العدد 1654 /5-3-2025
خبَّاب بن مروان الحمد
مقترحات عمليَّة لاغتنام الفرص الرمضانيَّة
وبما أنَّ الفرص كثيرة، والمغانم في هذا الشهر
غزيرة، فحريٌّ بالعبد المؤمن أن يسعى لاكتسابها ويحاول تطبيقها؛ ليخرج من العيش في
ظلاله بنتيجة ترضيه حين يراها في صحائف أعماله ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النور:
24) وإنَّ من هذه الفرص الجليلة:
* (العطاء): فهذا الشهر يعطينا فرصًا كثيرةً
للعطاء وتقديم الخير للناس، وإكرامهم وإسبال الجود عليهم، من قبيل: تفطير الصوَّم،
والتصدق بالمال، وتعليم الناس العلم، والسعي في خدمة المحتاجين والمكروبين، وهو
فرصة لكي يحرص روَّاد وقوَّاد العمل الخيري في شهر رمضان على مزيد من العطاء، وبذل
الإيجابيَّة الفعَّالة في أوساط الناس.
* (العمل): فشهر رمضان يعطيك دفعةً حركيَّةً،
ووقودًا حيويًّا، وطاقةً مستمرةً في العمل، فأنت في هذا الشهر تصلي لله تعالى
القيام وصلاة التراويح، وأنت في هذا الشهر تتصدق، وكان صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم يجاهدون فيه لإعلاء كلمة الله؛ فهو كذلك فرصة للمجاهدين في جميع بلاد
المسلمين المحتلة ليستثمروا طاقاتهم للمقاومة والجهاد للكفار، ونصرة الإسلام
والمسلمين.
* (الإنجاز): فمن صام شهر رمضان كاملاً فقد أنجز
إقامة هذا المشروع الكبير على أتم ما يُرام، وهو بهذا يعطيك دفعةً روحيَّةً لإنجاز
أعمالك والتمرُّن عليها، وترك التسويف والتسويغ غير اللائق، الذي لن يجني المرء
منه سوى الهم والغم.
* (التنظيم): من يتأمَّل هذا الشهر الكريم يجد
دقَّة التنظيم، فلا يُدخِل وقتًا في وقت؛ فللصيام وقت، وللإفطار وقت، وهو بهذا
يكسبك دفعةً إلى الأمام لكي تُحسِن استغلال وقتك بالنافع المفيد، وتحاول تنظيم
وقتك وساعاتك لكي تقوم بالعمل وتنجزه على قدم وساق.
* (الدعوة): فالناس يكونون في هذا الشهر راغبين في
كل خير، كما أنَّه في هذا الشهر تُصفَّد الشياطين، وتكون فيه القلوب إلى الخير
أقرب؛ فهي فرصتك لكي تدعو أقاربك وأرحامك وجيرانك، فهذا الشهر فرصة دعويَّة يستغل
الداعية فيه جميع إمكاناته لنشر دعوة الإسلام لدعوة من يستطيع دعوته من الأمَّة
المسلمة.
* (التكافل الاجتماعي): هذا الشهر الكريم فرصةٌ
ذهبيَّة لبر لوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الإخوان، وحمل هموم الأمَّة
المسلمة بالقيام بأداء حقوقها؛ فيتفقَّد المحتاجين والمعوزين والفقراء والمساكين،
ويقوم بخدمتهم وأداء حقوقهم، ويتعاون مع الجمعيات الخيريَّة ويدلُّها على الفقراء
والمساكين والذين لا يسألون الناس إلحافًا، وكذلك يقوم بإخراج الزكاة إنَّ حان
موعدها في هذا الشهر الكريم، ويصرفها في أهلها الذين يستحقونها، ويشعر بشعور
الضعفاء والفقراء، ويحاول قدر الإمكان أن يقدم لهم خدماته، والله عزَّ وجل سيجزيه
خير الجزاء.
* (تقوية الإرادة): فهي فرصة عظيمة لمبتغي الخير
في هذا الشهر الفضيل، يستطيع من خلالها أن يستثمر روح الإرادة التي جعلته يصوم
نهار رمضان كاملاً، ومن كان كذلك فهو يستطيع أن يقلع عن التدخين، وعن شرب المخدرات
والمسكرات المحرمة، في هذا الشهر وغيره من الشهور، ويسيطر على شهواته ونزواته
وأهوائه ورغباته التي تحول بينه وبين إرادته وعزيمته، وصدق الشيخ مصطفى السباعي إذ
قال: "الصيام رجولة مستعلنة، وإرادة مستعلية" (أحكام الصيام وفلسفته- ص
89 ).
* (تنظيم الغذاء وتخفيف الوزن): فرمضان فرصة
وقائيَّة وعلاجيَّة لمن يودُّون الاعتناء بترتيب غذائهم وتنظيمه، ومحاولة التخفيف
من الأكل والشرب الذي هو في أصله مصلحة للجسم، ولكن إذا زاد عن حده انقلب سوءًا
ومفسدةً على النفس وإضرارًا بها، فيفسد من خلاله الروح والبدن.
* (كسب التائبين): من المعلوم أنَّ الشياطين في
شهر رمضان تصفَّد، فيا حبَّذا استغلال إقبال القلوب على الخير والعبادة؛ فهناك
كثير من التائبين يعلنون توبتهم، ويقلعون عن ذنوبهم ومعاصيهم؛ فهو فرصة للمربين
لكي يبذلوا طاقاتهم في تربية هذه النفوس المقبلة على العبادة، وإفادتها ببرنامح
تربوي لتقوية الإيمان وأواصر الخير في القلوب الكسيرة التائبة.
* (مجازاة النفس): في هذا الشهر فرصة كبيرة
لمجازاة النفس، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فعقوبة لها؛ تردعها عن مطالبها الأمَّارة
بالسوء، ولهذا كان العيد مكافأةً لمن أحسن في هذا الشهر العظيم، وأمَّا من يُسيء
فيه فإنَّه ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ومن خلاله نستطيع أن نلزم أنفسنا
الخير، وأمَّا إن تمرَّدت فإنَّنا نمنعها ونحرمها من مبتغياتها لكي تكون لنا عونًا
على الطاعة.
* (التحفيز): فهذا الشهر يحفِّز النفوس المؤمنة
ويفجِّر الطاقات الكامنة في النفوس للعمل لما يرضي الله تبارك وتعالى، ففيه تحفيز
لمجاهدة النفس، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث القدسي: "يدع طعامه
وشرابه وشهوته من أجلي" (متفق عليه)، كما أنَّ في كل ليلة فيه عتقاء؛ وذلك
بسبب صيامهم وتقواهم لله عزَّ وجل، فهذا التحفيز الكبير للقلوب سبب رئيس في
الاستمرار بالصيام والقيام، فإنَّ: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ
له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه)؛ فأي أجر وأي تحفيز أعظم من هذا؟!
* (التعلق بالمساجد): نستطيع في هذا الشهر العظيم
تعويد أنفسنا على أن تتعلق بالمساجد؛ لكي نكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظلُّه، ومن ذلك انتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فيصلي أحدنا المغرب ويبقى
جالسًا لانتظار صلاة العشاء وينال فضيلة الرباط في طاعة الله، ومن ذلك: قراءة
القرآن والذكر والقيام فيه، والاعتكاف في المساجد في العشر الأواخر؛ للخلوة برب
العالمين، وسؤاله الهداية، ومناجاته في هذه الأوقات لعلَّه يفتح على من دعاه فتوح
العارفين، ويقيه من نار الجحيم، ويدخله جنة النعيم.
* (استغفار الأسحار): فرمضان فرصة للاستغفار في
وقت فضيل يكون أكثر المسلمين عنه غافلين، وهو وقت السحر، وخصوصًا أنَّ هذا الوقت
هو وقت سحوره وطعامه قبل أن يبدأ الصيام مع طلوع الفجر؛ فهذه الفرصة غنيمة باردة،
ينبغي للعبد المؤمن أن يقتنصها للاستغفار في هذا الوقت الفضيل الذي يتنزَّل فيه رب
العالمين، ليغتنم العبد فرصته، ويكتسب غنائم الأجر في هذا الوقت، ولقد ذكر الله من
صفات المؤمنين في محكم التنزيل؛ حيث قال: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾
(آل عمران: من الآية 17)، وقال: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
(الذاريات: 18).