يريد طيّ صفحة الحروب والاضطرابات الأمنية، ويرسّخ السلام الاجتماعي في البلد، والذي هو أساس التنمية الاقتصادية. يمكن للعراق أن يقطع علاقاته مع دولة ما آسيوية أو أفريقية أو من أي مكان بعيد آخر في العالم، وقد لا يتضرّر كثيراً، ولكن ماذا نفعل مع "القدر الجغرافي"، ومع التداخل الطبيعي والديني والقومي والتاريخي مع الدول المجاورة للعراق؟... يتذكّر العراقيون جيّداً كيف كان حال العراق في تسعينيّات القرن الماضي، حين رُفِعت أستار العداوة بينه وإيران، ودول الخليج العربي، ولم يكن لديه منفذ إلى العالم الخارجي سوى الطريق البرّي إلى عمّان.

وعلى ذكر إيران، هناك من يريد بناء جدار عازل بينها وبين العراق، ولكن هذا تفكير غير واقعي، نحن نريد ازدهار العلاقة مع إيران، ولكن المطلوب من النظام الإيراني أن يتعامل مع العراق باعتباره دولةً مستقلّةً، ويكون التواصل من خلال الأطراف الرسمية، وأن ينهي أشكال التدخّل الأخرى التي تثلم من سيادة المؤسّسات العراقية. الأمر نفسه بالنسبة إلى الكويت، فهي ستبقى مجاورةً للعراق، ولا مصلحةَ في تصعيد الكراهيات معها. يمكن الضغط بالوسائل المشروعة على الحكومة العراقية لدفعها إلى التعامل بحرص أكثر تجاه مصالح العراق في مياهه الإقليمية المحاذية للكويت، ولكن من دون استعادة أشباح الماضي وتأجيج الشارع.

انفتاح الحكومة العراقية على الشرع، والحديث عن فتح أنبوب النفط العراقي المارّ عبر الأراضي السورية إلى موانئ المتوسّط (وغيرها من المشاريع)، بالإضافة إلى تقديم المساعدات المالية، ينبئان باتجاه صحيح إزاء الاستثمار في سورية الجديدة، وترك الشأن الداخلي السوري للسوريين. خصوصاً بعد تاريخ مرير من الكوارث التي كان يرسلها نظام بشّار الأسد عبر الحدود إلى العراق.

ستكون مفاجأةً إذا ظهر الشرع في القصر الجمهوري ببغداد، ولكنّه على الأرجح سيرسل ممثّلاً عنه. وفي كلّ الأحوال، ستكون الزيارة تطوّراً إيجابياً للعلاقة بين البلدَين، اللذين بقيا في حالة من الضبابية والتوتّر خلال العقدَين الماضيين.