العدد 1674 /30-7-2025

 شهد الأسبوع المنصرم حدثان شيوعيان بإمتياز ، الأول كان إطلاق سراح المناضل  جورج ابراهيم عبدالله من السجون الفرنسية بعد إعتقال دام أكثر من أربعين عاما والثاني كان وفاة الفنان المميز زياد الرحباني . وهما حدثان حركا في الواقع اليساري المتراجع عناصر المقاومة ضد الكيان الصهيوني . وخصوصا المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني للأرض اللبنانية التي ساهم في ولادتها وانطلاقها الشيوعيين اللبنانيين خصوصا في  ثمانينات القرن الماضي . وقد مثلت المناضلة سهى بشارة إحدى رموز تلك الحالة الشيوعية التي ساهمت في تكوين حركة المقاومة اللبنانية بكل أطرها الإسلامية والوطنية وعلى إختلاف النوازع الأيديولوجية .

... في تسعينات القرن الماضي تراجعت حالة المقاومة لدى الشيوعيين لأسباب شتى ، وكاد الإسلاميون السنة والشيعة أن يتفردوا بساحة " الكفاح المسلح " في الساحتين اللبنانية والفلسطينية على حد سواء . وباتت تضحيات المقاومين الإسلاميين  في لبنان وفلسطين غزيرة  ، حيث قدموا لائحة كبيرة من قادتهم أمثال السيد عباس الموسوي وفتحي الشقاقي والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ويحي عياش وعماد عقل وعماد مغنية و... وإنتهاء بالسيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين واسماعيل هنية ويحي السنوار ومحمد ضيف .... واللائحة تطول . ونتيجة عدة عوامل كاد بعض المراقبين أن يقولوا بحيادية اليسار اللبناني والعربي في معركة المقاومة الناشبة بكل محطاتها الكبرى والصغرى . خصوصا عندما شاهدنا بعض الوجوه اليسارية تعزف على أوتار  التناغم أو التعاطف مع مقولات اليمين اللبناني المشهورة المتعلقة بسلاح المقاومة ومشروعيته السياسية والشعبية .

 

ولكن الحدثان " الشيوعيان " المشار اليهما آنفا قد عدلا من هذه الصورة ، فقد ظهر المناضل جورج ابراهيم عبدالله وتألق في مواقفه اللبنانية والفلسطينية والعربية . وبات وكأنه فارس قادم على صهوة النضال والمقاومة من ارض غزة الذبيحة . ولم نعد نميز بين مواقفه المتوهجة وبين مواقف قادة ورموز حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين خصوصا في ما يتعلق بالموقف المصري ( شعبا وسلطة ) من مذبحة غزة وجريمة التجويع الحاصلة هناك  حتى الموت . وشعر الجميع بصدق الرجل وحماسته في مجابهة الصهاينة والأميريكيين ما أعادنا الى أيام كان فيها اليسار اللبناني والعربي يتصدر الجبهات الرافضة للهيمنة الأميركية الظالمة في منطقتنا العربية . وباتت القبيات البلدة الفقيرة الوادعة في عكار محط رحال كل الذين تفاعلوا مع مواقف الرجل الحر الذي حطم قيده بصبر وقوة وجسارة تتناغم مع قوة وصبر وجسارة أسرى الحرية في فلسطين الأبية .

 

أما رحيل زياد الرحباني فقد سلط الضوء وبقوة على إنحياز حاسم من قبل هذا الرمز الفني الإبداعي الذي أصر على التمسك بهويته الأيديولوجية وبمواقفه المقاومة المعادية للصهاينة والأميريكيين  والغربيين . وهو بذلك يحاكي موقف الجماهير اللبنانية والعربية الثابتة على مبادئها بلا تردد أو ضعف أو خمول . لقد أكد زياد الرحباني على عقلانية مميزة عندما انتقد من يصر على طرح موضوع الإلحاد في البيئات الشيوعية المتفرقة حتى بدا وكأنه لا يصر على التسمية ( الشيوعية ) بل إنه يبحث دوما عن فعالية إيجابية في الواقع السياسي تنحاز الى جانب المقاومين وأنصار الحرية والمناصرين بصدق وإباء للفقراء والمضطهدين والمستضعفين في كل مكان بعيدا عن تباين المصطلحات وتناقض بعضها .

من موقع الحرص على تماسك القوى التي تتشكل منها أمتنا وتتشكل منها مجتمعاتنا ، فإن الطموح والتطلع الى تضافر الجهود والإمكانات في مواجهة أعداء الأمة والشعب والوطن حق مشروع وواجب يجب أن نؤديه بجدية وصدق وإخلاص . تحية الى كل المواقف الصلبة التي تم التأكيد عليها في الأسبوع المنصرم على لسان المناضل جورج ابراهيم عبدالله وعلى لسان الفنان المقاوم زياد الرحباني من أرشيفه الزاخر بمثل هذه المواقف .

أيمن حجازي