العدد 1628 /4-9-2024
ايمن حجازي

لا يفقد الساسة اللبنانيون الوسائل لإيجاد قضايا محلية تفصيلية تملأ فراغ الإنتظار الطويل المتعلق بالخروج من التعقيدات الإقليمية المزدحمة التي تعصف بالمنطقة . وهم ساسة ماهرون في إيجاد مثل هكذا قضايا لأنهم أبناء نظام سياسي ما تزال هياكله صامدة و عصية على السقوط الذي يتوهمه بعض المراقبين والدارسين للبنية اللبنانية الفريدة . فقد استعادت الساحة اللبنانية عناصر الإثارة من خلال العودة الى فتح ملفات الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة . وكان البعض قد لجأ قبل بضعة أيام الى طرح وعود جديدة بفتح ملف الإنتخابات الرئاسية الضائعة منذ قرابة العامين من الزمن .

هذا في الوقت الذي أدخل فيه المواطنون في ضجة إعلامية يقال أنها موجعة ومتعلقة بفرض خمسين دولارا على طلاب التعليم الرسمي يضاف الى رسم التسجيل المدفوع بالليرة اللبنانية . عل ذلك يشغل ولو جزئيا الشعب اللبناني عن العدوان الصهيوني المتصاعد عن جنوب لبنان وقطاع غزة وعن التضحيات الكبيرة المبذولة في مواجهة الوحشية الأميريكية - الصهيونية المشتركة . وكنا قد عشنا على امتداد الأسبوعين الماضيين معضلة خسارة بضع ساعات من التيار الكهربائي يوميا . وهي المدة المتبقية من حق اللبنانيين الطبيعي بالكهرباء ٢٤ على ٢٤ ساعة في النهار . وما رافق ذلك من تداخلات جزائرية وعراقية ومصرية جعلت من تغذية ٤ ساعات كهرباء للمواطن اللبناني قضية قومية ساخنة . ولا ننسى الحرب الإستباقية التي يشنها الوزير الشاب علي حمية في وزارة الأشغال ضد موسم الأمطار القادم والتي عادة ما يشهد إنسدادات وطوفانات في الطرق والأوتسترادات حيث تتعالى الأصوات التقليدية عن الإهمال والتقصير الرسميين التي تتمتع بالحديث عنهما وسائل الإعلام اللبنانية المتذاكية والمرتبطة بالقوى السياسية المشاركة بالسلطة الخفية والظاهرة في الوطن اللبناني الحبيب .

... إذا ، تزدحم القضايا التفصيلية اللبنانية الحاجبة للقضايا السياسية الكبرى في المنطقة وعلى جبهة جنوب لبنان وشمال فلسطين وقبل هذه وتلك على جبهة غزة الشهيدة المخضبة بدمها الزاكي وبشعبها الصابر الأبي . ولا نكشف سرا إن قلنا ان بعض القوى السياسية اللبنانية قد فتح في أزقته الداخلية ملف الإنتخابات النيابية التي يفترض ان تجري في ربيع العام ٢٠٢٦ اي بعد عامين من الزمن . حيث لا نستطيع أن نجزم بإمكانية حصول تلك الإنتخابات من عدمها ، أو أنها إنتخابات قد تجري في ظل فراغ أو شغور رئاسي متمدد لا سمح الله . ويضيف بعض المراقبين الى هذه التفصيلات المحلية قضايا في غاية الأهمية من مثل التمديد لقائد الجيش ، وهو استحقاق يحين أوانه في نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل . وعادة ما يكون مثل هذا الإستحقاق متصل بتجاذبات سياسية محلية ضخمة ومترافقة مع حماسة وحماسة مضادة تبرز فيها العضلات السياسية المفتولة وتنتهي عادة بتسويات براغماتية .

... إنه نظامنا السياسي المجيد الذي لا يخضع لأولويات جامعة وشاملة . فلكل أولوياته ، ولكل همومه ، ولكل تخبيصاته ، ولكل نواياه المعلنة ونواياه غير المعلنة ، ولكل عروضاته الكشفية والعسكرية والرياضية ، ولكل احتفالاته المجيدة ودمائه المقدسة ...

في هذا الخضمما زال البعض يحشد ساحته السياسية والشعبية والطائفية ضد أخطار جمة قد تأتي من أماكن بعيدة ، ولكنها لا ترى الخطر الوحشي الإسرائيلي ولا تعترف بنوايا الكيان الغاصب . المتوحشون فقط هم الذين يستفزون اسرائيل ويمسون بأمنها العنصري المميز .

أيمن حجازي