العدد 1437 / 18-11-2020

لقد فرض الواقع الدستوري اللبناني والأعراف الدستورية أيضا آليات سياسية لتشكيل الحكومات في لبنان ، وهي تستند بشكل رئيس الى ميزان القوى النيابي الذي يؤدي الى منح الحكومة ثقة المجلس النيابي أو حجبها . وهذا شأن كافة الديموقراطيات في العالم ، إلا أن الواقع الطائفي في لبنان دفع بإتجاه ما يسمى بالديموقراطية التوافقية المؤدية الى جمع تعايشي عسير بين غالبية القوى السياسية والطائفية التي يؤدي غياب بعضها أو أحدها الى خلل ميثاقي فادح تضطرب من جرائه الساحة السياسية اللبنانية المبجلة .

وقد أدارت دمشق في مرحلة ما بعد الطائف هذه اﻵلية السياسية بما يجعل الغلبة لحلفائها الثابتين والمتحركين على ما عداهم من خصوم وأعداء ورافضين للوجود السوري في البلد . أما في مرحلة ما بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان في عام 2005 فإن ميزان القوى النيابي كان يميل الى مصلحة قوى معسكر الرابع عشر من أذار ، حتى وصل اﻷمر الى بمعسكر الثامن من أذار الى السعى لمجرد الحصول على الثلث المعطل أو الثلث الضامن ليس إلا ، وذلك في مؤتمر الدوحة الذي عقد في أيار من عام 2008 إثر قرارات حكومة فؤاد السنيورة في الخامس من أيار والتي تلتها أحداث السابع من أيار في بيروت وبعض المناطق اللبنانية اﻷخرى . وقد استمر ميزان القوى النيابي مائلا الى مصلحة قوى 14 أذار حتى إجراء إنتخابات ربيع 2018 النيابية التي جعلت اﻷكثرية النيابية في عهدة قوى الثامن من أذار .

- وبما أن حزب القوات اللبنانية قد خاب أملهم من تحصيل ما طمحوا اليه من إتفاق معراب على مستوى التمثيل الوزاري وعلى مستوى الحصة اﻹدارية المتوخاة .

- وبما أن الحزب التقدمي اﻹشتراكي قد حسم من حصته الوزارية ثلثها التي أعطيت لﻷمير طلال أرسلان على الرغم من حصول هذا الحزب على ما يعتقده سبعة مقاعد نيابية درزية من أصل ثمانية مقاعد هي حصة الدروز في المجلس النيابي الكريم .

- وبما أن تيار المستقبل الذي فقد أكثر من ثلث كتلته النيابية ، بات يشعر رئيسه بأن رئيسا آخرا للحكومة يشاطره الرأي والقرار داخل مجلس الوزراء إسمه جبران باسيل .

بات التضرر من وجود هكذا حكومة عاما وشاملا لهذه القوى الثلاث ، على الرغم من أن الرئيس سعد الحريري كان راضيا بما قسم له وهو كان آخر المتململين خروجا من الوضع الحكومي إثر إندلاع نيران الثورة الكبرى المضادة لقرارات محمد شقير التي هددت اللبنانيين في إتصلاتهم الحيوية التي تمثل خبزهم المعنوي الطازج الذي يتناوله يوميا كل من تواجد على مساحة القارة اللبنانية الفسيحة . وقد أنتجت هذه الثورة بدفع ورضى من هذه القوى السلطوية الثلاث شعار حكومة المستقلين البعيدين عن التمثيل السياسي بما يحرم قوى الثامن من أذار من التواجد بحرية داخل أي حكومة يمكن أن يتم تشكيلها .

وإذا كانت عاصفة الكورونا الهائجة قد تمكنت من إضعاف نيران الثورة ما أدى الى تمرير حكومة حسان دياب الى الواقع الدستوري القائم ، فإن إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب الفائت أعاد اﻷمور على هذا الصعيد الى نقطة الصفر ... وعادت نغمة حكومة المستقلين أو الحياديين مدعمة بمبادرة دولية فرنسية لم يستطع أحدا من قوى الثامن من أذار أن يجاهر برفضها على مائدة قصر الصنوبر التي انعقدت بحضور الرئيس الإفرنسي إيمانويل ماكرون . ثم سارت الأمور بإتجاه إحباط حكومة مصطفى أديب عبد الواحد التي أجهضت ولم تبصر النور ، ما أفسح في المجال أمام عودة الرئيس سعد الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة بصفة رئيس مكلف حتى هذه الساعة ...

إن السؤال المطروح حاليا : لما يتعقد تشكيل حكومة الرئيس الحريري ؟ ببساطة ﻷنها لا تستند الى آلية محددة في تشكليها ، وهي تعتمد على دعم فرنسي عاطفي خال من الترجمة الدستورية أو العرفية في الواقع اللبناني . وبات على كل طرف سياسي أو طائفي أو مذهبي أن يبني حساباته على اعتبار أن ما سيتم اعتماده في تشكيل الحكومة الحالية قد يشكل مستندا عرفيا دستوريا تأسيسيا يفرض نفسه لعشرات من السنين القادمة . وهذا ما يشكل في حسابات الطوائف والمذاهب خطورة كبيرة تمس المصالح والمكتسبات والحقوق واﻹمتيازات ، أيا ما تكن الصفات الملازمة لما يتخذ من خطوات ومواقف قد تترسخ وتثبت رسوخا كبيرا . وهذا لا ينفي أبدا وجود عوامل أخرى تساهم في تأخير الولادة الحكومية الميمونة أو تؤدي الي وأدها في مهدها .

ايمن حجازي