العدد 1614 /22-5-2024
أيمن حجازي
ما زالت قطر تتصدر السعاة العرب الحاضرين في
القضايا الملتهبة في لبنان وفلسطين ، فهي دولة كانت قادرة على لعب دور توسطي بين
الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية المنتفضة في قطاع غزة . وقبل ذلك كانت
العاصمة القطرية مركزا هاما لمتابعة الإضطرابات اللبنانية السياسية والأمنية منذ
ربيع عام ٢٠٠٨ وحتى وقتنا الحالي .فهي عضو فاعل في اللجنة الخماسية الدولية
المنتدبة على لبنان منذ وقوع الشغور الرئاسي الشهير . ودورها في هذه اللجنة محوري
، خصوصا بعد أن توغلت في الواقع السياسي اللبناني ونسجت خيوط علاقات مع قوى سياسية
لبنانية شتى .
ولم تكتف الدوحة بذلك بل إنها مدت جسورا مع عدد من
الأسماء المرشحة للرئاسة اللبنانية الأولى وفي مقدمها قائد الجيش اللبناني العماد
جوزيف عون والمدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري . وتتميز قطر
من بين أعضاء اللجنة الخماسية بأن لها علاقات غير منقطعة مع حزب الله كطرف سياسي
لبناني ليس له صلاة مع الأميريكين والسعوديين والمصريين وهم شركاء قطر في اللجنة
الخماسية الدولية الى جانب فرنسا . وقد تميزت قطر في الأعوام القليلة الماضية
بأنها مدت يد العون المالي الى الجيش اللبناني الذي يعاني ضباطه وعناصره من شح
مؤلم في الموارد ما أثر سلبا على قدرة عناصر السلك العسكري في مواجهة الأزمة
الإقتصادية والإجتماعية الملتهبة منذ خريف ٢٠١٩ . وقد أنعش هذا الدعم المالي
القطري الوضع الإجتماعي المتهالك للضباط والجنود والرتباء الذين يقومون بدور كبير في
الحفاظ على ما تبقى من استقرار نسبي على الساحة اللبنانية المتصدعة . وقد لاقى هذا
الجهد القطري ردود فعل لبنانية إيجابية ، ساهم في تعزيز الدور السياسي التوسطي
للديبلوماسية القطرية في لبنان .
صحيح ان إحتمال التنافس بين الديبلوماسيتان
القطرية والسعودية وارد ولكن القطريين يسعون بشكل جدي الى عدم استفزاز القادة
السعوديين وهم يبذلون جهودا جدية في هذا السبيل ، ولكن الصحيح أيضا أن التكامل في
الجهود القطرية والسعودية قد يطغى على عوامل التنافس بين الرياض والدوحة . وهذا ما
يدفع بسياسي لبناني كبير تربطه علاقات وثيقة مع السعودية مثل وليد جنبلاط الى أن
يتوجه الى العاصمة القطرية من أجل تدارس السبل الآيلة الى حلحلة الأزمة اللبنانية
الحالية . وتأتي زيارة جنبلاط الى قطر إثر زيارة قائد الجيش اللبناني الجنرال
جوزيف عون الذي يعتبر من المرشحين البارزين للرئاسة اللبنانية الأولى . وقد جاء
كلام جنبلاط في نهاية تلك الزيارة ليؤكد أن حرب غزة ما زالت في بدايتها وأنها قد
تمتد الى العام المقبل . وفي ذلك إيحاء جنبلاطي بالإسراع بإنجاز الإنجاز الرئاسي
اللبناني بعيدا عن تطورات الحرب مع الكيان الغاصب . ولكن مع التأكيد على الصيغة
التي ينادي بها الرئيس نبيه بري بالإستناد الى الحوار المنشود الذي يعمل له بري
منذ أكثر من عام من الزمن وحتى قبل بدء سريان الشغور الرئاسي . وهكذا يبدو جنبلاط
في حركته السياسي منسجما مع الرئيس نبيه بري في دعواه الحوارية ولا نعلم إن كان هذا
الإنسجام مرشحا للتوسع حتى يصل في قابل الأيام الى التفاهم بين الجانبين على دعم
سليمان فرنجية في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى . ليشكل هذا الأمر إستعادة
تاريخية لتأييد كمال جنبلاط سليمان فرنجية الجد في إنتخابات عام ١٩٧٠ الرئاسية .
لن يكون بمقدور قطر أن تلعب دورا حاسما في إجتراح
معجزة إنهاء الشغور الرئاسي اللبناني بشكل منفرد ، ولكنها مرشحة للتفاعل مع
الدورين الأميريكي والسعودي كي تحقق أمرا إيجابيا ما على هذا الصعيد . فتكرر دورها
السابق الذي فعل فعله في أيار من عام ٢٠٠٨ . في هذه الأثناء سيكثر زوار الدوحة اللبنانيين
وتنطلق الرحلات اللبنانية ذهابا وإيابا في إنتظار تصاعد الدخان الأبيض ... كل ذلك
عندما تسنح اللحظة الإقليمية المحتدمة في غزة الأبية التي تكتب تاريخ الأمة بقوة
وجدارة وفرادة منقطعة النظير .
أيمن حجازي