العدد 1635 /23-10-2024

د. وائل نجم

قبل أيام طلب الموفد الأمريكي إلى لبنان، آموس هوكشتاين، موعداً على عجل عند الرئيس نبيه برّي في عين التينة، وجاء يوم الاثنين والتقى الرئيس برّي وعدداً آخر من المسؤولين اللبنانيين، وتركّز البحث عن وقف الحرب في الجبهة الجنوبية، وحمل شروطاً إسرائيلية إلى لبنان على هيئة أفكار لوقف إطلاق النار ووقف الحرب.

المعلن من الزيارة ومن اللقاءات هو البحث في وقف الحرب وتنفيذ القرار الدولي 1701، وهو ما تحدّث عنه صراحة المبعوث الأمريكي حيث قال إنّ العبرة في تطبيق الاتفاق وليس في الحديث عن الإلتزام به؛ بمعنى آخر أنّه لا يطرح استبدال القرار ولا تعديله. غير أنّ المعلن شيء والمطلب الحقيقي شيء آخر.

فقد جرى الحديث عن ورقة إسرائيلية حملها هوكشتاين إلى لبنان تتضمّن شروطاً لوقف الحرب أبرزها : انسحاب مقاتلي حزب الله إلى شمال الليطاني، إعطاء حرية الحركة للقوات الإسرائيلية في منطقة جنوب الليطاني بعد نشر الجيش والقوات الدولية في هذه المنطقة، إعطاء حرية الحركة والعمل للطائرات الحربية والمسيّرة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، إضافة إلى شروط أخرى. وهذه الشروط التي حملها هوكشتاين على هيئة أفكار ليست سوى إقراراً بالهزيمة أمام جيش الاحتلال، والنزول تالياً على شروطه.

والحقيقة أنّ هذه الشروط لا تستهدف حزب الله كحالة مقاومة فحسب، بل تستهدف لبنان بكل أطيافه وفئاته وهي تجاوز واضح على السيادة اللبنانية، واحتلال مقنّع للبنان تستطيع من خلاله "إسرائيل" أن تتدخّل في كلّ صغيرة وكبيرة في الوطن، وهو ترجمة حقيقية وفعلية لما تحدّث عنه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أنّه سيغيّر النظام في لبنان، كمقدمة لتغيير النظام في كلّ الشرق الأوسط والمنطقة العربية حتى تخضع لهيمنته وسطوته وسيطرته.

والحقيقية الثانية أنّ هذه الشروط تكشف عن الأطماع الإسرائيلية بلبنان، والتي كان قد كشف عنها وزير الطاقة الإسرائيلي الذي صرّح أكثر من مرّة وقال إنّه يريد تغيير اتفاق الطاقة مع لبنان وذلك فيما خصّ الحقول النفطية التي كانت محل تفاوض واتفاق قبل نحو عامين، وهو يريد الانقلاب على هذا الاتفاق لأنّه يريد أن يستحوذ على كلّ الطاقة النفطية والغازية المتواجدة في الحقول النفطية سواء عند الحدود القريبة من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، أو حتى في عمق المياه الإقليمية للبنان. وهذا ما يجب أن يدركه اللبنانيون كافّة، فالحديث عن حزب الله، ولكنّ الهدف الحقيقي هو كلّ لبنان دونما تمييز بين لبناني وآخر.

والحقيقة الأخرى هي أنّ لبنان ومقاومته لم ترفع راية الاستسلام إلى الآن، فمقاتلو المقاومة ما زالوا يسدّدون ضربات مؤلمة وموجعة لقوات الاحتلال عند الحافة الحدودية في المواجهات البريّة؛ كما أنّهم ما زالوا يطلقون الصواريخ الموجّهة والدقيقة والعادية تجاه تجمّعات وقواعد قوات الاحتلال العسكرية في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، وفي عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة وصولاً إلى جنوب تل أبيب حتى أنّ المقاومة تمكّنت من استهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال في مدينقيسارية وأصاب غرفة نومه، هذا فضلاً عن إصابات مباشرة في العديد من القواعد العسكرية. بمعنى آخر ما زالت المقاومة ومعها لبنان يملك الكثير من القدرات التي تمكّنه من الصمود وتكبيد الاحتلال الكثير من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، وبالتالي فإنّ لبنان ليس في حالة يرفع فيها راية الاستسلام، وإن كانت الرغبة واضحة للوصول إلى وقف إطلاق النار من أجل التخفيف عن المواطنين النازحين الذين يشكّلون هدفاً أساسياً للعدوان الإسرائيلي بهدف الضغط على حزب الله وعلى الحكومة اللبنانية أيضاً.

خلاصة القول : هوكشتاين حمل شروطاً إسرايئلية تريد أن يعلن فيها لبنان استسلامه أمامها وبالتالي التحوّل إلى شروط أخرى تهتمّ بتركيب وتشكيل النظام الجديد في لبنان الذي سيكون نظاماً ملحقاً بالحكومة الإسرائيلية وهذا ما لم يحصل سابقاً ولن سيحصل حالياً خاصة إذا ما أدرك اللبنانيون هذه الحقيقية والتزموا موقفاً واحداً تجاه هذه الأطماع.