العدد 1593 /20-12-2023
أيمن حجازي

عندما تعذر على الرئيس نجيب ميقاتي تمرير قرار التمديد لقائد الجيش جوزيف عون ، إنبرى الرئيس الأرفع من بين الرئاسات التي ما زالت على قيد الحياة في لبنان (ألا وهو الرئيس نبيه بري) الى تنكب المهمة والمبادرة الى قيادة المجلس النيابي نحو التمديد للجنرال عون . وهذا ما كان يتعارض مع رغبات جبران باسيل والتيار الوطني الحر ويتلاءم مع تمنيات ومساعي البطريرك الماروني بشارة الراعي . قرار التمديد هذا أظهر حجم العزلة السياسية التي بات يعيشها باسيل والتيار على الساحة اللبنانية ، والتي يعاكسها حزب الله من خلال تمسكه بما تبقى من أشلاء تفاهم ٦ شباط ٢٠٠٦ المنعقد بين الحزب والتيار . وقد عبر الحزب عن هذا الموقف بما لا يلبي متطلبات التيار عندما انسحب من الجلسة النيابية التي أقر فيها التمديد لقائد الجيش .

وقد بات التوصيف العام للعلاقة الشائكة مابين جبران باسيل وجوزيف عون ( المتهم والمدان بعدم الوفاء للتيار الوطني الحر الذي جاء به الى هذا الموقع ) أن ما بين الرجلين ما صنع الحداد . وجملة الموضوع المطروح يعني في ما يعنيه مزيدا من التدهور الموازي بين جبران والتيار من جهة والرئيس نبيه بري وحركة أمل من جهة ثانية ، مع كل ما تحمله هذه الحالة من تعقيدات متراكمة لحزب الله الذي يتوجب عليه استمرار العمل على التوفيق في علاقاته مع حركة أمل والتيار الوطني الحر . وما يزيد من حدة العزلة السياسية الباسيلية هو انفتاح خصوم الرجل على بعضهم البعض بما يوحي بأن التناقض بين هؤلاء الخصوم أقل حجما من التناقض مع جبران باسيل . وقد تمظهر هذا الأمر من خلال اللقاء البالغ الأهمية الذي جمع بين قائد الجيش ورئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية ... وكذلك كان اللقاء بين النائب وائل أبو فاعور والنائب طوني فرنجية .

لا يستقيم الحديث عن عزلة تفرض على التيار الوطني الحر في ظل التنوع اللبناني القائم في البلد ، فالتيار الوطني الحر يمتلك كتلة نيابية مسيحية وازنة وهو ما يؤمن توازنا نيابيا بين التيار وحزب القوات يجعل من كل من هاتين القوتين كفرسي رهان في الساحة المسيحية اللبنانية . ولا يمكن أن ننسى أن حجم الخلاف السياسي القائم بين حزب الله والتيار الوطني الحر قد لا يطيح في أي حال من الأحوال بالعلاقات الثنائية ما بين الجانبين . لأن حزب الله يدرك أن " الدفرسوار " الذي فتحه التيار للحزب في الساحة المسيحية اللبنانية خلال العقدين الماضيين ، تاريخي جدا وهو غير مسبوق وما تزال مفاعيله صالحة حتى هذه الساعة . وأن ما جناه التيار الوطني الحر من توظيف القوة السياسية لحزب الله منذ ان وقف الحاج محمد رعد في مؤتمر الدوحة ( أيار ٢٠٠٨ ) مهددا بفرط المؤتمر إن لم يعتمد قانون الستين الإنتخابي آنذاك ... حتى آخر المواقف التي يمد فيها الحزب يده للتيار حتى في ما يثير حفيظة الرئيس نبيه بري وحركة أمل في بعض الأحيان .

هذا الواقع يجعل إمكانية فرض عزلة كاملة وشاملة على جبران باسيل والتيار الوطني الحر غير ممكنة ، ويمنح الوريث الشرعي لميشال عون هامشا سياسيا أوسع ويدفعه الى التمسك بمواقفه الحادة التي وصلت الى حدود التمرد على البطريركية المارونية في البلاد .

يحصن النائب جبران باسيل نفسه بموقف وطني عربي داعم للقضية الفلسطينية ومؤيد للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ، وإن كان يضع التحفظات المتعددة على فتح الجبهة اللبنانية الجنوبية في مواجهة الكيان الصهيوني نصرة لغزة المذبوحة ، ما يمنحه أرجحية واضحة في الساحة الإسلامية والوطنية وفي الساحة الشعبية العربية ، في مقابل خيارات سلبية ومعادية للمقاومة يلتزمها الغريم المسيحي ممثلا بحزب القوات اللبنانية وحلفائه المتنوعين ، وهذا ما يمنح باسيل والتيار بعدا ايجابيا في البيئة الإسلامية اللبنانية والفلسطينية .

أيمن حجازي