العدد 1672 /16-7-2025


نجح الموفد الأميريكي الى لبنان توم براك في إيقاد جدال سياسي محتدم بين القوى السياسية اللبنانية بعد أن لوح بإعادة الوطن  اللبناني الى بلاد الشام وتفكيك عرى لبنان الكبير ككيان سياسي موحد . وكان نجم براك قد  قبل عدة أسابيع ، عندما بدأ عملية تلاعب  سياسي وإعلامي وافتتحها بالإشادة بالرد الرئاسي اللبناني على الورقة الأميريكية المقدمة الى لبنان حول المعضلة اللبنانية - الإسرائيلية القائمة والتي يتقدمها مسألة إنسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وحصرية السلاح ...

آنذاك صدم الجمع السياسي اللبناني الذي  يتزعمه حزب القوات الللبنانية من إيجابية براك حيال الرد الرئاسي اللبني الذي لا يلبي طموحات ذلك الجمع المعادي للمقاومة اللبنانية . وهذا ما أدى الى تعديل جزئي في خطاب الرجل لدى زيارته معراب حيث سعي الى تلوين مواقفه السلبية من حزب الله وسلاح المقاومة . وقد استكمل براك تلاعبه السياسي المشار اليه إثر لقائه الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع وذلك من خلال الإشادة بوضوح الخيارات السياسية للحكم السوري الجديد . داعيا القادة اللبنانيين والحكم اللبناني الى أن يحذوا حذو الحكم السوري . ولكن المثير في كلام براك كان في إشارته الى إمكانية عودة لبنان الى بلاد الشام في تشارة سياسية غير جغرافية توحي بأرجحية إعادة لبنان الى الحظيرة السورية في حال عدم استجابته للمطالب الأميريكية - الصهيونية المشتركة . عندئذ هبت عواصف القلق والتوجس السياسي خصوصا في الساحة المسيحية اللبنانية التي كانت معارضة للنفوذ السوري في لبنان . وأحرج ذلك  " الجمع " السياسي المرحب بالنظام السوري الجديد ، تحت وطأة الحملة السياسية والإعلامية التي وظفت تصريحات براك ضد رافعي شعار السيادة اللبنانية في مواجهة النفوذ السوري على امتداد أكثر من أربعين عاما والتي ضمت قدامى الرابع عشر من أذار وكافة حلفائهم . وهكذا تم تأمين مادة إضافية للثرثرة السياسية المحتدمة التي تتقدمها الحملات المعادية للمقاومة اللبنانية وكل أشكال التضامن مع المقاومة الفلسطينية التي ما زالت تخوض معارك المصير على أرض غزة الذبيحة الشهيدة .

لا بد للموفد الأميركي أن يتابع جولاته في لبنان وبعض دول المنطقة وان يحاول تنقية تصريحاته من بعض ما يحرج الموقف الأميريكي الداعم (علنا) لاستقلال لبنان ووحدة أراضيه ومن بعض ما يحرج مواقف أصدقاء الإدارة اللبنانية على الساحة اللبنانية . وما زاد من ثقل تصريحات براك النافرة ( المتعلقة بإعادة لبنان الى بلاد الشام ) التطورات الأمنية الأخيرة التي حصلت في السويداء وأدت الى إبقاء المدينة الدرزية الكبرى في موقع التمرد على السلطة الجديدة في سورية وبدعم مباشر وواضح من الجيش الإسرائيلي الذي وجه ضربات قاسية الى القوى الأمنية الرسمية السورية حالت دون إعادة السويداء الى سيطرة هذه القوى . 
وقد أكدت هذه التطورات أن المنطقة مرشحة أكثر من أي وقت مضى الى تقسيمات طائفية عملانية بعيدا عن إعلانات الدول والكيانات . وهذا ماحصل في العراق تماما عندما بقي هيكل الدولة المركزية موحدا ، ولكن الكيانات المعلنة أو غير المعلنة موزعة بين الكرد والعرب الشيعة والعرب السنة . وكذلك الأمر في سورية حيث للتلاوين مزركشة في تنوعها وتوزعها السني - العلوي - الدرزي - الكردي . وهذا ما لن يحجب أشكال النفوذ الخارجي الإسرائيلي - الأميريكي - الروسي - الإيراني - السعودي - التركي ...

كان اللبنانيون قلقون على وحدتهم ومصيرهم وسيادتهم وكيانهم قبل تصريحات توم براك وسيبقون على هذا القلق بعد هذه التصريحات أيضا . وقد أستوقفني تعليق أحدهم على تصريح براك وبلاد الشام عندما قال :
براك يخير اللبنانيين بين والي عكا ووالي الشام ...

ايمن حجازي