العدد 1568 /21-6-2023
أيمن حجازي

يعتقد مراقب سياسي أن معظم المحافل السياسية القيادية اللبنانية قد شهدت همسا متنوعا يدور حول فقدان دور القوة السياسية والنيابية الحريرية في أزمة الشغور الرئاسي الحالي . وقد أوغل هذا المراقب في همسه عندما قال أن هذه الأزمة تفتقد نادر الحريري على وجه التحديد ، وهو الذي لعب دورا فاعلا في التفاوض مع جبران باسيل ماأفضى الى ولادة التسوية الرئاسية الطيبة الذكر المنعقدة في صيف ٢٠١٦ والتي أدت الى وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والى عودة الرئيس سعد الحريري الى السراي الكبير . يبدو أن لعبة المعسكرات والتوازنات تحتاج الى قوة حاسمة كالقوة الحريرية النيابية وليس الى قوة ترجيحية كالقوة الجنبلاطية التي أطلق عليها " بيضة القبان " .

وفي عودة الى تجارب الشغور السابقة نجد أن تكتل الثنائي المسيحي ( التيار العوني + القوات اللبنانية ) لم يؤدي الى حسم المعركة الرئاسية في عام ٢٠١٦ رغم وجود قوة حزب الله الى جانب هذا الثنائي . وان الأمر احتاج الى انحياز الضرورة الحازم من قبل الرئيس سعد الحريري الى جانب هذا الثنائي المسيحي ما فتح الباب واسعا للجنرال ميشال عون كي يصل الى سدة الرئاسة الأولى ، على الرغم من تحفظ الرئيس نبيه بري وحركة أمل .

يمكن القول أن خصوم الحريري يفتقدونه أكثر من حلفائه ، وهذا ما ينطبق على حزب الله والثنائي الشيعي الذي ثبت له أكثر وأكثر أن القوة الحريرية كان تمارس دورا وسطيا فاعلا في أكثر من استحقاق . لا بل إنها كانت تساهم في ترشيد الموقف السعودي وفي حلحلة العقد التي كانت تنشأ في الساحة اللبنانية بين بيروت والرياض . وهنا يمكن القول أن إنكفاء الحريري قد فتح الباب واسعا أمام مزيد من العبث الذي مارسه متطرفو الرابع عشر من أذار في تحريض السعوديين على الساحة اللبنانية . وهذا ما انعكس توترا بالغا بين الحريري وسمير جعجع على وجه التحديد . من جهته الرئيس نبيه بري لم يكن يمزح عندما قال في احدى المناسبات قبل سنتين تقريبا " اننا مستعدون لإحضار لبن العصفور لسعد الحريري كي يبقى في رئاسة الحكومة " . وقد لاحظ الجميع أن معظم وسائل الإعلام كانت تسأل عن موقف كتلة الإعتدال الوطني التي تضم في صفوفها " الحريريون الجدد " وذلك لإنتاج عمليات البوانتاج السليمة قبيل جلسة الرابع عشر من حزيران الجاري . اما وليد جنبلاط فإنه بغياب الحريري عن الساحة فقد الظهير المتين الذي كان يستند الى قوته في أكثر من مناسبة ... حتى التغيريون المتنوعين لا يخفون إفتقادهم لتلك القوة الحريرية خصوصا أن بعضهم له جذور حريرية ومستقبلة كالنائب وضاح الصادق وآخرين أيضا . وفي المقلب الخارجي يزعم البعض أن الفرنسيين متحمسين لعودة سعد الحريري الى الساحة السياسية اللبنانية ولكنهم لا يريدون التدخل في " الشؤون الداخلية السعودية " في إشارة الى أن الثغرة القائمة في جدار العلاقة السعودية - الحريرية ما تزال قائمة وأن أمر معالجتها متروك للجانب الإماراتي وحسب .

في المقابل يرى البعض الآخر أن إدخال إسم الحريري أو إقحامه في صلب أي تسوية رئاسية مفترضة ،أمر غير محبذ بعد تجربة التسوية الرئاسية لعام ٢٠١٦ حيث واجه الحريري عمليات قمع عونية وقعت تحت سمع وبصر الثنائي الشيعي دون أن يجد الرجل نصير أو معين . ولولا الخلاف الذي طرأ بين جبران باسيل والرئيس نبيه بري لكان الحريري قد شعر بالإختناق المبكر ولكان مجبرا على الإستقالة قبل موعد استقالته في خريف عام ٢٠١٩ . وذلك لأن باسيل قد تحول آنذاك الى رئيس حكومة فعلي يحصي أنفاس الحريري ويلاحقه في كبيرة وصغيرة . هل ندم بعض الأطراف السياسية الفاعلة على عمليات التنكيل السياسي بالحريري في عهد الرئيس ميشال عون ؟ لا أعلم .

بالإذن من الحريري ، وبالعودة الى ما هو رائج من إهتمام محلي لبناني بالموفد الفرنسي لودريان القادم على صهوة المقولة التاريخية بأن فرنسا هي الأم الحنون . فإن الواقع قد اختلف عن هذه المقولة القديمة التي كانت توحي بتدخل الأم أو الأن في الملمات التي تصيب العائلة أو الزوجين ، حيث الملمات الحالية أصابت الأبناء والأحفاد وباتت الأم الحنون جدة هرمة تعاني من الشيخوخة . ما يجعل هذه الجدة العجوز (Grandmother) تقتصر في نشاطها وجهودها على الوعظ والإرشاد والدعوات الصالحات ليس إلا ... أما إجتراح الحلول والتسويات فإنها تحتاج الى الكرم والسخاء وبذل الغالي والنفيس وما جرى في الدوحة عام ٢٠٠٨ خير دليل .

أيمن حجازي