العدد 1673 /23-7-2025
د. وائل نجم
شهد
الأسبوعان الأخيران تطوّرات خطيرة في سورية تمثّلت بشكل رئيسي بما حصل من أحداث
واشتباكات في محافظة السويداء جنوب سورية كادت تُخرج الأمور عن نطاق السيطرة،
وتُدخل سورية في أتون فتنة لا تُبقي ولا تذر، وتكون مدخلاً لتقسيم البلد إلى دويلات
تقضي على طموح الشعب السوري في إقامة دولة متقدّمة مزدهرة متطوّرة لكلّ أبناء
الشعب السوري، غير أنّ الشعور بخطورة ما جرى دفع الحكومة من ناحية والقوى الضامنة
للاستقرار في سورية من ناحية ثانية، والدول العربية الشقيقة من ناحية ثالثة لبذل
أقصى ما يمكن من جهد من أجل إرساء الاستقرار والهدوء والحفاظ على وحدة الأراضي
السورية والشعب السوري. وقد تزامن وترافق ما جرى مع مجموعة مفارقات أبرزها:
المفارقة
الأولى أنّ العديد من الشخصيات السورية والعربية التي كانت تُصنّف في خانة
الوطنيين وخارج إطار المربعات الطائفية والمذهبية، كشفت عن وجهها الحقيقي من خلال
تبنّي وجهة نظر مذهبية بعيداً عن الحقّ والحقيقة وكلّ أشكال الوطنية التي كانت
مزعومة.
المفارقة
الثانية أنّ الكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية
قفزت فوق بعض الحقائق وتجاهلتها من أجل بناء سردية تخدم أجندات سياسية وإقليمية
بعيداً عن الموضوعية والحيادية والشفافية، وعلى سبيل المثال في هذا السياق، فإنّ
العديد من وسائل الإعلام راحت تروّج، عن قصد أو عن جهل، رواية ارتكاب مجازر من قبل
وحدات الأمن الداخلي والجيش كما لو أنّ هذه الوحدات شنّت حرباً على منطقة
السويداء، وتجاهلت وسائل الإعلام هذه أنّ وحدات الأمن الداخلي والجيش دخلت إلى
المنطقة لتفضّ النزاع والاشتباكات بين فصائل ومسلّحين ومحلّيين، وتعرّضت خلال هذا
التدخّل لكمائن من قبل فصائل معروفة وسقط للأمن الداخلي والجيش مجموعة كبيرة من
الجنود والعناصر قتلى في هذه الكمائن، ما حدا بها للردّ على الاعتداءات. كما وأنّ
العديد من وسائل الإعلام تجاهلت مقاربات الدولة لحلّ أزمة السويداء من خلال
الحوارات التي امتدت لبضعة أشهر، وأنّ الدولة لم تُدخل قواتها إلى المحافظة
بالقوّة، وفضّلت الحوار، ولكن ذلك قوبل بالرفض الدائم، والتمسّك بمواقف تريد جرّ
المحافظة إلى مواجهات وصدامات من أجل طرح انفصال المحافظة عن الدولة. لقد تجاهلت
بعض وسائل الإعلام كل ذلك، ووجّهت نحو اتهام الدولة بتجاهل السويداء ومطالبها
فضلاً عن "الاعتداء" عليها كما لو أنّه بين الدولة وهذه المحافظة ثارات
قديمة.
المفارقة
الثالثة أنّ بعض الشخصيات السياسية في سورية وخارجها راحت تروّج وتشعل نار الفتنة،
وراحت تصبّ الزيت على النار، وتتوسّل التدخّل الإسرائيلي في سورية، في وقت تتغنّى
بالوطنية والقومية ومعاداة الكيان الإسرائيلي؛ كما راحت تسوق الاتهامات الكاذبة
والمفضوحة للحكومة السورية وقيادتها في حملة تحريض مكشوفة ضد سورية ومستقبلها.
المفارقة
الرابعة أنّ بعض القوى والأحزاب العربية التي تناصب الكيان الصهيوني العداء،
وتنادي بالوحدة العربية وترفض التقسيم، وتعرف جيّداً أنّ مقصّ التقسيم إذا عمل في
سورية فإنّه سيطال كلّ دول المنطقة وشعوبها، ومع كلّ ذلك وقفت تدافع عن دعاة
التقسيم والانفصال والاستنجاد بالإسرائيلي.
الحقيقة
أنّ أحداث السويداء المؤلمة وبغضّ النظر عن أسبابها ومسبباتها وأدواتها ونتائجها
غير أنّها كشفت الكثير من الوجوه وعرّت الكثير من المواقف التي باتت معروفة
ومكشوفة ومفضوحة، غير أنّه في النهاية "لا يصحّ إلاّ الصحيح"، سورية
سبتقى واحدة موحّدة ولكلّ أبنائها، وأمّا الطارئون فإلى مزبلة التاريخ.
بيروت
في 23/7/2025