العدد 1429 / 23-9-2020
محمد خير موسى
لم
تقتصر العلاقة المباشرة بين حافظ الأسد والدّكتور سعيد رمضان البوطي على بروباغندا
التديّن التي يمارسها أمامه، بل عضد تلك الممارسات الشّعائريّة التي تدلّ على
تعبّده وقيامه وصلواته وأذكاره ببروباغندا من نوع آخر؛ تقوم على إيهامه بأنّ الأسد
كان مستعدا لإطلاق سراح المعتقلين وإعادة المبعدين لكنّ المشكلة عندهم لا عنده.
كما
مارس تلاميذ وأتباع الدّكتور البوطي هذه البروباغندا التي تقوم على تضخيم دوره
وجعله محوريّا في إعادة العلماء المبعدين وإخراجهم من السّجون؛ فما حقيقةُ ذلك؟
من
خلال تتبّع الحالات التي يُشاعُ أنّ الدّكتور البوطي هو صاحب الدّور الرّئيس في
إعادتها، نخلصُ إلى القناعة الآتية:
كان
دورُ الدّكتور البوطي في هذا المجال ضعيفا للغاية، والحالات التي ساهم في إعادتها
إلى سوريا تُعدّ على أصابع اليد الواحدة. وقد حرص حافظُ الأسد على تقديم بعض الحالاتلإقناع الدّكتور البوطي بأنّه غير رافض
للمبدأ، لكنّه يريدُ ضمان عدم عودة هؤلاء إلى اعمال التّخريب والعنف تارة أخرى؛
فتحوّل الدّكتور البوطي إلى ناقلٍ ومُمْلٍ لشروط النّظام التّعجيزيّة في كثير من
الأحيان، من حيث يدري أو لا يدري.
فعلى
سبيل المثال لا الحصر؛ فقد أشاع تلاميذ الدّكتور البوطي أنّه كان صاحب الدّور
الرّئيس في عودة علماء جماعة زيد بن ثابت في تسعينيات القرن الماضي، وعلى رأسهم
الشيّخ أسامة الرّفاعي والشّيخ سارية الرّفاعي والشّيخ محمّد عوض والشّيخ عبد
الفتّاح السيّد والشّيخ جمال السّيروان، وفي الحقيقة لم يكن دورٌ للدّكتور البوطي
في عودتهم مطلقا، بل كانت عودتهم عن طريق وساطات من خارج الوسط المشيخي والعلمائي.
وكذلك
الشّيخ هاشم المجذوب، وهو من كبار العلماء الذين اعتقلهم حافظ الأسد على إثر فتوى
قدّمها لأحد قيادات الطليعة المقاتلة واسمه يوسف عبيد، متعلّقة بمهاجمة دوريّات
النّظام التي تستهدفهم مع وجود من خرج منهم غير راغب أو مكرها، وقدّم له الشّيخ
هاشم الفتوى بجواز الاستهداف تحت باب "التّترّس" في الفقه. وقد اعتقل
يوسف عبيد ليقتل في سجن تدمر لاحقا، واعتقل الشّيخ هاشم المجذوب عام 1980م وبقي في
سجن تدمر حتّى عام 2000م، ونقل إلى سجن صيدنايا ليفرج عنه عام 2002م.
وكان
الشّيخ هاشم قبل أن يسجن قريبا جدّا من الدّكتور البوطي، فطالبَه كثيرون بالتّوسّط
لصاحبه القديم، فكان يجيبهم أنّه فعلَ وتوسّطَ له لكنّ الشّيخ هاشم عنيد، ويكفيه
أن يكتبَ اعتذارا عن فتواه التي سجن بسببها لكنّه يرفض ذلك.
وفي
الحقيقة أنّ ما كانت تساومُ أجهزة الأمن عليه الشّيخ هاشم ليسَ مجرّد اعتذار، بل
هو كما حدّثني أحد الذين صاحبوه في سجن تدمر قرابة عشرين عاما، فالقيادات الأمنيّة
كانت تطلب من الشّيخ هاشم مقابل خروجه من السّجن أن يتّخذَ موقفا علنيّا يهاجم فيه
جماعة الإخوان المسلمين ويبيّن خيانتها، وأنّ النّظام هو على حقّ، فكان الشّيخ
هاشم يرفض ذلك رفضا قاطعا، على الرّغم من أنّه لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين
يوما واحدا.
وقد
خرج الشّيخ هاشم من السّجن عقب إصابته بجلطة حادّة ومشارفته على الموت عام 2002م،
رغبة من أجهزة الأمن بأن يموت في بيتِه، خشية ما قد يحدث من بلبلة فيما لو مات في
سجن صيدنايا، فشاء الله تعالى أن يبقى على قيد الحياة إلى عام 2016م
وقد
أشاع كثير من تلاميذ الدّكتور البوطي أنّه كان السبب في إخراجه من السّجن، وهذا
غير صحيح أبدا.
ومن
الجدير بالذّكر هنا أنّ الشّيخ هاشم المجذوب استطاع الحصول على كتاب الدّكتور
البوطي "الجهاد في الإسلام كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟"، فشعر بخيبة بالغةٍ
بعد قراءته الكتاب. وقد أفردَ الدّكتور البوطي حيزا من كتابه للردّ على فتوى
التّترس التي سجن بسببها الشّيخ هاشم، غير أنّ الشّيخ هاشم على الرّغم من هذا كلّه
لم يكن يذكر الدّكتور البوطي بسوءٍ أبدا في سنوات سجنه كلّها.
وبعد
خروج الشّيخ هاشم من السّجن زاره الدّكتور البوطي؛ فكان اللّقاء باردا باهتا. حاول
الدّكتور البوطي أن يبيّن للشّيخ هاشم أنّه كان في غنى عن سنوات السّجن التي
قضاها، فقاطعه الشّيخ هاشم قائلا: والله لو دفعنا أموال الدّنيا أجرة لسنوات
السّجن وما حصَّلنَا فيها فنحن الرّابحون؛ فسادَ صمتٌ لدقائق غادر بعدها الدّكتور
البوطي.
وكذلك
فيما يتعلّق بعودة الشّيخ عبد الفتّاح أبو غدّة، فقد أشاع كثيرٌ من أتباع الدّكتور
البوطي وتلاميذُه أنّه كان عرّاب عمليّة عودة الشّيخ عبد الفتّاح، غير أنّ هذا
أيضا غير صحيح، فقد كانت عودة الشّيخ عبد الفتّاح بعد محاولات مضنية وطويلة قادها
تاجر ووجيه حلبيّ اسمه محمّد أمين يكن، على أنّ الدّكتور البوطي كان على علاقة
وتواصل مع الشّيخ عبد الفتّاح أبو غدّة ويحترم علمه ويجلّه ويهديه كتبه، لكنّه لم
يكن له دور حقيقيّ في عودته.
ولكن
من الذين توسّط لهم الدّكتور البوطي لأجل عودتهم إلى سوريا شيخ حمص الكبير، الشّيخ
المعمّر وصفي المسدّي، وهو من كبار علماء حمص وتوفي فيها عن ثلاثةٍ وتسعين عاما
عام 2010م.
لقد
استطاع حافظ الأسد وأجهزته الأمنيّة إقناع الدّكتور البوطي يأنّ المشكلة الحقيقيّة
ليست عندهم في ما يتعلّق بعودة العلماء المبعدين أو إخراج المسجونين منهم، بل هي
عندهم، وقد استجاب حافظ الأسد للدّكتور البوطي في بعض هذه الوساطات ممّا عزّز عنده
هذه القناعة.
فهل
استجاب حافظ الأسد لطلبات أخرى من نوعٍ مختلفٍ طلبها منه الدّكتور البوطي؟