العدد 1661 /30-4-2025
أيمن حجازي

في خارطة الإنقسامات اللبنانية ، يبدو المشهد محيرا وملتبسا في كثير من الأحيان . حيث يلاحظ أن التعارض والإختلاف بين الفرقاء السياسيين والطائفيين يكاد يصل الى الذروة في موضوع كبير كموضوع المقاومة ودورها وسلاحها ، ثم لا يلبث أن ينحسر هذا الخلاف لدى وصوله الى منحنيات سياسية وطائفية أخرى . وهذا ما شاهده اللبنانيون وعاينوه في موضوع الإنتخابات البلدية في بيروت وتحديدا في جلسة الخميس الفائت في الرابع والعشرين من نيسان حيث أختلطت الأوراق واختلف بعض المتفقين في الموضوع الأول على بعض تفاصيل الموضوع الثاني . وقد لوحظ أن نواب بيروت التغيريون رفعوا أصواتهم عاليا في وجه السعي الى اللوائح المقفلة في بيروت دون مقاربة موضوع الصلاحيات الموسعة لمحافظ بيروت المسلوبة من مجلسها البلدي .

في وقت اتخذت هذه المواجهة طابعا اسلاميا - مسيحيا عندما تساءل أحدهم عن عدم وجود مناصفة طائفية اسلامية مسيحية في مدن لبنانية أخرى . وهذا ما دفع بالرئيس نبيه بري الى الدعوة الى تشكيل لائحة بيروتية موحدة تشارك فيها القوى السياسية الكبرى وتصان فيها المناصفة المقدسة في وطن التوازن الطائفي المشوه . وكان في رغبة رئيس المجلس النيابي أن يدعو الى لائحة تزكية ينعدم فيها الترشيح المقابل إلا أن ذلك متعذر في ظل وجود رغبة عامة وشاملة بالترشح الموازي . ويعتبر نواب بيارتة كثر أن لا خوف على المناصفة الطائفية المهددة بالتفاوت العددي بين الناخبين المسلمين والمسيحيين من أهل بيروت . ويتسلح هؤلاء النواب بالتجارب الإنتخابية البلدية السابقة في أعوام ١٩٩٨ و ٢٠٠٤ و٢٠١٠ و٢٠١٦ حين حافظت القواعد الإنتخابية الإسلامية في بيروت على المناصفة الإسلامية - المسيحية بشكل إرادي . وتجدر الإشارة هنا الى أن بيانات وزارة الداخلية الصادرة في إنتخابات عام ٢٠٠٥ النيابية ( والتي نشرتها صحيفة السفير آنذاك ) تفيد بأن نسبة الناخبين المسلمين في العاصمة قد بلغت ٥٩ بالمئة وأن نسبة الناخبين المسيحيين لم تتجاوز ال ٤١ بالمئة . ومن المفترض أن تكون الهوة العددية بين الفريقين قد ازدادت بعد عشرين عاما ... وهذا ما يطرح التساؤل عن مدى جدية خوف القوى المسيحية على المناصفة في بيروت . وتستند هذه القوى في خوفها الى تصاعد المشاعر الطائفية في العقدين السابقين من عمر الوطن . إلا أن جهات بحثية محايدة تشير الى ان ما يثير الناخب البيروتي المسلم هو شعوره بالغبن من جراء التوزيع الظالم للمقاعد النيابية في بيروت . وحيث يظهر وفق بيانات وزارة الداخلية نفسها لإنتخابات عام ٢٠٠٥ النيابية أن ٥٩ بالمئة من الناخبين البيارتة يمثلهم تسعة نواب في أن ٤١ بالمئة من ناخبي العاصمة يمثلهم عشرة نواب . وفي ذلك إختلال فاضح وواضح يضرب أسس الديموقراطية وعدالة وصحة التمثيل النيابي ويورث الأحقاد والضغائن التي توحي وتؤكد أننا ما زلنا نعيش في نظام للإمتيازات الطائفية تنعم فيها طائفة بتمثيل مضخم على حساب طوائف أخرى تعاني من عدم تناسب ممثليها في الندوة البرلمانية مع تعداد مواطنيها وناخبيها .

لا ريب أن مواقف الحريرية السياسية القائلة بالمناصفة وبأننا " وقفنا العد " والتي عبر عنها تاريخيا رفيق الحريري ونجله سعد كترجمة فعلية لأهم ما جاء في إتفاق الطائف ، لا تزال هذه الحريرية تقنع الشارع السني البيروتي بجدوى المناصفة وبأهميتها الوطنية كعنصر مطمئن للشريك المسيحي في الوطن . ما يشكل عامل ميداني يضمن عدم جموح القواعد الإنتخابية وإنتهاكها للمناصفة " المقدسة " . ولكن كل ذلك لم يطمئن الجهات المسيحية المعنية بإنتخابات بيروت البلدية ، ما شكل دافعا رئيسيا نحو الإستحصال على ضمانة قانونية للمناصفة المهددة خلال جلسة الخميس الفائت في ٢٤ نيسان الماضي والتي باءت بالفشل رغم دعم العديد من القوى النيابية غير المسيحية لهذا الطرح .

والخلاصة الأكيدة التي ندركها من جراء كل ذلك أننا ما زلنا تحت وطأة السعي السياسي والطائفي والمذهبي البعيد عن الديموقراطية والمتناقض معها . وان الجمع الغفير من القوى السياسية اللبنانية ما زال يسبح في بحور الجشع الطائفي والإمتيازات الطائفية التي لن تنجيه من تداعيات وحبائل التمييز الطائفي وغير الطائفي والظلم الطائفي وغير الطائفي المولد للحروب والنزاعات الموسمية الدورية التي باتت تشكل قانونا راسخا في التاريخ اللبناني الحديث والذي يقوده قادة وساسة متخلفون ورجعيون وأذكياء وجهلة . أذكياء في صراعاتهم الداخلية المحتدمة ، وجهلة في إدراك الأطماع الأجنبية وسياسات الدول الكبرى التي تنتهك الحدود الوطنية وتستغل تناقضات الداخل . إنهم جهلة وسفلة .

أيمن حجازي