العدد 1649 /29-1-2025
ايمن حجازي
انتهت مهلة الستين يوما في اتفاق وقف اطلاق النار
بين لبنان والكيان الصهيوني الذي تم التوصل اليه في السابع والعشرين من تشرين
الثاني الماضي . ولم ينسحب الجيش الإسرائيلي من كامل الأرض اللبنانية ، بالتواطؤ
والتكافل والتضامن مع واشنطن بإدارتيها الحالية والسابقة . واشتعلت إبتداء من يوم
الأحد الماضي مواجهات من طرف واحد نفذ فيها العدو الصهيوني عمليات قتل متفرقة سقط
من جرائها في ذلك اليوم ما يزيد على العشرين شهيدا . كان معظمهم من أبناء القرى
الذين سعوا الى الدخول الى قراهم وبلداتهم القريبة أو المحاذية للحدود اللبنانية -
الفلسطينية .
وقد شكل أهالي القرى العائدون زحفا بشريا سعى الى
خرق الإجراءات الميدانية التي اتخذها الجيش الصهيوني والتي تضمنت قطعا للطرق
وتجريف لها وإقامة سواتر ترابية للحؤول دون نفاذ الأهالي الى أحياء قراهم أو
الوصول الى منازلهم التي حرموا من رؤيتها ولو من بعيد . وقد شكل هذا الزحف البشري
عامل دعم وإسناد للجيش اللبناني الذي واجه اللجنة الدولية المشرفة على اتفاق وقف
اطلاق النار بهذه الحجة القوية المرتكزة الى حق الناس المدنيين في العودة الى
منازلهم . ما ادى الى مجاهرة الطرف الفرنسي المشارك في اللجنة المشار اليها بتأكيد
على حق الجنوبيين في العودة الى قراهم . وقد تبلدت أحاسيس أطراف اللجنة الدولية
المشرفة على اتفاق وقف اطلاق النار وففي مقدمها الطرف الأميريكي أمام الوحشية التي
اعتمدت في سفك دماء الناس وأصحاب الأرض وأبناؤها . وقد صمت اذان الرئيس الأميركي
دونالد ترامب عن سماع أزيز الرصاص ودوي القذائف التي فتكت بالنساء والشيوخ والشبان
المتمسكين بحقهم في أرض الوطن . خصوصا بعد أن أنشغل ذلك الرئيس الجشع والوقح في
السعي لإقناع الرئيس المصري والملك الأردني في استقبال وإيواء عددا من أبناء غزة
الذين لا ينبغي لهم ان يبقوا في وطنهم وفق المفهوم الترامبي - الصهيوني .
وقد تحركت الماكينات الإعلامية والسياسية
اللبنانية المعادية للمقاومة ، التي اتهمت حزب الله بالوقوف وراء زحف الناس الى
قراهم ، حيث طالب رئيس حزب " القوات اللبنانية " سمير جعجع الحكومة
اللبنانية بالإمساك بزمام المبادرة وإيقاف معضلة توجه الأهالي نحو الجنوب . وقد
حرص جعجع في كل ظهوره الإعلامي على إظهار سعادته المستندة الى تحقيق أحلامه بهزيمة
" المشروع الآخر " حتى لو كان على حساب شركاء الوطن الذين قدموا وما
زالوا التضحيات الغالية . وقد حرص الرجل على تقمص شخصية المنتصر في مجريات الأمور
في لبنان والمنطقة مع ما يتضمن هذا الأمر من تضحية بالكثير من الشعارات السياسية
اللامعة بكل أبعادها الوطنية والإنسانية .
وقد كان الإرباك واضحا في منطق الكثير من وجوه
ورموز اليمين المسيحي السابق توجيه أصابع الإتهام الى حزب الله بالوقوف وراء
التحركات الشعبية الجنوبية . حيث كان ذلك المنطق يواجه بالقول : إذا كان حزب الله
قادرا على تحريك الجماهير الجنوبية بهذه القوة والدفق الأهلي والمدني فإن ذلك مؤشر
حاسم على ان هذا الحزب ليس في موقع الهزيمة. الى جانب قوته الأخرى المستندة الى
رصيده الفلسطيني من خلال الوقوف الى جانب المقاومة الفلسطينية وحركة حماس.
أما حكومة الرئيس المكلف نواف سلام ، فإن
الأسبوعين اللذين عبرا من عمر التكليف أثبتا أن نشوة الإنتصار على ثلاثي أمل - حزب
الله - نجيب ميقاتي قد زالت لتحل محلها خلافات تقاسم الحصص. نصيحتي لكم أيها
الأخوة والرفاق هي ألا تضيعوا وتهدروا أوقاتكم في تتبع أيا من الشؤون المحلية
اللبنانية . فإن أردتم جمالا معنويا راقيا فما عليكم إلا أت تتسمروا أمام شاشات
غزة الأبية وأحباب القلب الزاحفين الى ديارهم المماثلة لدار أحباب قلب آخرين في
جنوب لبنان الأبي . والقصة في عمقها الأساس قصة إباء وعزة وكرامة وحق وحقيقة .
أيمن حجازي