العدد 1652 /19-2-2025
ايمن حجازي
تعددت
التوصيفات والتسميات التي أطلقت على حكومة الرئيس نواف سلام ، حتى بلغت حد التناقض.
حيث قيل أن هذه الحكومة ستكون متحررة من سطوة الأحزاب السياسية المنتشرة في البلد
، فإذا بها تستحضر من خلال أسماء أعضائهاالأحزاب والطوائف والمذاهب . وهي حكومة لم تكد مراسيم تشكيلها تصدر من
القصر الجمهوري في بعبدا حتى بادر رئيس حزب " القوات اللبنانية " الى
استقبال الوزراء الأربعة الذين يمثلون حزبه في الحكومة وأخذ معهم الصورة
التذكارية . صحيح أن باقي الأحزاب لم تقدم
على خطوات مماثلة ، ولكن بعض زعماء هذه الأحزاب فعل أكثر . مثلما حصل مع الرئيس
السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عندما تولى شخصيا الدفاع عن وزير
الدفاع فايز رسامني في سياق الحديث عن موضوع الطائرة الإيرانية الممنوعة من النزول
في مطار بيروت الدولي .
لقد تم
نفي صفة التكنوقراط عن هذه الحكومة ، ومال رعاة هذه الحكومة الى إطلاق توصيف حكومة
الكفاءات الحزبية أي الوزراء المختارين من قبل أحزابهم وهم من أصحاب الإختصاص كل
في مجاله . على أن يعطى رئيس الحكومة مساحة اختيار واسعة من خلال سلة ترشيحات
متعددة لكل مقعد وزاري تتيح له حرية الحركة التي أراد ان تقوده في معظم إختياراته
الى الجامعة الأميريكية في بيروت كمنتج فعال للكادرات القيادية التي ينبغي أن تحكم
البلد في المرحلة المقبلة . مع ما يتضمن هذا الأمر من إهانة ضمنية للجامعة
اللبنانية وباقي الجامعات الخاصة التي خرجت آلاف الكادرات العلمية المتخصصة عبر
عشرات السنين السابقة . حتى أن حزب الله
كقوة سياسية متعارضة مع كل ما هو أمريكي قد اختار إثنين من الأكاديميين العاملين
في الجامعة الأميركية لتمثيله في الحكومة . وقد بلغت المفارقة هنا أن رئيس قسم
الطب النووي في مستشفى الجامعة الأميريكية الدكتور محمد حيدر قد تولى حقيبة العمل
حيث يثور التساؤل عن العلاقة بين الطب النووي وتنظيم قطاع العمل والعمال ؟
هذه
الحكومة المدموغة بطابع الكفاءات ليست الأولى في التاريخ اللبناني الحديث التي
تتخذ هذا الطابع الذي يبتعد عن التمثيل السياسي والبرلماني . ففي بداية عهد الرئيس
الراحل سليمان فرنجية (١٩٧٠) شكل الرئيس صائب سلام ما سمي ب" حكومة الشباب
" التي خلت من البرلمانيين بشكل قاطع وكانت في معظمها من أهل
"الإختصاص" وقد تولى فيها آنذاك غسان تويني وزارة التربية قبل أن يقدم
استقالته الشهيرة. وقد كرر الرئيس الياس سركيس في بداية عهده (١٩٧٦) تجربة
التكنوقراط مع الرئيس سليم الحص . وكذلك الأمر في بداية عهد الرئيس أمين الجميل
(١٩٨٢) فقد شكل الرئيس شفيق الوزان حكومة ضمت بعض رؤساء نقابات المهن الحرة وأهمها
نقابتي المهندسين والمحامين ولكن هذه الحكومة سقطت مع سقوط اتفاق السابع عشر من
أيار ...
لم يتمكن
الرئيس نواف سلام ومن خلفه الرئيس جوزيف عون من التفلت من " ربقة السياسيين
" ، الا أنهما استكملا مسيرة الإبتعاد عن الشخصيات السياسية التي كانت تحول مجلس الوزراء الى متاريس سياسية
حامية . وهذا ما بدأ مع حكومة حسان دياب واستكمل جزئيا مع حكومة الرئيس نجيب
ميقاتي . ويمكننا القول أننا أمام حكومة تضم شخصيات هادئة وبعيدة عن الإنشغالات
السياسية المبددة للطاقات التي يجب أن تبذل في خدمة الوزارات المعنية . قد يصح
القول أن هذه الحكومة هي حكومة التكنوقراط الحزبي الذي يفضل أن يحمل بطاقات تخرج
من إحدى الجامعات الأميركية في لبنان أو خارج لبنان . وتجدر الإشارة هنا الى أن
النموذج الواضح للتكنوقراط الحزبي في حكومة الرئيس ميقاتي كان بامتياز متجسدا
بالوزير سعادة الشامي كممثل عن الحزب
السوري القومي الإجتماعي ، وهو حزب غائب عن الحكومة الحالية التي ضاقت على التيار
الوطني الحر وكان طبيعيا ألا تتسع للحزب القومي .
حكومة
التكنوقراط الحزبي غاب عنها أيضا تيار المردة وتيار الكرامة ونواب عكار السنة و
... و ... وأحزاب أخرى . في المقابلقيل الكثير عن حصة وزارية وازنة تم اختيارها لتكون في القبضة المشتركة للرئيسين
جوزيف عون ونواف سلام وهذا ما يضبط مسألة التوازنات داخل مجلس الوزراء أو يطيح بها
اذا دعت الحاجة .
أيمن
حجازي