العدد 1640 /27-11-2024

د. وائل نجم

تمكّن المبعوث الأمريكي، آموس هوكشتاين، من التوصّل إلى صيغة وقف إطلاق النار بين حزب الله ولبنان من جهة وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية، ودخل هذا الاتفاق حيّز التنفيذ اعتباراً من الساعة الرابعة من فجر الأربعاء.

غير أنّ هذا الاتفاق اكتنفه غموض كبير بسبب عدم وضوح الكثير من بنوده، أو الضبابية التي لفّتها، والتي يمكن لكلّ طرف أن يفسّرها بما يحلو له. غير أنّ الواضح في الاتفاق أنّه أوقف إطلاق النار فلم يعد أهالي بيروت والضاحية يتعرضون للغارات الهمجية، ولم يعد أهالي الجنوب والبقاع عرضة للغارات وللقصف المدفعي، ولم تعد بقية المناطق اللبنانية عرضة لـ "جدار الصوت" اليومي والذي كان يروّع الأطفال والنساء في كلّ لبنان من دون سابق إنذار. كما وأنّ الاتفاق تكشّف عن تشكيل لجنة خماسية لمتابعة تطبيق بنود الاتفاق، فيها إلى جانب لبنان: حكومة الاحتلال، الأمم المتحدة، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، ومهمّة هذه اللجنة مراقبة ومتابعة تنفيذ الاتفاق. ما سوى هذين الأمرين ليس هناك شيء واضح بشكل جلّي.

غير أنّ الشيء المهمّ الذي لا بدّ من معرفته أنّ الاتفاق أوقف إطلاق النار غير أنّه لم ينه الحرب. فالاتفاق بالنسبة للطرفين هو اتفاق الضرورة التي لا بدّ منها، ولكلّ منهما أسبابه. إنّ هذا الشيء يعني أنّ الحرب ستتواصل وستأخذ أشكالاً جديدة في المرحلة المقبلة، بل ربما كلّ طرف سيعيد بناء قدراته وتنظيم صفوفه واستعداداته ويتحيّن الفرصة من أجل جولة جديدة من القتال بالنار، وبانتظار تلك اللحظة سنكون أمام حرب جديدة بشكل مختلف.

قوات الاحتلال ومن يقف خلفها ستعمل على محاصرة المقاومة والقوى المنضوية في إطارها سياسياً واجتماعياً وعلى المستويات كافة بحيث لا يكون لها قدرة على التأثير في صناعة القرار الداخلي اللبناني، بل تظلّ مجرد لاعب ثانوي في ذلك. وبالطبع فإنّ ذلك سيأخذ لبنان إلى مكان آخر غير المكان الطبيعي الذي ظلّ فيه لعقود من الزمن محتضناً أحرار المنطقة ومقاوميها ليصير نقطة ارتكاز للمشروع القادم الذي يحاول أن يفرض نفسه ويغيّر المعادلات وربما الخرائط في المنطقة بما ينسجم مع مصالح وتطلعات القوى الراعية للاتفاق بمعزل عن مصالح شعوب المنطقة وحتى اهتمامات حكوماتها.

في مقابل ذلك سيعمل حزب الله والقوى المناهضة لمشاريع السيطرة والسطو على المنطقة على إفشال مشاريع السطو تلك بما بملك من قدرات وإمكانيات ما يزال يحتفظ بها، ولعلّ في مقدمها الحاضنة الشعبية، خاصة إذا تمكّن من بلسمة جراحها من خلال التعويض عليها وإشعارها أنّ الثمن الذي دفعته سيكون أقل من صيغة أخرى تعيدهم إلى عقود سابقة.

لبنان بعد اليوم أمام تحدّ جديد لا يعني فقط حزب الله بشكل أساسي، بل يعني كل القوى المؤمنة بضرورة أن تتحرّر المنطقة العربية من المشاريع التي تريد لها أن تظلّ خاضعة للسيطرة بهدف نهب ثرواتها وأكل خيراتها وإدخالها دوماً في صراعات جانبية تلتهم كل القوى الداخلية لصالح أصحاب المشاريع الخارجية الطامعة بكل ما فيه خير عندنا.

بيروت في 27/11/2024