أبعاد سياسية لإشكالات بروتوكولية
العدد 1692 /3-12-2025
أيمن حجازي
زيارة بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر الى لبنان
تمت بتفاصيلها الواضحة ومعالمها السياسية الجلية. وانتهت الى تفاسير متباينة تواكب
التباين السياسي بين الأطراف اللبنانية المعنية بالصراع السياسي المحتدم في البلد
. ولكن تلك التباينات المتراكمة تحركت في إطار من الهدوء الذي تفرضه طبيعة الزائر
الدينية والإنسانية التي لا تسمح بقيام صخب سياسي أو إحتدام يسيء الى صورة الزيارة
بنقائها المتوخى والذي يحرص عليه عموم اللبنانيين وقواهم السياسية الفاعلة .
في الشكل برزت إشكالات عملية أدت الى غياب كامل
لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن المراسم والنشاطات وهو الحزب الذي يتمسك
بهويته المسيحية الطليعية ويطرح نفسه حاميا للوجود المسيحي في البلد . ولم تتمكن
النائبة استريدا جعجع من سد الفراغ السياسي للحزب منجراء غياب رئيسه الذي بقي
معتصما في معقله في معراب . ويعود هذا الغياب وفق ما يقال ويشاع الى أن الترتيبات
البروتوكولية خصوصا في قصر بعبدا لم تراعي المكانة السياسية الذي يفترضها حزب
القوات لرئيسه . وقد حل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل هذه الإشكالية
بالغياب ، هذه الإشكالية المتمثلة بعدم وضع أماكن مخصصة لرؤساء الكتل النيابية في
الصف الأول في حفل الإستقبال الذي أقيم في القصر الرئاسي . أما رئيس كتلة اللقاء
الديموقراطي تيمور جنبلاط وزميله رئيس كتلة نواب حزب الكتائب سامي الجميل فقد
أرتضيا بأن يكونا في الصف الرابع أو الخامس في ذلك الحفل . وقد حاول باسيا التعويض
عن غيابه في بعبدا من خلال حضوره في قداس ساحة الشهداء ، حيث تبوأ الرجل مقعدا في
الصف الأول حيث كان الزعيم وليد جنبلاط متواجدا في ذلك الصف .ولكن اللافت ان رئيس
كتلة نواب حزب الله الحاج محمد رعد كان في حفل بعبدا جالسا في الصف الرابع أو
الخامس حيث لم يكتف بإفاد النائبين أمين شري وعلي فياض الى تلك المناسبة بل بادر
الى الحضور والمشاركة دون الإلتفات الى الإشكالية البروتوكولية التي ساهمت في حجب
حضور جعجع وباسيل عن ذلك الحفل . ولأن حزب الله حرص على إبداء إيجابية مميزة حيال
زيارة البابا الى لبنان من خلال الرسالة التي وجهها الى الضيف المحتفى به والتي
كانت رسالة سياسية بإمتياز استحضرت أمورا متعلقة بالعدوان الصهيوني وبعلاقات
الجماعات الطائفية اللبنانية الإيجابية .وقد بادر حزب الله إضافة الى حضور رئيس
كتلته النيابية الى قصر بعبدا ، الى مشاركة شعبية وكشفية على طريق المطار في مراسم
الإستقبال المشهودة . كذلك فإن تلفزيون المنار كان حاضرا في تغطية كل تفاصيل
الزيارة البابوية السياسية والإجتماعية والكنسية .
بطبيعة الحال سيسعى كل طرف سياسي لبناني الى ترجمة
كلمات البابا ومواقفه وفق رغباته السياسية ، حيث بقي الحديث الدائم والمتكرر على
لسان البابا في زيارته اللبنانية عن السلام الإشكالية قائمة . فهل المقصود بالسلام
حث اللبنانيين وشعوب المنطقة ودولها الى السلام مع الكيان الصهيوني أم أن الأمر
متعلق بعلاقات اللبنانيين فيما بينهم ؟ وقد يجيب البعض أن كلا الأمرين كانا
مطلوبين في كلام البابا كي يتحقق سلام لبناني داخلي وسلام عربي - إسرائيلي في
المنطقة . ويضاف هنا الى اللوحة التي رسمها الزائر المغادر وهو على متن الطائرة
العائدة الى روما ، هي العلاقة مع حزب الله حيث أنه لم ينفي ان التقى ممثلين عن
الحزب ، لا بل انه أكد بشكل ضمني هذا اللقاء . وأكد وهو على نفس الطائرة أنه يعبر
عن مواقفه السلمية الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب والى رئيس حكومة الكيان
الغاصب نتن ياهو دون ان يتلفظ بإسميهما . مكتفيا بالقول للصحافي السائل بالقول :
" الأشخاص الذين ذكرا " ، في موقف مميز يرفض فيه أداء الفاتيكان لمساع
سياسية تقليدية مشابهة لمساعي باقي الدول .فالفاتيكان تحرص على التأكيد أنها سلطة
روحية عالمية تعمل بالأسلوب المعنوي الإنساني للسياسة ، وليس بأسلوب المصالح
والإعتبارات السياسية التقليدية السائدة بين الدول .
في صباح اليوم التالي للزيارة تم تسريب أخبار عن
نية رئيس الجمهورية جوزاف عون إيفاد السفير السابق سيمون كرم لينضم الى الوفد
اللبناني المشارك في الميكانيزما ، أو أن سيد قصر بعبدا ينوي إبلاغ الموفدة
الأميركية أورتاغوس أن الدكتور بول سالم سيكون مندوبا للبنان في مفاوضات ما مع
الكيان الصهيوني ، تتم برعاية أميريكية . وذلك دون التنسيق مع الرئيس نبيه بري .
فهل يستند الرئيس عون على الدفع الذي ولدته زيارة البابا للإقدام على خطوة خلافية
كهذه الخطوة . علينا أن ننتظر.
أيمن حجازي