باتت مستشفيات قطاع غزة مهدّدة بالانهيار الكامل في ظلّ
قرب نفاد الوقود واستمرار الحصار الإسرائيلي، ومنع إدخال الوقود وغيره من
المستلزمات الأساسية، ما يهدّد حياة آلاف المرضى والجرحى
تقترب مستشفيات قطاع غزة من لحظة الانهيار الكامل، مع
قرب نفاد مخزون الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاصة بها، ما ينذر بكارثة صحية
وشيكة تهدّد حياة آلاف الجرحى والمرضى، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي المستمرّ
على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إنّ أزمة نقص إمدادات
الوقود تدخل ساعات حاسمة قد يتوقف خلالها عمل المستشفيات، وأكدت، في بيان تحذيري،
أنّ مجمّع الشفاء الطبي والمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) يتهدّدهما خطر الخروج
عن الخدمة خلال 24 ساعة، وهما اللذان يقدمان الرعاية الطبية الطارئة للجرحى
والمرضى في مدينة غزة وشمال القطاع بعد خروج المستشفيات فيه عن الخدمة.
وعلى امتداد العدوان الإسرائيلي، تعمّد جيش الاحتلال
تدمير المنظومة الصحية في القطاع، عبر الاستهداف الممنهج والمباشر للمستشفيات
ومراكز الرعاية الأولية في مختلف محافظات القطاع، إذ تفيد وزارة الصحة بأن 80% من
المستشفيات أصبحت خارج الخدمة.
وبحسب إحصائيّة لدائرة وحدة المعلومات الصحية في وزارة
الصحة، فإن القطاع كان يضم 38 مستشفى قبل بدء العدوان، منها 16 حكومية، و22 مستشفى
أهلياً وخاصاً، وقد أخرج الاحتلال 22 مستشفى عن الخدمة كلياً، وبقيت 16 تعمل
جزئياً.
ومن أبرز المستشفيات التي طاولها الدمار والخراب في
مدينة غزة وشمال القطاع، مجمّع الشفاء الطبي وكمال عدوان والإندونيسي والعودة
ومجمّع ناصر الطبي وغيرها من المراكز الصحية. وكانت آخر المستشفيات التي خرجت عن
الخدمة هي الإندونيسي وكمال عدوان شمالي قطاع غزة، في أعقاب تعرضها للاستهداف
المباشر، وسبقهما مستشفى غزة الأوروبي في محافظة خانيونس، الذي تعرض للقصف
والتدمير، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة كلياً.
ويُحذّر مدير مجمّع الشفاء الطبي في غزة، محمد أبو
سلمية، من كارثة صحية وشيكة بسبب نفاد كميات الوقود المتوفرة في المستشفى، قائلاً:
"المستشفى الأكبر في قطاع غزة يمرّ بمرحلة حرجة للغاية بسبب نفاد الوقود، وهو
على بعد ساعات قليلة من التوقف الكامل عن العمل، ويشمل ذلك أقسام العمليات
والعناية المركزة وغسل الكلى والطوارئ".
ويبيّن أبو سلمية في حديث ، أن مجمّع الشفاء يحتاج
يومياً إلى ما بين ألف و1200 لتر من الوقود لتشغيل المولدات، في ظل انقطاع الكهرباء
التام، بينما المتوفر لا يكفي لتغطية 24 ساعة، ويضيف: "يوجد 12 مريضاً في
العناية المركّزة معرضون لخطر الوفاة، و300 مريض بالفشل الكلوي حياتهم على المحك.
غرف العمليات ستتوقف، وكذلك محطات الأكسجين، والمختبرات، وأقسام الأشعة، في حال
استمر انقطاع الكهرباء".
ويوضح أن إدارة المجمّع تُجري اتصالات عاجلة مع منظمة
الصحة العالمية، وهناك خلية أزمة تسعى إلى توفير كميات من الوقود خلال الساعات
المقبلة، مشيراً إلى أن كل تأخير إضافي سيؤدي إلى كارثة صحية غير مسبوقة، ليس على
مستوى مجمع الشفاء فحسب، بل على مستوى بقية مستشفيات القطاع.
ويشير أبو سلمية إلى أن مجمّع الشفاء الطبي يخدم في
الوقت الراهن جميع مناطق غزة وشمالها، بعد خروج مستشفيات الإندونيسي، والعودة،
وكمال عدوان، وبيت حانون عن الخدمة، ما أدى إلى زيادة أعداد المرضى والمصابين
المتردّدين يومياً على المجمّع، التي تصل إلى ما بين 600 و700 حالة يومياً. ويشير
إلى أن أزمة الوقود تأتي بالتوازي مع نقص كبير في الأدوية الأساسية، ومستهلكات
العمليات، وأدوية التخدير، بالإضافة إلى نقص في أسرّة العناية المركزة، ومثبتات
الكسور، وأدوات تثبيت العظام، مضيفاً أن "الوضع في غاية الخطورة، ولا نكاد
نحل أزمة حتى ندخل في أخرى. نحن في قلب العاصفة الآن".
ومنذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، يواصل الاحتلال تشديد
حصاره على قطاع غزة، ويغلق المعابر الحدودية ويمنع إدخال المساعدات الإغاثية
والسلع التجارية والمحروقات، ما ينعكس سلباً على واقع الحياة في القطاع، خصوصاً
القطاعات الحيوية وأبرزها المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية.
الحال نفسه يتكرّر مع مستشفى شهداء الأقصى في المحافظة
الوسطى، إذ يحذر المتحدث باسمه خليل الدقران من قرب توقف المستشفى الحكومي الوحيد
في المحافظة الوسطى عن العمل خلال أقل من 48 ساعة، بسبب النفاد الوشيك لكميات
الوقود، مؤكداً أن الوضع في غاية الخطورة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي
واستهداف المنظومة الصحية. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "مستشفى
شهداء الأقصى يخدم أكثر من نصف مليون مواطن في المحافظة الوسطى، إلى جانب آلاف
النازحين الذين لجؤوا إلى المستشفى هرباً من القصف، ما رفع عدد المرضى والمصابين
على نحوٍ غير مسبوق"، ويضيف أن "السعة السريرية للمستشفى لا تتجاوز 200
سرير، بينما نعالج الآن أكثر من 370 حالة. اضطررنا إلى توزيع المرضى على الأسرة
والأقسام كافّة، وبعضهم يتلقى العلاج في الممرات والساحات".
ويؤكد الدقران أن الكمية المتبقية من الوقود لا تكفي
لتشغيل المستشفى لأكثر من يومين، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة
التقطير في إدخال الوقود، ويمنع وصوله بحجة أن المستشفيات تقع في "مناطق
حمراء"، ويشدّد على أن "كل المستشفيات في قطاع غزة تعتمد كلياً على
الوقود لتشغيل المولدات، وإذا توقفت فإن ذلك يعني حكم إعدام فوري على المرضى
والمصابين، خاصة في أقسام العناية المركّزة والطوارئ".
ويشير إلى أن الاحتلال استهدف منذ بدء العدوان عدداً من
المستشفيات الحكومية وأخرجها عن الخدمة، بما في ذلك مستشفيات تقدم خدمات للأطفال،
ما زاد الضغط على المستشفيات العاملة القليلة، وبينها مستشفى شهداء الأقصى، الذي
أصبح من الركائز القليلة المتبقية في القطاع، ويتابع: "في مستشفى غزة
الأوروبي، توقفت العمليات الجراحية بالكامل. وفي مستشفى شهداء الأقصى، نخشى أن نصل
إلى المصير نفسه خلال أيام قليلة"، مناشداً المجتمع الدولي ومنظمة الصحة
العالمية بضرورة التدخل الفوري لتوفير الوقود والمستلزمات الطبية، وإنقاذ ما تبقى
من المنظومة الصحية في قطاع غزة.
إلى ذلك، يؤكّد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في
قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك البروتوكول الإنساني
المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى توقيعه في 19 يناير/كانون الثاني
الماضي، بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، والذي يضمن تدفق الوقود والمستلزمات
الطبية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يُسمح حتى الآن بإدخال الوقود
أو زيوت وقطع غيار المولدات، في تقويض مباشر للاتفاقيات الإنسانية، وتحويل وقف
إطلاق النار إلى غطاء لتجويع المرضى وإعدام المصابين"، مؤكداً أن ما يجري في
غزة "جريمة موصوفة بالإهمال المتعمد، تُرتكب تحت غطاء الصمت العالمي".
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال لم يلتزم بتطبيق كامل
للبروتوكول الإنساني الذي نص على دخول 600 شاحنة يومياً، تشمل المساعدات الإغاثية
والوقود. ويحذّر من دخول المنظومة الصحية في القطاع مرحلة الانهيار الكامل، بسبب
استمرار أزمة نقص الوقود في المستشفيات، وسط تجاهل دولي متصاعد وتباطؤ متعمد في
إدخال الإمدادات الحيوية.
ويوضح أن الأزمة دخلت "ساعات شديدة الخطورة"،
مع قرب توقف العمل في مرافق طبية مركزية مثل مجمّع الشفاء الطبي والمستشفى الأهلي،
من دون وجود أي مؤشرات على السماح بإدخال الوقود، ويبين أن توقّف المستشفيات في
القطاع لا يعني تعليق تقديم الخدمات فحسب، بل يشكّل كارثة إنسانية وشيكة ستحرم
مئات الآلاف من الجرحى والمرضى من الرعاية الطبية، في ظلّ غياب البدائل، خصوصاً في
مدينة غزة وشمالها، ويضيف: "نحن لا نتحدث عن توقف خدمات فحسب، بل عن مصير
حياة أشخاص بحاجة ماسة لجراحات عاجلة، أو رعاية مركزة، أو غسل كلى، أو حضّانات
أطفال. إنها مسألة حياة أو موت".
العثور على جثة مسؤول