العدد 1655 /12-3-2025
ما يفطر الصائم وما لا يفطره
الأشياء الثلاثة المحددة، التي مُنع منها
الصائمون، من تبين الفجر إلى دخول الليل، هي الأكل والشرب والجماع وما يلحق بهما،
كالدخان والتبغ والاستمناء وغيره، وما عدا ذلك فمحل خلاف طويل بين العلماء، والراجح
أنها لا تفطر، وأكدت ذلك السنة بما جاء في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم
له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي،
ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي".
هل يفطر القيء الصائم؟
وأما القيء فقد جاء فيه حديث أبي هريرة: "من
ذرعه القيء وهو صائم فلا قضاءَ عليه، ومن استقاء فليقض"، وهذا الحديث الذين
أوردوه لم يُصحِّحوه بل ضعَّفوه وأنكروه، فيما عدا الحاكم.
فأما حديث أبي هريرة فيكفي أن أحمد أنكره، وقال:
ليس من ذا شيء، أي أنه غير محفوظ، وقال البخاري: لا أراه محفوظًا، وقد روي من غير
وجه، ولا يصح إسناده، والحقيقة أن التفطير بالقيء لا يتفق مع مقاصد الصيام.
هل الحقن أو الإبر تفطر الصائم؟
اتفق الفقهاء المعاصرون على أن الحقن- إن كانت
تؤخذ للعلاج- لا تفطر، واختلفوا فيما أُخذ للتغذية عن طريق الوريد كالجلكوز وغيره،
والراجح أن هذا لا يفطر كله؛ لأنه لم يتناول طعامًا من المدخل المعتاد وهو الفم.
هل المعاصي تفطر الصائم؟
الصيام عبادة تعمل على تزكية النفس، وإحياء
الضمير، وتقوية الإيمان وإعداد الصائم ليكون من المتقين، كما قال تعالى: ﴿كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكِمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُوْنَ﴾ (البقرة: 183)، وهذا ما نبَّهت عليه الأحاديث الشريفة وأكده تلاميذ
المدرسة النبوية.. يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جنة، فإذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب- وفي رواية: (ولا يجهل)- فإن امرؤٌ سابَّه أو
قاتله فليقل: إني صائم، مرتين" (متفق عليه عن أبي هريرة.
ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تفطِّر
الصائم، فمن ارتكب بلسانه حرامًا كالغيبة والنميمة والكذب أو استمع بأذنه إلى حرام
كالفحش والزور أو نظر بعينه إلى حرام كالعورات ومحاسن المرأة الأجنبية بشهوة، أو
ارتكب بيده حرامًا، كإيذاء إنسان أو حيوان بغير حق، أو أخذ شيئًا لا يحل له، أو
ارتكب برجله حرامًا، بأن مشى إلى معصية، أو غير ذلك من أنواع المحرمات كان
مفطرًا..
وأما جمهور العلماء: فرأوا أن المعاصي لا تُبطِل
الصوم، وإن كانت تخدشه وتصيب منه، بحسب صغرها أو كبرها.
حكم القبلة للصائم
لا حرج على الصائم في القبلة إذا لم يخَف على نفسه
أن تحرك شهوته وتوقعه في المحذور، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّل ويُباشِر وهو صائم وكان أملككم لأربه (متفق عليه)..
أي لشهوته.
إذا أكل أو شرب يظن غروب الشمس أو بقاء
الليل
إذا أكل أو شرب أو جامع يظن أن الشمس قد غربت أو
أن الفجر لم يطلع فبان خلافه فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أن صومه قد يبطل؛ لأنه
فعل ما ينافي الصيام، وهو الأكل في نهار رمضان، وعليه القضاء وإن لم يكن عليه إثم
لخطئه.
من أكل أو شرب ناسيًا
لقد جاء الحكم النبوي بشأن الصائم الذي ينسى فيأكل
أو يشرب وهو غير ذاكر لصومه، فلم يُعتبر أكلُه ولا شربُه في حال النسيان قاطعًا
لصومه، بل هو رزقٌ ساقه الله إليه، وصومه صحيح.. يقول رسول الله- صلى الله عليه
وسلم-: "من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"
(رواه الجماعة عن أبي هريرة).
وما حكم من جامع ناسيًا؟ هل يلحق بمن أكل
أو شرب ناسيًا؟
الظاهر ذلك بمقتضى القياس، ولدخوله تحت عموم رفع
المؤاخذة عن الناسي ولحديث:"من أفطر يومًا من رمضان" فظاهره يشمل
المُجامِع، وإن كان من المستبعد- ولا سيما في صوم الفرض- أن ينسى الرجل وزوجته أو
كلاهما ويقع الجماع نسيانًا!!
هل يفطر الجاهل بالتحريم؟
من أكل أو شرب أو جامع جاهلاً بتحريم ذلك على
الصائم فإن كان قريب عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة بحيث يخفى عليه كون هذا
مفطرًا لم يفطر؛ لأنه لا يأثم، فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص، وإن كان مخالطًا
للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر لأنه مقصر.
هل يفطر المكره؟
لا يفطر المكرَه على الفطر، سواء أدخل المُكرِه
الطعامَ إلى جوفه بغير فعل من الصائم أم أُكرِه الصائم على أن يأكله هو بنفسه على
الصحيح، لحديث: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا
عليه" (رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي بأسانيد صحيحة من رواية ابن عباس، كما
قال النووي في المجموع - 309/6).. هذا ما رجحه الإمام النووي من مذهب الشافعي،
وقال الأئمة الثلاثة: يبطل صومه، وإن كان مكرهًا.
استعمال السواك ومعجون الأسنان للصائم
السواك قبل الزوال مستحب كما هو دائمًا، وبعد
الزوال اختلف الفقهاء، فقال بعضهم: يكره الاستياك للصائم بعد الزوال، وحجته في ذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب
عند الله من ريح المسك"، وقد جاء عن بعض الصحابة أنه قال: "رأيت النبي-
صلى الله عليه وسلم- يتسوَّك ما لا يحصى وهو صائم" فالسواك في الصيام مستحب
في كل الأوقات في أول النهار وفي آخره كما هو مستحب قبل الصيام وبعد الصيام.
أما معجون الأسنان فينبغي التحوط في استعماله بألا
يدخل شيء منه إلى الجوف، وهذا الذي يدخل إلى الجوف مفطر عند أكثر العلماء؛ ولذا
فالأولى أن يجتنب المسلم ذلك ويؤخره إلى ما بعد الإفطار.
ما يستحب للصائم
1- تعجيل الإفطار
ويستحب للصائم تعجيل الإفطار، فقد رغَّب في ذلك
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله.. ففي الصحيحين أنه- صلى الله عليه
وسلم- قال:"لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر" (متفق عليه من حديث
سهل بن سعد، كما في اللؤلؤ والمرجان -668).
2- السحور وتأخيره
ومما سنَّه النبي- صلى الله عليه وسلم- للصائم أن
يتسحر، وأن يؤخر السحور
ولذلك قال: "تسحروا فإن في السحور بركة"
(متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -665).
3- التنزه عن اللغو والرفث والجهل والسبِّ
وينبغي للصائم أن يزداد حرصًا على التنزه عن اللغو
والرفث والصخب والجهل والسبّ والشتم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "الصيام
جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب (وفي رواية: ولا يجهل) فإن سابَّه
أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم" (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -706،707.
4- قيام ليالي رمضان وصلاة التراويح
فرض الله تعالى صيام أيام رمضان، وسن رسول الله-
صلى الله عليه وسلم- قيام لياليه.. فعن أبي هريرة قال: كان رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: "من قام
رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه" (متفق عليه، اللؤلؤ
والمرجان -435)، ومعنى (إيمانًا): أي تصديقًا بوعد الله تعالى، ومعنى (احتسابًا):
أي طلبًا لوجه الله تعالى وثوابه، ومن صلى التراويح كما ينبغي فقد قام رمضان.
5- اغتنام أيام رمضان في الذكر والطاعة والجود
رمضان موسم من مواسم الخير، تضاعف فيه الحسنات،
وتُرجى فيه المغفرة، وتزداد فيه الرغبة في الخير، والمحروم حقًّا من حُرم في هذا
الشهر رحمة الله عز وجل، وإنما تُنال رحمة الله تعالى بالإقبال عليه، والاجتهاد في
ذكره وشكره، وحسن عبادته.
6- الدعاء طوال النهار وخصوصًا عند الإفطار
يستحب للصائم أن يرطِّب لسانه بذكر الله ودعائه
طوال يوم صومه، فإن الصوم يجعله في حالة روحية تقرِّبه من الله تعالى، وتجعله في
مظنَّة الاستجابة لدعائه.