العدد 1655 /12-3-2025
د. وائل نجم
أعمال الفوضى والتخريب، بل ربّما محاولة الانقلاب
أو الانفصال الفاشلة التي قام بها فلول النظام السوري السابق في منطقة الساحل
السوري باءت بالفشل الذريع وولّت إلى غير رجعة، بل على العكس من ذلك فقد كانت
سبباً مباشراً لفكفكة عُقد كانت ما تزال تعيق انطلاق قطار نهضة سورية الحديثة، حيث
كان من نتائج ذاك الفشل لتلك المحاولة توقيع اتفاق بين الحكومة السورية بدمشق
و"قوات سورية الديمقراطية" في شمال شرق البلاد بحيث تنخرط هذه القوات
مدنياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً في الدولة السورية الجديدة، وينتهي بذلك كلّ
حديث عن انفصال أو تقسيم، وتخضع بذلك كلّ الجغرافيا السورية لسيادة وسيطرة الحكومة
في دمشق. كما كان من نتائج فشل تلك المحاولة الاتفاق مع وجهاء محافظة السويداء من
أبناء الطائفة الدرزية على الانضمام الكامل إلى الدولة بعدما كانت فكرة الانفصال
أو على أقلّ تقدير فكرة "الفدرلة" تراود عقول البعض من أبناء المحافظة
في مقابل تمسّك قسم كبير منهم بالدولة ومرجعيتها.
هل يمكن القول في ضوء ما حصل حتى الآن إنّ فكرة
الانفصال والتقسيم سقطت في سورية، وبالتالي في كلّ المنطقة؟
لا شكّ أنّ النوايا التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة
بالانفصال والتقسيم أصيبت بخيبة كبيرة، سواء لدى أطراف في الداخل أو في سياسات
حكومات الخارج، وليس في سورية فحسب بل في بقية دول المنطقة، لكنّ ذلك لا يعني
أنّها انتهت وتلاشت للأبد، فأصحاب تلك النوايا في الداخل ما زالوا حاضرين في المشهد،
وتلك النوايا لدى بعض راسمي السياسات في الخارجلم تتغيّر بعد، غير أنّ الواقع الحالي لم يعد يسمح لهم بتحويل تلك النوايا
إلى أمر واقع حقيقي، وبالتالي فقد باتت هناك صعوبة كبيرة حالياً في الذهاب إلى
خيارات التقسيم والانفصال، وقد كان للموقف الرسمي والشعبي السوري دور أساسي في
إفشال ذلك في سورية وفي المنطقة كما جرى الإشارة إلى ذلك من قبل.
الصراع في المنطقة وعليها لن ينتهي، خاصة وأنّ
ساحات أخرى ملتهبة بشكل كبير كما في فلسطين، وهي متصلة بمختلف الساحات الأخرى التي
تشهد شدّاً وجذباً، والتداخلات الإقليمية والدولية كبيرة وواسعة ومتشعبة؛ ويريد
بعضها إحكام السيطرة على المنطقة بشكل كامل وإخضاعها لهيمنته وجبروته، ويريد بعضها
الآخر استغلالها لمصالحه الخاصة وفي إطار تكريس دوره في المنطقة أو حماية مصالحه
أو استخدامها كورقة للتفاوض من أجل الكسب والبيع والشراء؛ ويريد بعضها الثالث
تقسيمها وتقزيمها من أجل أن يسهل هضمها والتحكّم بثرواتها وأبنائها. بمعنى آخر
فإنّ منطقتنا العربية التي تقع في قلب العالم، وتطلّ على أغلب الممرّات البحرية
التي تتحكّم بالتجارة الدولية البحرية، وترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة لا غنى
للعالم عنها، اليوم هي مسرح الأحداث والغنيمة التي يتقاتل عليها الآخرون ويحاولون
استغلالها ونهبها.
إنّ الحاجة باتت اليوم ماسّة جدّاً لتفاهم وتفهّم
وتكامل عربي وإسلامي في المنطقة يحميها من اللصوص العالميين، الذين يخطّطون لها
ويكيدون لشعوبها وحكوماتها على حدّ سواء، وقد آن الآوان للخروج من الحسابات
الضيّقة ومشاريع الهيمنة والتوسّع تحت أي عنوان، فرقاب الجميع باتت تحت المقصلة،
والاستهداف لا يستثني أحداً على الإطلاق، ولعلّ في وضوح سياسات الرئيس الأمريكي
الذي تحدّث عن تهجير أهل غزّة إلى مصر والأردن، وحديث رئيس وزراء كيان الاحتلال
الإسرائيلي عن إلقاء الفلسطينيين في السعودية، ما يكشف كل النوايا الدفينة
للمشاريع التي تريد النيل من منطقتنا وأمتنا؛ وعليه فإنّ التكامل والتفاهم
والتفهّم مطلوب للتصدّي لكل من يريد النيل من هذه الأمّة.
وبالعودة إلى ما جرى في سورية خلال الأحداث
الأخيرة في الساحل، فإنّ بعض الدول لم تستوعب بعد الأحداث والتطوّرات والمعادلات
الجديدة التي نشأت؛ ربما تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهي لن تعود، وربما
تريد الدخول من جديد في رهانات خاسرة جرّت عليها خسائر فادحة وكبيرة، وهذه
الرهانات لن تجدي نفعاً لأنّها معاكسة لمنطق الطبيعة، وبالتالي فإنّ الخسائر ستكون
أكبر بكثير، هذه الدولة عليها أن تتصالح مع نفسها، ومع محيطها العربي الإسلامي حتى
تنتمي إلى منظومة التفاهم والتفّهم والتكامل التي تحفظ المنطقة لشعوبها وأبنائها
وتقطع الطريق على أيّ استغلال من خارجها.
في ضوء إفشال السوريين لمحاولة تقسيم المنطقة
بدءاً من سورية، هناك فرصة تاريخية للجميع للم الشمل وقطع الطريق على كلّ السياسات
التي تريد أن تتحكّم بالمنطقة وتعمل على نهبها.
د. وائل نجم