العدد 1495 /12-1-2021
كان الرئيس نبيه بري من أول
وأكثر الناس حذرا من إحتمال مقاطعة تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري للإنتخابات النيابية
القادمة المفترض إجراؤها في الخامس عشر من شهر أيار القادم . حيث وجد بري لهذه المقاطعة
المحتملة مخاطر سياسية بنيوية على الكيان اللبناني تمس بالميثاقية التي اشتهر برعايتها
رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل . وهو الذي أدمن على الإختلاف والإتفاق مع الحريري
ولكنه لا يطيق أن يغادر الأخير الساحة السياسية اللبنانية ويعمد الى الإعتكاف بعيدا
عن كل الذكريات السياسية المشتركة بينهما . وقد سرت في الآونة الأخيرة معلومات ديبلوماسية
في العاصمة اللبنانية تفيد بأن أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية قد بعث برسالة
الى الحريري يتمنى عليه فيها عدم مقاطعة الإنتخابات النيابية .
إلا أن السؤال المطروح في
هذا الصدد يكمن في تحديد الأسباب التي قد تدفع الحريري الى مقاطعة الإنتخابات . ويمكن
إيراد بعض هذه الأسباب على الشكل التالي :
- العلاقة مع المملكة : من
الصعب على الحريري ان يستكمل مسيرته السياسية في ظل غياب الغطاء السعودي الذي كان في
أساس الإنطلاقة السياسية للحريري الأب في تسعينات القرن الماضي . هذا الغطاء الذي كانت
له أبعاد سياسية ومالية ومعنوية عديدة . وقد عانى الحريري الأمرين في السنوات الأخيرة
من جراء اضطراب علاقته مع قيادة المملكة العربية السعودية ، ولم تفلح الرعاية الفرنسية
التي أمنها الرئيس الفرنسي ماكرون للرئيس الحريري في أن تؤمن بديلا عن الرعاية السعودية
.
- انعدام البديل عن التسوية
الرئاسية : لقد شكلت التسوية الرئاسية بين سعد الحريري والعماد ميشال عون وسعد الحريري
في صيف ٢٠١٦ حجر الأساس في عودة الحريري الى الرئاسة الثالثة ، ومنذ ان انفرط عقد هذه
التسوية في عام ٢٠١٩ لم يتأمن عنها بديلا . ما أوجد توترا دائما مع الفريق السياسي
الآخر في البلد والمؤلف من التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي . على الرغم من كل محاولات
تنمية القواسم المشتركة بين الجانبين خصوصا عن طريق لبن العصفور الذي عرضه الرئيس نبيه
بري على الرئيس الحريري في مرحلة من المراحل ولكنه أبى .
- القانون الإنتخابي الظالم
: يعتقد المستقبليون ان قانون الصوت التفضيلي قد ألحق ظلما واضحا بتيارهم وخسف الأرض
بكتلتهم النيابية التي كانت أكبر كتل المجلس النيابي في مجلس ٢٠٠٩ ، ما أدى الى انحسار
تأثير المستقبل السياسي وجعل الرئيس الحريري تحت وطاة ما يمكن ان يطلق عليه تعنتا سياسيا
فاضحا من قبل جبران باسيل الذي صار يمارس دوره كرئيس ثان للحكومة في عهد الحكومتين
الذي شكلهما الحريري في القسم الأول من عهد الرئيس ميشال عون ( ٢٠١٦ - ٢٠١٩ ) . وطالما
ان الإنتخابات القادمة ستجري وفق قانون الصوت التفضيلي فإن هذا الظلم والإجحاف الذي
يشكو منه المستقبليون سيبقى قائما ...
- اضطراب العلاقة مع الحلفاء
: إن الحلفاء السياسيين لتيار المستقبل الذين كانوا يشكلون معسكر الرابع عشر من أذار
قد تفرقوا كل في اتجاه قبل أن يعودوا ويلتقوا على الندم من عقد التسوية مع ميشال عون
حول رئاسية صيف ٢٠١٦ . فالحريري الذي لوح في فترة الفراغ الرئاسي بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦
بإمكانية اللجوء الى خيار سليمان فرنجية في الرئاسة الأولى ، جوبه بتفاهم معراب الذي
أراد من خلاله سمير جعجع الفرار من خيار فرنجية في الرئاسة الأولى ولكنه سرعان ما اكتشف
أنه من خلال ذلك التفاهم كالمستجير من الرمضاء بالنار . وقد أعرب الحريري وجعجع كل
من موقعه عن الندم من الإنخراط في التسوية الرئاسية للأسباب المعروفة والمتنوعة . ولكن
هذا الندم المشترك بات محفوفا بإنعدام الثقة . وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين الحريري
والزعيم الجنبلاطي المنخرط في علاقة ثابتة وحميمة مع الرئيس نبيه بري كأولوية فعالة
تفوق كل الأولويات الموازية التي تأتي من ضمنها العلاقة بين الحريري وجنبلاط .
- معضلة بهاء : من داخل البيت
الحريري برز تصدع مؤلم بين الرئيس سعد الحريري وشقيقه الأكبر بهاء الذي شرع في تأسيس
بنية تحتية تنظيمية وسياسية وإعلامية موازية لتيار المستقبل او من داخله في بعض الأحيان . وتستند تحركات بهاء الى عوامل إتهامية موجهة الى الرئيس سعد الحريري تدور حول التفريط بالحقوق
الحريرية في مواجهة المعسكر الآخر ، ويحاول
بهاء أن يستند الى بعض الرموز التي برزت في حراك السابع عشر من تشرين الأول . وهو يستعد
لخوض الإنتخابات النيابية من خلال هذه الرموز التي تعتبر أن الرئيس سعد الحريري لم
يعد على مستوى التعبير الصادق عن الأمانة الحريرية .
هل تأتلف هذه العناصر لتساهم
في ولادة قرار الإستنكاف عن خوض الإنتخابات النيابية القادمة ؟
هل يعتمد الرئيس الحريري على
تقويم ذاتي ومعطيات ترجح عدم إجراء الإنتخابات النيابية ما يشجعه أكثر على إعلان الإستنكاف
الإنتخابي ؟
هل يكون هذا الإستنكاف المفترض
من خلال عدم ترشح الرئيس سعد الحريري شخصيا في حين يخوض التيار الأزرق الإنتخابات بكامل
قوته ؟
أسئلة تحتاج الى إجابات تؤمنها
الشهور القادمة من عمر الوطن المنكوب والمستنزف شعبه بكل الأزمات والمشكلات والمصائب
.
أـيمن حجازي