العدد 1669 /25-6-2025

        تبدو الساحة اللبنانية هادئة جدا على غير عادتها في الأحداث الكبيرة التي كانت تعصف في المنطقة والعالم ، ولا سيما فيما يتعلق بالمواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية واسرائيل والتي توقفت بعد اعلان الرئيس ترامب وقف إطلاق النار بين ايران واسرائيل بعد مرور12 يوم من المواجهات بين الطرفين.

      هذا الوضع لايعتبر مفهوما بالنسبة الى لبنان واللبنانيين خصوصا ان ايران لها امتدادات كبيرة على الساحة اللبنانية لا تشمل فقط حزب الله وحركة أمل بل تشمل أيضا فصائل واحزاب لبنانية وفلسطينية كثيرة على طول الساحة اللبنانية ، ومع ذلك فإن ردود الفعل على ضرب إيران من قبل اسرائيل وأميركا خجولة جدا وفي اضيق نطاق ، وحتى حزب الله الحليف الرئيسي لإيران يكتفي فقط ببيانات الإدانة والاستنكار للعدوان الأميركي_الاسرائيلي على ايران ، ولم يقم حتى بتظاهرة شعبية في الضاحية او بيروت استنكارا لهذا العدوان.

       وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا هذا الصمت اللبناني الرسمي والشعبي على العدوان الاسرائيلي على ايران ؟

       البداية اولا من الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه رئيسا الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام.

       بعد القصف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية في اصفهان وفوردو وناطنز وهو التطور الأبرز في الحرب القائمة بين ايران واسرائيل صدر عن الرئيسين عون وسلام بيان جاء فيه : أجرى رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، اتصالاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تم خلاله البحث في التطورات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، وانعكاساتها المحتملة على لبنان.

      وقد جرى الاتفاق على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين، والعمل المشترك لتجنيب لبنان تداعيات هذه الأوضاع، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، والحفاظ على وحدة الصف والتضامن الوطني.

وسبق ذلك البيان موقف لافت للرئيس عون بعد القصف الأميركي لايران قال فيه : أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ "لبنان قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، انه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لاسيما وأن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال".

       وهذا الموقف للرئيس عون من الحرب بين ايران واسرائيل لايختلف كثيرا عن موقف معظم القيادات اللبنانية ، حتى ان حزب الله الحليف الرئيسي لإيران اكتفى ببيان دان فيه العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران وجاء فيه إن : «العدوان الأميركي الهمجي الغادر على المنشآت النووية السلمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية كأكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويشكّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي والإنساني واتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استهداف المنشآت النووية واستخدام القوة ضدّ دولة ذات سيادة، ويُعدّ تصعيدًا جنونيًا وخطيرًا غير محسوب، يُنذر بتوسيع دائرة الحرب ويدفع المنطقة والعالم نحو المجهول إذا لم يوضع له حدّ، ولم تتخذ المواقف الرادعة له» ، وأضاف بيان حزب الله : " أنّ أميركا هي الراعي الرسمي للإرهاب ولا تعترف لا بمواثيق دولية ولا قوانين إنسانية ولا تعهدات ولا التزامات". وأكّد " تضامننا الكامل مع الجمهورية الإسلامية، قيادةً وشعبًا»، داعياً «الدول العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم إلى الوقوف إلى جانب الجمهورية الإسلامية في مواجهة العدوان الأميركي والإسرائيلي" .

أما باقي القوى والاحزاب اللبنانية فقد اكتفت اما بالصمت او بإصدار مواقف ادانة خجولة للضربة الأميركية على المنشأت النووية في ايران.

       فما هو السبب في هذه المواقف الخجولة من العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران ؟

هناك عدة أسباب منها :

-       التغير في موازين القوى في المنطقة بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان في شهر ايلول 2024 ، والذي ادى الى اضعاف قدرات حزب الله ، فضلا عن المتغير الأبرز في المنطقة وهو سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية ، وهو ما ادى الى قلب موازين القوى في المنطقة رأسا على عقب .

-         وصول قيادة سياسية جديدة الى رئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان بعيدا عن سلطة ونفوذ حزب الله  تحظى بدعم دولي وعربي ، تريد بناء لبنان جديد ومختلف عن السابق.

-         وجود جو شعبي عام في لبنان يقول لقد اكتفينا من الحروب على ارضنا ، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي الاخير على لبنان والذي ادى الى دمار كبير في الجنوب والبقاع ، وكذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت.

      بالخلاصة لبنان واللبنانيين رغم رفضهم للعدوان الاسرائيلي _الاميركي على ايران ، وإدانتهم لهذا العدوان الا انهم لا يريدون الدخول مجددا في مواجهة مع اسرائيل ، وهذا يفسر ردود الفعل اللبنانية الرسمية والحزبية وحتى الشعبية على المواجهة بين اسرائيل وايران. فهل تغير لبنان واللبنانيين أم أن المنطقة دخلت في الشرق الأوسط الجديد ؟

   
  

بسام غنوم