العدد 1685 /15-10-2025
د. وائل نجم
عشرة
أشهر بالتمام والكمال مضت على الحكم السوري الجديد في دمشق حتى قرّر إيفاد أول
شخصية رفيعة المستوى إلى بيروت، حيث وصل إلى العاصمة وزير الخارجية السورية، أسعد
الشيباني على رأس وفد سورية كبير يوم 10/10/2025، هذا علماً أنّ المسافة بين دمشق
وبيروت لا تتجاوز مسافة ساعة سفر بالسيّارة في حيث طاف الشيباني عواصم القرار
بدءاً من واشنطن ونيويورك وصولاً إلى موسكو مروراً بباريس وبرلين فضلاً عن عواصم
الأشقاء في الرياض والدوحة والقاهرة وأنقرة وغيرها، فلماذا تأخرت زيارة المسؤول السوري؟
وماذا حمل معه فيها؟
الحكم
السوري الجديد في سورية رسم لنفسه أولوية قبل كل شيء التركيز على فرض الاستقرار في
البلد، والعمل على رفع العقوبات والحصار الذي كان مفروضاً على سورية أيّام النظام
البائد، وإعادة تشكيل الدولة ومؤسساتها من جديد، وبالتالي فقد انصبّ جهده خلال
الشهور الماضية على هذه الاستحقاقات من دون أن يعني ذلك عدم الاهتمام أو الاكتراث
للعلاقات مع دول الجوار العربي، وفي المقدمة منها لبنان، ولعلّ هذا ما جعل الزيارة
تتأخّر إلى هذا الوقت، من دون أن يكون لدى دمشق وقيادتها الجديدة أيّ موقف سلبي
تجاه لبنان، وإن كان لديهم مأخذاً على بعض القوى والجهات السياسية اللبنانية التي
انخرطت بالدفاع عن النظام البائد، من دون أن يشمل ذلك لبنان الدولة أو الشعب الذي
وقف موقفاً مشرّفاً خلال سنوات الثورة إلى جانبها وإلى جانب الشعب السوري؛ وقد
أكّد على هذه المعاني الرئيس السوري، أحمد الشرع، أكثر من مرّة خلال لقائه
واستقباله مسؤولين لبنانيين خلال الشهور السابقة.
وبالعودة
إلى زيارة الوزير الشيباني فقد كانت زيارة إجرائية ركّزت على ملفات تنفيذية تتصل
بملف الحدود والموقوفين السوريين في السجون اللبنانية وملف اللاجئين بشكل أساسي، والتقى
الوزير خلالها رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية، وأسقط من جدول لقاءاته
رئيس المجلس النيابي نبيه برّي علماً أنّه أبرز شخصية سياسية رسمية في لبنان ولكنّ
موقعه ليس تنفيذياً إنّما تشريعي، وهنا ربّما تكون الرسالة السياسية المخفية التي
أرادت الحكومة السورية تسجيلها، ومفادها أنّها كما لا تتعامل مع شخصيات سياسية
خارج إطار المواقع الرسمية، فهي لن تتعاطى حتى مع شخصيات رسمية خارج إطار الملفات
المطروحة، وربما يكون هذا العنوان الذي قاربت فيه أو اعتمدته لشرح حيثيات الزيارة،
ولكن يبدو في عمق هذا الإجراء يكمن موقف سياسي تجاه الرئيس برّي ليس على مواقفه
السابقة من النظام السوري البائد ودعمه السياسي اللامحدود له، ولا على انتمائه
وتمثيله للطائفة الشيعية في لبنان، إنّما على دعمه وتغطيته لمواقف وسياسات حزب
الله في البلد حتى بعد إسقاط النظام السوري البائد، وحتى بعد كلّ المتغيّرات التي
حصلت في المنطقة، هذا علماً أنّ الرئيس الشرع تحدث عن طي صفحة الماضي مع حزب الله
بالنظر إلى تحدّيات المرحلة الحالية والمستقبلية، سواء بالنسبة للبنان أو بالنسبة
لسورية.
لقد
حمل الوزير السوري ملفات مهمّة إلى لبنان ووضع الكرة الآن في ملعب المسؤولين
اللبنانيين. أعلن عن إلغاء المجلس الأعلى السوري اللبناني الذي كان قد تشكّل زمن
الوجود السوري في لبنان، والذي كان بديلاً عن العلاقات الطبيعية بين البلدين.
وأعلن الوزري السوري الوقوف على مسافة من كلّ اللبنانيين، وأشار إلى أنّ الكثير من
السياسيين اللبنانيين يرغبون في زيارة دمشق ولقاء القيادة السورية التي تفضّل
التعامل من دولة إلى دولة، ولا تريد زمن الزبائنية في العلاقة بين الجانبين. أكّد
وشدّد على عدم التدخّل في الشأن الآخر، وبحث الملفات التي جاء من أجلها ووعد
بالايجابية الكامل من أجل إيجاد الحلول لها. كما حمل دعوة رسمية من الرئيس الشرع
للرئيس جوزيف عون لزيارة سورية، وتأكيد حرص الرئيس الشرع على أفضل العلاقات مع
لبنان، والشيء بالشيء يُذكر في هذا السياق، حيث سُجّل على رئيس الجمهورية موقف غير
موفّق فيه عندما استقبل قبل زيارة الوزير الشيباني بأيام قليلة (48 ساعة) رئيس حزب
التوحيد اللبناني وئام وهّاب، في القصر الجمهوري وهو المعروف بمواقفه السلبية من
الرئس السوري والنظام الجديد، وتصل الأمور معه على مواقع التوصل الاجتماعي إلى
حدود شتم وسبّ الرئيس السوري حتى أنّه نُقل أنّ القضاء السوري ادعى عليه وبات
مطلوباً للحكومة السورية؛ فبدت زيارة وهّاب إلى القصر الجمهوري بتوقيتها، واستقبال
الرئيس له كما لو أنّها وقبل استقبال الوزير الشيباني كما لو أنّها تحمل رسالة
سلبية للحكومة السورية والنظام الجديد في دمشق وليس في ذلك أيّ مصلحة للبنان، خاصة
وأنّه لم يبدر من النظام الجديد أيّ موقف سلبي تجاه لبنان حتى الآن.
لبنان
أمام فرصة تاريخية لإعادة نسج علاقته مع سورية بعيداً عن المناكفات والمواقف
المسبقة والسياسات الصبيانية، والكرة الآن في ملعب لبنان فإمّا أن يقوم بواجبه وفق
ما تتطلبه سياسة الدول، وإمّا أن يشرّع الباب من جديد لتدخلات خارج إطار الدولة
ومفهومها ومؤسساتها.
د. وائل نجم