العدد 1429 / 23-9-2020
أيمن حجازي
مع
وصول المبادرة الفرنسية الى الحائط المسدود الذي وصلت اليه ، تدخلت جرافة سعد
الحريري لفتح ثغرة في ذلك الجدار من خلال سماح الحريري للرئيس المكلف مصطفى أديب
باءبقاء وزارة المالية في الكنف الشيعي استثنائيا ولمرة واحدة . وبما لا يفيد
تكريس هذه المنحة كعرف دائم لا مفر من الالتزام بموجباته في قابل الأيام . وكان
الأسبوع الأخير من عمر الأزمة اللبنانية الحالية قد انطوى على تصعيد سياسي أبرز
الهوات المتتالية بين الحلفاء فضلا عن الخصوم والمتصارعين والمتعاركين في الميدان
اللبناني الرحب .
فعلى صعيد
الحلفاء برز التباين بين ثنائي أمل - حزب الله والتيار الوطني الحر حول ملكية
وزارة المالية التي يعتبرها الطرف الأول حقا منح له نتيجة مداولات الطائف بما يضمن
التوقيع الثالث، الى جانب التوقيع الماروني والتوقيع السني في قرارات السلطة التنفيذية
، في الوقت الذي ينضم فيه التيار الوطني الحر الى باقي الأطراف السياسية التي
تعتبر أن تلك المداولات التي جرت في الطائف حول وزارة المالية لم تفض الى اعتماد
نص دستوري أو توافق عرفي واضح يفرض ان تكون وزارة المالية الى الطائفة الشيعية ،
وهذا ما اعتبر تهديدا للتحالف بين التيار البرتقالي والثنائي الشيعي خصوصا لجهة
العلاقة المميزة بين حزب الله والتيار ، ويمثل رهانا حيويا للعديد من القوى
المحلية والاقليمية والدولية بغية فك العلاقة المتينة التي تكرست في تفاهم مار
مخايل الموقع في 6 شباط 2006 .
وفي
موازاة ذلك دفعت تلك المعضلة ( وزارة المالية ) بالحزب التقدمي الاشتراكي الى
اطلاق موقف سلبي من حركة أمل التي يحتفظ معها الحزب بعلاقة مميزة ، وقد تمثل ذلك
الموقف بما قاله النائب وائل أبو فاعور من أن تمسك أمل - حزب الله بوزارة المالية
يعتبر بمثابة تشبيح سياسي . علما أن التمسك بهذه الوزارة في أساسه مطلب تبنته
تاريخيا حركة أمل ورئيسها نبيه بري في وقت كان حزب الله يهمل مثل هكذا مطالبات ذات
طابع طائفي أو مذهبي بفعل انغماسه في معارك المقاومة وما تلاها من مواجهات اقليمية
معروفة . ما يضفي على كلام أبوفاعور طابع الاساءة الى علاقة الحزب التقدمي
الاشتراكي بحركة أمل وبالرئيس نبيه بري . وكانت " ملحمة وزارة المالية "
قد جرت الى ميادينها المرجعية الدينية المارونية ممثلة بالبطريرك بشارة الراعي ،
والمرجعية الدينية الرسمية الشيعية ممثلة بالمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى والمفتي
الجعفري الشيخ أحمد قبلان .
وقد افتتح
البطريريك الراعي المبارزة المشهودة بين المرجعيتين حين قال في قداس أقيم على راحة
نفس ضحايا حزب " القوات اللبنانية " أنه يتساءل عن " العلم
الدستوري الذي يبيح لطائفة احتكار احدى الوزرات دون غيرها " ما أطلق كما من
التهم الاحتكارية الى الطائفة الشيعية التي رد مجلسها الأعلى الصاع صاعين متهما
الراعي وما يمثل بمحاولة " الغاء طائفة بأكملها وبالاستعانة بالعصا
الأميريكية وبالجزرة الفرنسية " .
لقد ارتفعت الحرارة الطائفية
والمذهبية في البلد بشكل غير مسبوق وتكاد السلطات الرسمية أن تتحلل قوتها في خضم
الضغوطات الدولية المتداخلة التي تهدف الى وضع اليد على الساحة اللبنانية وتشديد
القبضة عليها بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني الغاصب ويؤمن السيطرة السياسية
والاقتصادية والأمنية على هذه الساحة والساحات العربية المجاورة . ولعل التصعيد المشار اليه يمثل
تهديدا حقيقيا للنسيج اللبناني المتآلف وينذر باشتعال الحروب الطائفية والمذهبية
وازدهارها المشؤوم .
هل
يعتبر موقف الرئيس سعد الحريري بالسماح للرئيس مصطفى أديب مبادرة ايجابية بما يفسح
في المجال أمام تشكيل الحكومة " الأديبية " وينقذ المبادرة
الفرنسية . وان تم تجاوز هذا القطوع ،
ماذا عن تسمية باقي الوزراء ؟ وماذا عن
البيان الوزاري الذي اعتدنا على تعقيداته الكلاسيكية خصوصا لجهة الاستقواء
بالموقفين الأميركي والفرنسي لشطب العبارات الايجابية المتعلقة بالمقاومة اللبنانية
من نص ذلك البيان ؟ وماذا عن دور الرئيس الحريري في استمرار هيمنته على خطوات
الرئيس مصطفى أديب المستقبلية ان قدر لتلك الحكومة أن تولد . وما هي ردود الفعل
الأخرى على هذه الوصاية المفترضة ؟