العدد 1519 /6-7-2022
ضجّت المواقع الأخبارية خلال
الأيام الماضية بخبر إعلان حزب الله إطلاق ثلاث مسيّرات غير عسكرية ناحية المنطقة
الحدودية البحرية وبالتحديد ناحية حقل "كاريش" الذي تعمل حكومة الاحتلال
الإسرائيلي على البدء باستخراج النفط والغاز منه. لقد أعلنت وسائل الإعلام
الإسرائيلية أنّ قواتها تمكّنت من إسقاط هذه المسيّرات قبل أن تصل إلى الحقل،
بينما أعلن حزب الله أنّ الهدف الذي أرسلت من أجله قد أُنجز وأنّ الرسالة وصلت.
ولاحقاً اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ إرسال المسيّرات أعطى تأثيراً عملياً لتهديدات
حزب الله.
في المقلب اللبناني خرج عن
لقاء جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير خارجيته عبد الله بوحبيب
موقف تتبرّأ فيه الدولة اللبنانية من هذا الفعل وتعتبره خارج عن إطار قدرتها وعن
إطار الدبلوماسية، وركّز الموقف على تفعيل الوساطة الأمريكية وعلى ثقته بها.
وبغض النظر عن الموقف من
إرسال مسيّرات مدنية أو عسكرية ناحية حقل "كاريش" ومدى انسجامه مع سيادة
الدولة وقرارها الحرّ المستقل، وهذا بحث آخر، وبغض النظر عن موقف اللبنانيين
أفراداً وجماعات من قضية ترسيم الحدود مع عدو يحتّل الأراضي الفلسطينية ويسرق الحق
الفلسطيني ويتطلع إلى سرقة الحقوق اللبنانية، وبغض النظر عن مهزلة الخطوط التي
يجري الحديث عنها ما بين الخط واحد وخط هوف والخط 23 والخط 29 والخط المتعرج وما
أدري ما الذي يمكن أن يولد غداً من خطوط أخرى،غير أنّ القضية الأساسي الآن هي في الحفاظ على الثروة الوطنية اللبنانية،
وعدم التفريط بها بأي شكل من الأشكال، وعدم السماح أيضاً لكيان الاحتلال
بالاستفادة من حقل "كاريش" أو من غيره في حال لم يستفد لبنان من حقوله
النفطية والغازية في اللحظة التي يعاني فيها من ضائقة اقتصادية صعبة جدّاً.
القضية الأساسية الآن هي ليست في مدى انسجام
الفعل الذي قام به حزب الله بإرسال المسيّرات ناحية حقل "كاريش" مع
المنطق السيادي الذي يراه ويريده بعض اللبنانيين على أهمية ذلك. القضية الأساسية
الآن هي في كيف يمكن للدولة والقيّمين على هذا الملف تحديداً، كيف يمكنهم الإفادة
من أيّ عنصر قوّة في مفاوضاتهم غير المباشرة من أجل تثبيت الحقوق اللبنانية في هذه
المنطقة المتنازع عليها. القضية الأساسية أنّهم يدركون أنّ الوسيط الأمريكي الذي
يعلّقون الأمل عليه هو أحد جنود قوات الاحتلال ما بين الأعوام 1992 و1995، وهو
أيضاً يحمل جنسية دولة الاحتلال المزعومة، فكيف يكون وسيطاً نزيهاً؟! ثمّ إنّ
الأنباء حملت أنّ ردّ الوسيط الأمريكي على المقترح اللبناني، الذي بالمناسبة يراه
الكثير من اللبنانيين دون المستوى المطلوب، هذا الردّ الأمريكي مخيّب للآمال، فقد
نقل أنّ كيان الاحتلال خلال شهرين إذا لم تسفر الوساطة عن قبول لبنان بما تريده
حكومة الاحتلال فإنّها ستشرع في عمليات استخراج الغاز والنفط، فماذا يملك هؤلاء من
عنصر قوّة في أيديهم يضعون بها حدّاً لهذه الغطرسة الإسرائيلية المدعوة والمرعية
كما كلّ مرّة أمريكياً؟
بغض النظر عن موقف اللبنانيين
المنقسم حول سلاح حزب الله والمختلف عليه، وهذا موقف قد يكون من حقّ أي لبناني أن
يحتفظ به، غير أنّ هذه المرّة، وهذه المسيّرات بهذا الشكل ما كان يجب أن تثير هذه
الزوبعة في الداخل اللبناني في اللحظة التي قال فيها حزب الله علناً وبلسان أمينه
العام أنّه خلف قرار الدولة اللبنانية فيما يتصل بمسألة الحدود البحرية. هذه
المرّة لبنان بحاجة لتثبيت حقوقه بأيّ شكل من الأشكال، حتى لا تذهب هذه الحقوق
سدىً، ومنطق السيادة الجقيقي يقتضي تثبيت هذه الحقوق حتى لا يسرقها الإسرائيلي
وأطماعه معروفة وواضحة بمياهنا وثرواتنا وطاقتنا وأرضنا وكل ما نملك. منطق السيادة
الحقيقي يقتضي عدم تعليق الآمال على وساطة لطالما كان أصحابها منحازين إلى جانب
كيان الاحتلال، ولطالما أكّدوا في كل مواقفهم على ضمان أمنه وتفوّقه في المنطقة. منطق
السيادة الحقيقي أيضاً يقتضي تعديل الحدود البحرية وفق الخط 29 طالما أنّ مؤسسة
الجيش التي يثق بها كلّ اللبنانيين هي من قالت ذلك ووثّقته وفقاً لخبرتها وللمسح
المهني الذي قامت به وأجرته في المنطقة الحدودية، وعدم الانتظار حتى يتم المساومة
على منطقة بحرية تصل مساحتها إلى حوالي 1400 كلم2. لكلّ ذلك كان يجب الإفادة من
هذه الفرصة بغض النظر عن الموقف منها لفرض أمر واقع في معادلة المفاوضات التي تجري
بورة غير مباشرة ومن أجل تثبيت الحقوق اللبنانية كي لا تُسرق كما سُرقت حقوق من
قبل.
د. وائل نجم